تقارير الهيدروجينالتقاريررئيسيةعاجلهيدروجين

هل مشروعات الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان مُهدَّدة؟.. 4 خبراء يتحدثون

داليا الهمشري

تمثّل مشروعات الهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان ركيزة أساسية في خطط السلطنة للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة، مع توسع مستمر في تخصيص الأراضي وجذب المطورين الدوليين لبناء قدرات إنتاج وتصدير واسعة.

ورغم هذه الخطط والطموحات فقد فاجأت شركة هيدروجين عُمان (هايدروم) السوقَيْن المحلية والعالمية، بإعلانها تأجيل 2 من أصل 9 مشروعات قيد التطوير، بعد انسحاب شركة النفط البريطانية "بي بي" من تنفيذ مشروعَيْن.

وحسب منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن هذه التطورات تعكس تقلبات السوق العالمية، ومخاوف الصناعة من فجوة محتملة بين العرض والطلب على الوقود منخفض الانبعاثات، خصوصًا مع ارتفاع تكلفة إنتاج الهيدروجين.

ويرى عدد من الخبراء -في تصريحات إلى منصة الطاقة- أن تأجيل مشروعَيْن للهيدروجين في عُمان يعكس -بالأساس- تحديات تمويلية وتسويقية يواجهها القطاع عالميًا، وليس تراجعًا في توجهات السلطنة، مؤكدين أن القرار يمثّل لحظة تقييم واقعية في سوق ما تزال قيد التشكُّل.

وأوضح الخبراء أن إعادة ترتيب الأولويات والتركيز على مشروعات الهيدروجين الأخضر الأكثر جاهزية خطوة حكيمة لضمان النجاح الأوّلي وجذب التمويل، في ظل ضعف الطلب العالمي وارتفاع التكاليف.

تحديات تمويلية

يقول المدير التنفيذي لقطاع الهيدروجين في شركة شارت إندستريز، صلاح مهدي: "لا يمكن اعتبار تأجيل مشروعَيْن فقط من أصل 9 مشروعات تراجعًا في مسار الهيدروجين بالسلطنة؛ بل هو لحظة تقييم واقعية ومفصلية في رحلة عمان نحو التحول الطاقي".

وأكد مهدي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أنه على الرغم من أن هذا التأجيل يُعد أول انسحاب فعلي مُعلَن داخل منظومة مشروعات الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان، فإنه لا يشكّل بالضرورة مؤشرًا سلبيًا، موضحًا أن السوق العالمية ما تزال في طور التشكُّل، وتطوراتها تفرض أحيانًا مثل هذه القرارات.

وأشار إلى أن مشروعات الهيدروجين الأخضر بطبيعتها معقّدة وكبيرة الحجم وتتطلّب مواءمة دقيقة بين التكنولوجيا والبنية التحتية واتفاقيات الشراء طويلة الأجل للهيدروجين أو مشتقاته.

المدير العالمي لقطاع الهيدروجين في شركة شارت إندستريز المهندس صلاح مهدي

وأضاف مهدي: "من غير المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى أي تعطيل شامل لمشروعات الهيدروجين الأخضر في السلطنة أو انسحاب جماعي، على العكس، قد ينعكس إيجابًا على المشروعات الـ7 المتبقية".

وأضاف أن التأجيل جاء في ظل مخاوف عالمية من اختلال التوازن بين العرض والطلب على الوقود منخفض الانبعاثات، إلى جانب محدودية المشترين المستعدين -حاليًا- لتحمّل تكلفة مشروعات الهيدروجين الأخضر.

وتابع أن تركيز شركة هايدروم الحكومية على 7 مشروعات قوية بدلًا من 9 -لا سيما أن بعض هذه المشروعات يواجه تحديات تمويلية أو تسويقية- قد يعزّز فرص تنفيذها ضمن الجداول المستهدفة، ويدعم هدف السلطنة بإنتاج مليون طن بحلول عام 2030.

واستطرد قائلًا إن منهجية العمل في عُمان تقوم على محفظة متنوعة من المطورين، مع تقييم كل مشروع وفق نضجه الفني والتجاري، وهو ما يقلّل من احتمالات تأثر الجدول الزمني لمشروعات الهيدروجين الأخضر الأخرى.

إعادة ترتيب الأولويات

أكد المهندس صلاح مهدي أن المعطيات الحالية لا تعكس أي توجه نحو تقليص الطموحات، بل تركز على إعادة ترتيب الأولويات وتسريع دعم مشروعات الهيدروجين الأخضر الأكثر جاهزية.

ولفت إلى أن السلطنة أكدت التزامها الواضح برؤيتها، والدليل على ذلك أنها، بالتزامن مع إعلان التأجيل، مضت في إطلاق الجولة الثالثة لتخصيص أراضٍ لمشروعات الهيدروجين الأخضر، مع تقديم حوافز إضافية إلى المستثمرين بقيمة 3.6 مليار دولار، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات تعكس ثقة عُمان بأن الهيدروجين يمثّل فرصة إستراتيجية واقتصادية لها إقليميًا ودوليًا.

واختتم صلاح مهدي تصريحاته قائلًا: "قد تخضع بعض الجداول الزمنية للمراجعة، لكن دون أي تقليص في حجم الطموح أو الأهداف الكلية، وفي هذه المرحلة، تركز السلطنة على تسريع تنفيذ مشروع أو مشروعَيْن كبيرَيْن قادرَيْن على تحقيق الإغلاق المالي قريبًا، لإرسال رسالة واضحة أن عُمان ماضية بثبات في تنفيذ إستراتيجيتها، وهو ما سيعزّز ثقة المستثمرين العالميين بالسوق العُمانية".

من جانبه، أوضح المؤسس، الرئيس التنفيذي لمنصة هيدروجين إنتلجينس (المعنية باستشارات سوق الهيدروجين في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط)، المهندس أسامة فوزي جورجي، أنه على الرغم من انسحاب "بي بي" من أحد المشروعات التي خُصصت لها من قِبل هايدروم، فإن الشركة ما تزال حاضرة بقوة في مشروع آخر، وهو مشروع "هاي بورت" في المنطقة الاقتصادية بالدقم.

وأضاف أن المشروعات الـ7 الأخرى ما تزال مستمرة دون تغيير، ومنها مشروع الشركة الهندية "أكمي" الذي دخل فعليًا مرحلة الإنشاءات الأولية، ويُنفّذ على 3 مراحل.

وقال: "هايدروم، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن التراخيص وتسهيل الامتيازات وحق الانتفاع بالأراضي المخصصة لمشروعات الهيدروجين، أكدت أن انسحاب بي بي من أحد المشروعات لا يعكس انسحابًا من المنظومة بالكامل، ولا سيما أن مشروعها الآخر لا يزال قائمًا".

المؤسس الرئيس التنفيذي لمنصة هيدروجين إنتلجينس المهندس أسامة فوزي جورجي

مستقبل الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان

عبّر جورجي عن تفاؤله بقدرة سلطنة عمان على مواصلة مسارها نحو تحقيق هدف إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 على الرغم من أن هناك بعض العوامل الخارجية التي تؤثر في سرعة تقدم المشروعات، من أبرزها ضعف الإقبال العالمي -حتى الآن- على شراء الهيدروجين أو الأمونيا الخضراء المُصدرة من السلطنة، خاصة في الأسواق الرئيسة لعُمان في جنوب شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند واليابان.

وأكد أن عمان تواجه منافسة شرسة في هذه الأسواق من الإمارات والسعودية وأستراليا، ولا سيما من قِبل مشروع نيوم الذي يستهدف الأسواق نفسها.

وتوقع جورجي أن تكون سلطنة عُمان من الدول الرائدة في تصدير الهيدروجين الأخضر في المنطقة، على الرغم من أن السوق المحلية داخل السلطنة -حتى الآن- لم تُظهر طلبًا فعليًا من قطاعات مثل الحديد أو الأسمدة أو الأسمنت لشراء الهيدروجين أو الأمونيا الخضراء.

ولفت إلى أن غياب الطلب المحلي يجعل الشركات المنتجة تعتمد بالكامل على التصدير، وهو ما يفرض تحديات إضافية على قوة ونضج السوق.

ومن جهته، أكد عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لطاقة الهيدروجين في الولايات المتحدة، الدكتور حسام الناظر، أن الهيدروجين الأخضر ما يزال في مراحله الأولى عالميًا، سواء من حيث التكنولوجيا أو الأسواق أو الطلب.

وقال الناظر، إن "التقنيات ما زالت مرتفعة التكلفة، والأسواق غير مستقرة، والطلب العالمي لم يتشكّل بصورة واضحة بعد، ولذلك من الطبيعي أن تُعيد بعض الشركات تقييم إستراتيجياتها وخططها الاستثمارية، وهو أمر مرت به جميع الدول الرائدة في هذا القطاع".

وحول تأثير التطورات الأخيرة على مشروعات الهيدروجين في السلطنة، أوضح الناظر أن ذلك "لا يعني بالضرورة أي تأثير سلبي على بقية المشروعات"، مضيفًا أن عُمان تتبنّى -حاليًا- نهجًا قائمًا على التركيز على المشروعات الأكثر جاهزية لضمان نجاحها.

وتابع أن "هذه المقاربة ليست تراجعًا، بل خطوة حكيمة، لأن النجاح الأولي هو العامل الأهم لجذب المزيد من الاستثمارات لاحقًا".

عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لطاقة الهيدروجين بالولايات المتحدة الدكتور حسام الناظر

احتمال تقليص عدد المشروعات

حول احتمال تقليص عدد مشروعات الهيدروجين في سلطنة عمان مستقبلًا، قال الناظر إن هذا الاحتمال وارد، لكنه "لا يُعد مؤشرًا سلبيًا"، موضحًا أن الاتجاه العالمي يميل إلى عدد أقل من المشروعات، لكن ذات قوة وجاهزية أعلى.

وأضاف: "قطاع الهيدروجين يتطلّب استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات، ولا يرغب أي مستثمر أو حكومة في المضي قدمًا دون ضمانات واضحة".

وأكد الدكتور حسام الناظر أن عُمان لم تتراجع عن طموحاتها الهيدروجينية، وإنما "تسير بخطوات محسوبة توازن بين الطموح والواقعية، وهو بالضبط النهج الذي يشجع عليه المجتمع الدولي اليوم".

بينما أشار مدير وحدة أبحاث الطاقة أحمد شوقي، إلى أن انسحاب شركة "بي بي" من أحد مشروعات الهيدروجين في سلطنة عُمان لن يؤثر في الجدول الزمني للمشروعات الـ7 الأخرى قيد التطوير.

وأضاف أن القرار "مرتبط برغبة الشركة في إعادة ترتيب أولوياتها الاستثمارية عالميًا، وليس بعوامل تخص بيئة الاستثمار في السلطنة".

وأوضح شوقي أن "بي بي" أعادت خلال العامَيْن الماضيَيْن تقييم خططها في قطاع الطاقة النظيفة، إذ أصبحت مشروعات الهيدروجين الأخضر عالية التكلفة أقل أولوية بالنسبة إليها، في مقابل قرارها رفع استثماراتها السنوية في النفط والغاز إلى 10 مليارات دولار حتى عام 2027.

وأضاف أن هذا التحول قد انعكس بوضوح على قرارات الشركة خلال 2025؛ إذ ألغت مشروع "هاي غرين تيسيد" في المملكة المتحدة بقدرة تحليل كهربائي تصل إلى 500 ميغاواط، كما تخارجت من مشروع ضخم في أستراليا تصل قيمته إلى 36 مليار دولار.

ضعف الطلب

أشار شوقي إلى أن ما حدث في سلطنة عُمان يأتي في إطار "اتجاه عالمي واضح نحو التركيز على المشروعات الأعلى جدوى اقتصاديًا".

وأضاف أن كثيرًا من المستثمرين كانوا يعتقدون أن تسارع إعلانات المشروعات سيجعل الهيدروجين الأخضر أكثر تنافسية، لكن الواقع أثبت خلاف ذلك، فضعف الطلب وارتفاع تكاليف التنفيذ دفعا الشركات إلى إعادة تقييم خططها.

وفي المقابل، أكد أن السلطنة "ما تزال متمسكة بتنفيذ إستراتيجيتها للهيدروجين الأخضر"، حيث تقدّم حوافز قوية إلى المطورين تشمل تخفيضات كبيرة في رسوم تأجير الأراضي وإعفاءات ضريبية وحزم تسهيلات أخرى؛ بهدف تعزيز جاذبية المشروعات ورفع جدواها الاقتصادية.

وأشار إلى أن هذه السياسات "تعكس رغبة واضحة لدى عُمان في أن تُصبح أحد أكبر مصدري الهيدروجين الأخضر عالميًا خلال العقد المقبل".

مدير وحدة أبحاث الطاقة أحمد شوقي

وحول احتمال تقليص عدد مشروعات الهيدروجين الأخضر في عمان، لا يتوقع أحمد شوقي الاتجاه نحو إلغاء المشروعات القائمة، لكنه رجح "اعتماد معايير أكثر صرامة في تقييم المشروعات الجديدة وقبولها"، بحيث لا يُعتمد أي مشروع دون تقديم دراسة جدوى اقتصادية واقعية من جانب المستثمر.

وأضاف: "قد نشهد تأجيل المشروعات عالية المخاطر لعدة أعوام، إلى حين تحقيق استقرار أكبر في السوق العالمية بعد بدء تنفيذ عدد من المشروعات الأكثر نضجًا وجذبًا للطلب".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق