مصافي النفط في سوريا تواجه التحديات.. و"بانياس" تشهد خطة تطوير
سامر أبووردة

تُشكّل مصافي النفط في سوريا أحد أعمدة قطاع الطاقة، إذ تعتمد دمشق عليها لتأمين الجزء الأكبر من حاجتها من الوقود، غير أن الاضطرابات السياسية والأمنية أدّت إلى تدهورها.
ووفقًا لبيانات قطاع النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تبلغ الطاقة التكريرية للمصافي السورية 240 ألف برميل يوميًا، إذ تمتلك دمشق مصفاتين رئيستين في بانياس وحمص.
وتواجه المصفاتان الأساسيتان، بانياس وحمص، تحديات تشغيلية وفنّية متزايدة أثّرت في مستويات الإنتاج وكفاءة التكرير.
فمنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تراجع أداء مصافي النفط في سوريا تدريجيًا نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والعقوبات الاقتصادية وصعوبات التمويل، ما جعل البلاد تعتمد على واردات النفط الخام والمشتقات من الخارج لتغطية العجز المحلي.
وقبل عام 2011، كانت المصافي تلبّي نحو 75% من الطلب المحلي على الوقود، غير أن هذا المعدل انخفض إلى ما دون النصف خلال العقد الأخير.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، تتواصل مساعي إعادة تأهيل مصافي النفط في سوريا عبر خطط تحديث تدريجية تشمل المعدّات الأساسية ووحدات التحسين، بالتعاون مع شركات أجنبية، في محاولة لرفع الكفاءة التشغيلية وتحسين جودة المشتقات المنتَجة.
مصفاة بانياس
تُمثّل مصفاة بانياس، التي أُنشئت عام 1975 على الساحل السوري، أكبر مصافي النفط في سوريا بطاقة تصميمية تبلغ 133 ألف برميل يوميًا، أي ما يعادل 55% من الطاقة التكريرية الكلّية.
وتعتمد المصفاة على مزيج من الخام السوري الخفيف والثقيل لتأمين مرونة تشغيلية في ظل تقلّبات الإمدادات.
خلال السنوات الماضية، واجهت المصفاة مشكلات فنّية وبنيوية، من تآكل المعدّات وتقادم وحدات التحسين، إلى الأضرار الناجمة عن الزلزال الذي ضرب المنطقة في عام 2023.
ونتيجة لذلك، انخفضت طاقتها الفعلية إلى نحو 90–100 ألف برميل يوميًا، أي أقلّ بكثير من طاقتها التصميمية.

في ديسمبر/كانون الثاني 2024، توقفت المصفاة مؤقتًا عن العمل بسبب انقطاع شحنات النفط الإيراني عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد، قبل أن تستأنف عملياتها في 12 أبريل/نيسان 2025 بطاقة بلغت 95 ألف برميل يوميًا.
وفي 14 يونيو/حزيران 2025، أعلنت السلطات استئناف تصدير مادة النافثا عبر الناقلة "فيلوس فورتونا"، بحمولة بلغت 30 ألف طن متري من الفائض الإنتاجي.
وتخضع المصفاة حاليًا لأعمال صيانة وتحديث شاملة هي الأكبر منذ تأسيسها، ضمن خطة تمتد حتى عام 2026، وتهدف إلى استبدال مفاعلات وحدة تحسين البنزين.
وتشمل الخطة تعاونًا مع شركات محلية مثل "دبليو دي آر في إم" (WDRVM)، وأخرى عالمية مثل سولزر السويسرية وفيكتوريا البنمية، لتحديث منظومات التشغيل ورفع الطاقة الإنتاجية.
ويمثّل هذا المشروع نقلة نوعية لقطاع مصافي النفط في سوريا، إذ يُتوقّع أن يسهم في تحسين جودة المنتجات وتقليل الأعطال التشغيلية وتعزيز أمن الطاقة.

مصفاة حمص
أنشئت مصفاة حمص عام 1959، وهي أقدم مصافي النفط في سوريا بسعة تبلغ 107 آلاف برميل يوميًا، أي نحو 5.7 مليون طن سنويًا من المشتقات النفطية.
وتُكرر المصفاة مزيجًا بين نوعي الخام الخفيف والثقيل (40% خفيف، 60% ثقيل)، وتنتج غاز النفط المسال والبنزين والكيروسين وزيت الوقود، وتضم وحدات للتقطير الفراغي والهدرجة وتحسين النافثا الثقيلة، إلى جانب وحدات إنتاج الكبريت والنيتروجين والأكسجين.
غير أن المصفاة تعاني تراجعًا حادًا في الكفاءة التشغيلية نتيجة تقادُم المعدّات وسوء حالة التجهيزات، إذ لم يعد إنتاجها يتجاوز 10% من طاقتها الكاملة.
وتعتمد المصفاة -حاليًا- على النفط الخام الذي يُنقل عبر الصهاريج من الحقول القريبة لتلبية جزء محدود من الطلب المحلي.

ويحتاج تحديث المصفاة إلى استثمارات كبيرة وخطط صيانة معمّقة تشمل استبدال وحدات التقطير الرئيسة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بسبب ضعف التمويل وتقييد الواردات التقنية.
ورغم ذلك، تواصل المصفاة العمل بطاقة منخفضة لتأمين إمدادات أساسية من البنزين ووقود الطائرات.
مصفاة رميلان
في يناير/كانون الثاني 2022، أقامت القوّات الأميركية العاملة في شمال شرق سوريا مصفاة محدودة في حقل رميلان النفطي بريف الحسكة، بطاقة إنتاجية تقدّر بنحو 100 ألف برميل شهريًا، أي ما يعادل 3.3 آلاف برميل يوميًا.
تُستعمل هذه المنشأة لأغراض عسكرية بحتة، ولا تُعدّ جزءًا من منظومة التكرير الوطنية، لكنها تشير إلى التجزئة الإدارية والاقتصادية الذي يعيشها قطاع الطاقة السوري منذ سنوات.
إنتاج المشتقات النفطية في سوريا
تشير أحدث بيانات منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول (أوابك) إلى أن إنتاج سوريا من المشتقات النفطية بلغ نحو 52.9 ألف برميل يوميًا في عام 2023 -قبل سقوط نظام بشار الأسد-، لكن هذه الكمية ما تزال أقلّ كثيرًا من الاستهلاك المحلي الذي بلغ 138.3 ألف برميل يوميًا في العام نفسه.
وتُظهر الأرقام تراجُع إنتاج البنزين إلى 17.4 ألف برميل يوميًا، والديزل إلى 20.3 ألفًا، مقابل زيادة محدودة في إنتاج زيت الوقود إلى 12.5 ألفًا.
كما انخفض إنتاج غاز النفط المسال إلى 600 برميل يوميًا فقط، ما يعكس ضعف أداء وحدات التقطير بمصافي النفط في سوريا.
هذا العجز الهيكلي جعل سوريا تعتمد على استيراد المشتقات النفطية لتلبية الطلب الداخلي، مع توجُّه محدود نحو تصدير الفائض من بعض المنتجات مثل النافثا.
وبذلك تبقى مصافي النفط في سوريا بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، بانتظار نتائج خطط التحديث الجارية في مصفاة بانياس وما سيليها من مشروعات لإعادة تأهيل مصفاة حمص.
مستقبل مصافي النفط في سوريا
تواجه مصافي النفط في سوريا مستقبلًا معقّدًا بين الحاجة إلى التحديث العميق وقيود التمويل والعقوبات.
فبينما تمثّل خطط التطوير في بانياس خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنها لا تكفي وحدها لإعادة البلاد إلى مستويات التكرير السابقة لعام 2011.
ويرى محللون أن تحقيق الاستقرار الطاقي يتطلب استثمارًا مشتركًا بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى انفتاح تدريجي على التعاون التقني الخارجي لرفع كفاءة مصافي النفط في سوريا وبناء وحدات جديدة قادرة على تلبية الطلب المحلي المتنامي.
موضوعات متعلقة..
- معاناة مصفاة بانياس تكشف واقع التكرير ومنظومة نقل النفط السوري (تقرير)
- وزير النفط السوري يتفقد مصفاة حمص.. وعمليات لتأهيل حفارة آبار
- وزير النفط السوري لـ"الطاقة": تلقّينا وعودًا ولم يصلنا شيء.. وهذه تطورات مصفاة بانياس
- السعودية تدعم سوريا بـ1.6 مليون برميل نفط مجانًا (فيديو)
نرشّح لكم..
المصادر:
- الطاقة التكريرية لمصافي النفط في سوريا، من التقرير الإحصائي السنوي لـ"أوابك" 2024
- خطة تحديث مصفاة بانياس، من وكالة "سانا"





