أنس الحجي: عقوبات ترمب تؤثر في عقود النفط العالمية.. العراق وفنزويلا نموذجًا
أحمد بدر

تشير المعطيات السياسية والاقتصادية الأخيرة إلى أن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب تُلقي بظلالها على عقود الطاقة حول العالم، خصوصًا مع اتساع نطاق تأثير سياساته في ملفات حساسة تتعلق بالاستثمارات النفطية وتوجهات الشركات الكبرى؛ ما يعيد تشكيل المشهد العالمي بطريقة معقّدة ومتسارعة.
وفي هذا السياق، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن تدخلات الرئيس الأميركي في العقود النفطية مع دول مثل العراق وفنزويلا أحدثت تضاربًا واضحًا في مواقف الشركات الدولية؛ إذ أصبحت القرارات السياسية تطغى على الحسابات الاقتصادية، وهو ما يفسر التحركات الأخيرة في عدد من مناطق الإنتاج الحيوية.
وأضاف أن الضغوط الأميركية المتزايدة في تلك المرحلة دفعت شركات كبرى إلى إعادة النظر في خططها، خصوصًا في العراق؛ حيث تجددت مفاوضات حساسة بشأن عقود تطوير بعض الحقول، في حين استمرّت الأزمة الفنزويلية بالتأثير المباشر في حركة التوريد، نتيجة العقوبات التي فرضها ترمب والتي قيّدت قدرة الشركات على التعاقد بحرية.
وأشار إلى أن سياسات ترمب في هذه الملفات لم تقتصر على العقوبات وحدها بل شملت توجيهات مباشرة للشركات الأميركية للتعامل مع بعض الأصول بطريقة تعكس مصالح سياسية أكثر منها اقتصادية؛ ما دفع الأسواق إلى قراءة المشهد العالمي عبر منظور جيوسياسي بحت، خاصة في ظل تشابك المصالح بين القوى الكبرى.
جاءت التصريحات خلال حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، الذي يقدمه الدكتور أنس الحجي على مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا) أسبوعيًا، وجاءت هذا الأسبوع تحت عنوان: "السياسة تستمر في تغيير اتجاهات تجارة النفط العالمية".
عقود العراق بين الضغوط الأميركية وتبدل مواقف الشركات
أوضح أنس الحجي أن المفاوضات الجارية بين الحكومة العراقية وشركة إكسون موبيل بشأن حقل غرب القرنة 2 تعكس حجم التداخل بين السياسة والطاقة؛ إذ جاء التحرك الأخير بعد العقوبات التي فرضها ترمب على شركة لوك أويل الروسية التي تمتلك الحصة الأكبر في العقد؛ ما وضع الأطراف في موقف معقد يتجاوز الحسابات التقليدية.
وبيّن أن قرار ترمب المتعلق بفرض العقوبات على لوك أويل أدى إلى تضييق كبير على قدرتها في بيع النفط العراقي إلى الأسواق العالمية؛ ما دفع الحكومة العراقية إلى البحث عن بديل قادر على إدارة الحصة الكبرى، وهو ما فتح الباب أمام إكسون موبيل وشركات أخرى لعرض رغبتها في الاستحواذ على هذه الحصة.

وأشار أنس الحجي إلى أن دخول إكسون موبيل مجددًا إلى العراق مثير للتساؤل، خصوصًا أنها غادرت البلاد في 2024 لأسباب تشغيلية ومالية وأمنية ما زالت قائمة حتى اليوم؛ ما يؤكد أن القرار هذه المرة لا يستند إلى منطق اقتصادي بل يرتبط مباشرة بتوجيهات سياسية تتماشى مع إستراتيجية ترمب في المنطقة.
وأضاف أن هذا التحول يخلق حالة من الغموض بشأن مستقبل الاستثمار الأجنبي في جنوب العراق؛ إذ قد يؤدي نجاح الرئيس الأميركي في إعادة رسم خريطة ملكيات الشركات داخل الحقول الكبرى إلى توترات مع الشركات الصينية العاملة في المنطقة؛ ما يضع الحكومة العراقية أمام تحديات إضافية تتعلق باستقرار العقود طويلة الأمد.
وحذّر الحجي من أن القرارات السياسية ذات الطابع الضاغط التي ارتبطت بعهد ترمب قد تفتح الباب أمام مزيد من التعقيد بين الشركات الأميركية والصينية في الحقول المشتركة؛ ما يعكس احتمالات حدوث تضارب مصالح على المدى القريب، خاصة مع ازدياد حساسية التوازنات الجيوسياسية في المناطق المنتجة.
ولفت إلى أن العراق يواجه اليوم مرحلة دقيقة تستلزم قراءة متأنية؛ فعودة شركات انسحبت سابقًا واستبدال شركاء دوليين نتيجة العقوبات الأميركية يؤكد أن الصناعة النفطية لم تعد محكومة بالأسعار والتكاليف فقط بل أصبحت جزءًا من منظومة سياسية تتغير باستمرار وتؤثر في مسار العقود المستقبلية.
فنزويلا بين العقوبات والاحتمالات المتصاعدة للتصعيد
أوضح أنس الحجي أن توقف الصين عن استيراد النفط الفنزويلي قبل التحذيرات الأميركية الأخيرة يعكس وجود معلومات استخباراتية مبكرة حول احتمالات التصعيد؛ إذ جاء ذلك في ظل تشديد العقوبات التي فرضها ترمب على قيادات وشركات فنزويلية؛ ما وضع البلاد أمام ضغوط غير مسبوقة أثرت مباشرة في صادراتها النفطية.
وأشار إلى أن وقف روسيا ضخ النفط عبر الميناء الذي تعرّض لاحقًا لهجوم يزيد من احتمالات وجود ترتيبات لم تُكشف بعد؛ إذ إن عمليات التوقف سبقت الحادثة بمدة؛ ما جعل مراقبي أسواق الطاقة يربطون هذه التطورات بالتغيرات السياسية التي أثارها الرئيس الأميركي في المنطقة وتأثيرها في خريطة الإمدادات.
وبيّن أن التساؤلات المطروحة اليوم تتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة ماضية نحو ضربة جوية محتملة، خاصة أن إجراءات ترمب السابقة هدفت إلى عزل النظام الفنزويلي ومنع أي مفاوضات محتملة، وهو ما يجعل الأزمة مرشّحة لسيناريوهات عدة قد تغير واقع قطاع الطاقة في البلاد.

وأكد أنس الحجي أن الادعاءات التي تربط الاهتمام الأميركي بالنفط الفنزويلي ليست دقيقة؛ إذ تستطيع الولايات المتحدة رفع وارداتها منه ببساطة عبر توقيع رئاسي واحد يخفف العقوبات؛ ما يعني أن تحركات ترمب لم تكن ذات صلة بالسعي إلى النفط بل تتعلق بأهداف سياسية أوسع لفرض تغيير في النظام.
وأضاف أن المقارنة بين ما يحدث اليوم وما حدث في العراق وأفغانستان وسوريا تعكس نمطًا ثابتًا من تبرير التدخلات عبر ذرائع قد تكون صحيحة أو مفتعلة؛ إذ إن موضوع المخدرات في فنزويلا بات يُناقش بوصفه ذريعة مشابهة لأسلحة الدمار الشامل في العراق، وهو ما يزيد الشكوك حول دوافع الضغوط الأميركية.
وشدد على أن التطورات الأخيرة؛ ومنها منع الطيران فوق فنزويلا ثم تجاوزه بطريقة غير مباشرة بعد قبول كاراكاس إعادة المهاجرين غير الشرعيين، تؤكد أن الأزمة أكثر ارتباطًا بالبُعد السياسي الذي رسّخته قرارات ترمب وأن مستقبل العقود النفطية في البلاد سيظل مرهونًا بتوازنات معقدة في المرحلة المقبلة.
تأثير سياسات ترمب في عقود النفط العالمية
أكد أنس الحجي أن التعامل مع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أسواق الطاقة يستلزم فهم أن قراراته أوجدت نموذجًا جديدًا في إدارة العقود؛ إذ أصبحت الشركات الكبرى تتحرّك وفق حسابات سياسية أكثر وضوحًا من أي وقت مضى؛ ما يضع الصناعة في مواجهة مرحلة تتغير فيها الأسس التقليدية للاستثمار.
وأشار إلى أن الأثر الأكبر لعقوبات ترمب يكمن في إعادة رسم أدوار الشركات الأميركية داخل مناطق النفوذ التقليدية؛ إذ قد يؤدي انتقال الأصول من شركات روسية إلى أميركية إلى خلق موجات جديدة من التوتر، خصوصًا في العراق؛ حيث تتداخل مصالح واشنطن وبكين بشكل مباشر داخل الحقول المنتجة.

وأضاف أنس الحجي أن انتقال النفوذ داخل الأسواق لا يرتبط فقط بالضغوط السياسية بل بتغير طبيعة المخاطر التي تواجه الشركات؛ فالعقوبات التي فرضها ترمب على عدد من الدول والشركات جعلت الشركات تعيد تقييم حضورها الجغرافي؛ ما أدى إلى تعديل إستراتيجيات الاستثمار بعيدًا عن المنطق الاقتصادي البحت.
وشدد على أن سياسة ترمب القائمة على تضييق الخناق على الخصوم دفعت بعض الشركات الدولية إلى البحث عن مناطق أكثر استقرارًا، في حين دفعت شركات أخرى إلى دخول أسواق حساسة لتعويض خسائر محتملة؛ ما يعكس اختلالًا واضحًا في توازنات الشركات داخل منظومة الطاقة العالمية.
ولفت إلى أن هذه القرارات ساعدت على إظهار هشاشة الروابط بين السياسة والطاقة؛ إذ أدت تدخلات الرئيس الأميركي في ملفات مثل العراق وفنزويلا إلى تغييرات كبيرة في حركة الإمدادات؛ ما يفرض على اللاعبين الكبار إعادة حساباتهم تجاه العقود المستقبلية والبيئة السياسية المحيطة بها.
واختتم تصريحاته بأن الأسواق العالمية لن تعود إلى استقرارها الطبيعي ما لم يتضح اتجاه السياسات الأميركية؛ إذ إن آثار ترمب لم تتلاشَ حتى اليوم، ولا تزال تتحكم في مواقع النفوذ بين الشركات الكبرى؛ ما يجعل مستقبل العقود النفطية عالميًا رهينًا بقرارات سياسية لا تقل تأثيرًا عن المتغيرات الاقتصادية المباشرة.
موضوعات متعلقة..
- طاقة الرياح البحرية في أميركا حاسمة لموثوقية الشبكة رغم اعتراضات ترمب
- مستقبل الطاقة النووية في أميركا على المحك بسبب ترمب.. والشفافية خط الدفاع الأول
- تحول الطاقة العالمي يواجه مستقبلًا غامضًا بسبب ترمب
اقرأ أيضًا..
- حقول النفط والغاز في موريتانيا.. أبرز المعلومات عن الاحتياطيات والإنتاج (ملف خاص)
- موازنة السعودية تتوقع تراجع الإيرادات النفطية 44.5 مليار دولار في 2025
- السيارات الكهربائية في النرويج.. 35 عامًا من الدعم بفضل عائدات النفط والغاز
المصدر:





