التقاريرتقارير الغازتقارير الكهرباءتقارير دوريةرئيسيةغازكهرباءوحدة أبحاث الطاقة

أزمة توربينات الغاز تتفاقم.. هل تعيد الفحم والنفط إلى المشهد؟ (تحليل)

وارتفاع أسعار الكهرباء يثير القلق

وحدة أبحاث الطاقة - مي مجدي

اقرأ في هذا المقال

  • الطلب على التوربينات في 2025 قد يتجاوز 85 غيغاواط
  • قدرة التصنيع الحالية تبلغ 70 غيغاواط موزعة على 25 شركة
  • تراكم طلبات توربينات الغاز سيستمر حتى بعد 2028
  • 3 شركات تسيطر على 70% من الإنتاج العالمي
  • مشروعات محطات الغاز بقيمة 400 مليار دولار مهددة نتيجة الأزمة

في أروقة محطات الكهرباء الحالية، تعمل آلات ضخمة تفوق حجم الحافلات ووزنها يقارب وزن قطيع من الأفيال، تُعرف بـ"توربينات الغاز"، إذ تتحمّل شفراتها وأقراصها حرارة تتجاوز 2000 درجة فهرنهايت، وتدور أكثر من 50 مرة في الثانية، لتحول الغاز الطبيعي إلى كهرباء لدعم استقرار الشبكات.

فمنذ عقود، شكّل توليد الكهرباء بالغاز جسرًا نحو مستقبل منخفض الانبعاثات، لكن القطاع شهد تقلبات مستمرة على مدى العقد الماضي، بافتراض أن الطاقة المتجددة والضغوط العالمية لخفض الانبعاثات ستزيح الوقود الأحفوري تدريجيًا.

وبين عامَي 2022 و2023، بدت توربينات الغاز وكأنها صناعة على حافة الانقراض، لكن بنهاية 2023 ارتفع الطلب على نحو استثنائي، لتسارع الشركات في تعزيز القدرة الإنتاجية، لتلبية احتياجات السوق المتعطشة، خصوصًا مع زخم مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.

وخلال العام الجاري، يُتوقع أن يتجاوز الطلب العالمي قدرة تصنيع التوربينات العالمية بنسبة 20%، ما يعني ارتفاع الأسعار وطول أوقات التسليم.

وارتفع الطلب العالمي على التوربينات في 2024 بأكثر من 34%، ليقترب من 60 غيغاواط، وهو أعلى مستوى مسجل خلال عقد.

وتشير التقديرات إلى أن الطلبات الجديدة في عام 2025 ستسجل رقمًا قياسيًا، لتصل إلى أكثر من 85 غيغاواط، أي زيادة بنحو 50% مقارنة بالعام السابق، وفق وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).

ومع قدرة تصنيع حالية لا تتجاوز 70 غيغاواط، وموزعة على نحو 25 شركة كبرى و40 مصنعًا، باتت الصناعة عاجزة عن مواكبة هذا الطلب.

وتظهر البيانات أن تراكم الطلبات سيستمر حتى ما بعد 2028، ودفع ذلك بعض الشركات إلى زيادة قدرتها الإنتاجية بنسبة 30-40%.

أزمة توربينات الغاز تعصف بالأسواق

أدّى ارتفاع الطلب على الكهرباء وعودة الوقود الأحفوري إلى الواجهة مرة أخرى، إلى زيادة الطلب على توربينات الغاز، فضلًا عن ارتفاع أسعارها، ليتحول الوضع إلى أزمة حقيقية، ويرجع ذلك إلى:

  • مشكلات سلاسل التوريد التي لم تتعافَ بعد جائحة كورونا.
  • ارتفاع معدلات التضخم.
  • ارتفاع تكاليف العمالة ونقص المهرة منهم.

وكان الحصول على توربين جديد يستغرق عادة نحو عامَيْن، أما اليوم فقد يمتد الانتظار إلى 3 سنوات أو أكثر، وقد تصل إلى 7 سنوات في الولايات المتحدة.

وتكمن الأزمة في سيطرة 3 شركات على أكثر من 70% من قدرة إنتاج التوربينات عالميًا، وهي سيمنس إنرجي، وجنرال إلكتريك فيرنوفا، وميستوبيشي هيفي.

وهذه الشركات تورد عشرات التوربينات العملاقة سنويًا، لكن ذلك غير كافٍ لتلبية الطلب المتزايد في جميع أنحاء العالم.

وعلى صعيد الدول، تتوزع قدرات التصنيع لعام 2025 بين 6 دول، تتصدرها الولايات المتحدة، كما يوضح الرسم الآتي:

توزيع قدرة تصنيع توربينات الغاز حسب الدول في 2025
وتضاعف الطلب على التوربينات نتيجة الطفرة الحاصلة في الذكاء الاصطناعي ونمو مراكز البيانات، إلى جانب تعزيز كهربة المنازل والنقل والصناعات.

وفي قطاع مراكز البيانات، سيتضاعف استهلاك الكهرباء ليصل إلى 950 تيراواط/ساعة بحلول 2030، ما يستلزم استثمارات في التوليد تصل إلى 170 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، أدى التحول العالمي من الفحم إلى الغاز في مساعي خفض الانبعاثات إلى رفع الطلب على توربينات الغاز، خصوصًا مع عدم قدرة الطاقة الشمسية والرياح على توفير إمدادات كافية ومستقرة.

يأتي ذلك مع تعديل وكالة الطاقة الدولية موقفها بشأن الطلب على النفط والغاز، متوقعة مواصلة النمو في القطاعَيْن حتى عام 2050.

وأشارت إلى احتمال ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي إلى 5.6 تريليون متر مكعب سنويًا بحلول عام 2050، بزيادة 30% على عام 2024، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ومع الارتفاع الحاد في الطلب على توربينات الغاز، حذرت ريستاد إنرجي من أزمة أعمق تكمن في اختناقات إمدادات المكونات الأساسية نتيجة تمركز المورّدين الفرعيين، وينتج عن ذلك صعوبة تعزيز القدرة الإنتاجية.

تداعيات أزمة توربينات الغاز

حاليًا، يواجه ما يزيد على 400 مليار دولار من مشروعات محطات الكهرباء العاملة بالغاز، المخطط تنفيذها حتى نهاية العقد، خطر التأجيل أو الإلغاء، نتيجة أزمة صناعة توربينات الغاز، وسيؤثر ذلك سلبًا على المنافسة في السوق، ورفع أسعار الكهرباء للمستهلكين.

فقد ارتفعت أسعار الكهرباء الأميركية -على سبيل المثال- بنسبة 13% منذ عام 2022، ويُتوقع أن يبدأ تأثير مراكز البيانات في الأسعار قريبًا، وقد تمتد هذه التداعيات إلى السياسة، ليصبح ارتفاع أسعار الكهرباء قضية مهمة في الانتخابات النصفية الأميركية المقبلة (نوفمبر/تشرين الثاني 2026).

وارتفع استهلاك الكهرباء في أميركا بنسبة 2% عام 2024، وسط توقعات بأن ينمو الطلب بنسبة 25% بحلول 2030، بعد ركود دام 14 عامًا، على أن تشكّل مراكز البيانات 12% من إجمالي الطلب، مقارنة بنسبة هامشية قبل سنوات قليلة.

وحاليًا، يرتبط موقع محطات الكهرباء الجديدة العاملة بالغاز بانتشار مراكز البيانات الجديدة، حيث أصبحت قدرة الشبكة توفر عاملًا رئيسًا في تحديد مواقع المشروعات لتجنّب طوابير الاتصال الطويلة الناتجة عن كثرة الطلبات على مشغلي الشبكات.

وعلى الصعيد المناخي، يهدّد النقص العالمي في التوربينات بتعميق الهوة بين الدول الغنية والفقيرة، إذ قد يدفع الاقتصادات النامية إلى إطالة عمر الفحم.

وباستمرار هذا العجز يضطر بعض الدول إلى العودة إلى الفحم والنفط، بل ربما إلى المولدات الخاصة بالديزل وزيت الوقود، وهذا طلب إضافي غير متوقع على الفحم والنفط.

وتُعد فيتنام من بين الدول الأكثر عرضة لأزمة التوربينات، إذ تعتمد إستراتيجيتها على تطوير ما لا يقل عن 22 محطة كهرباء عاملة بالغاز بحلول 2030، وتخطّط لتعزيز القدرات بنحو 5 أضعاف خلال هذه المدة للتخلص من الفحم، رغم أن الغاز لم يشكّل سوى 7% من مزيج الكهرباء في 2024.

في الجهة المقابلة، تجد الدول المتقدمة نفسها مضطرة إلى تسريع نشر الطاقة الشمسية والرياح مدعومة ببطاريات باهظة التكلفة، إلى جانب زيادة معدلات تشغيل محطات الفحم، لتلبية الطلب، نتيجة انتشار السيارات الكهربائية ومراكز البيانات، وأجهزة التكييف والمضخات الحرارية.

ويوضح الرسم الآتي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات عبر المناطق حتى 2030:

استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات عبر المناطق

وحاليًا، يخطط المطورون في أميركا لبناء أكثر من 26 غيغاواط من قدرة محطات الغاز الجديدة بحلول 2028، فيما تهدف ألمانيا إلى بناء ما يصل إلى 20 محطة بحلول 2030.

كما تفكر اليابان في بناء محطات جديدة بعد تعديل الحكومة تقديراتها السابقة لانخفاض الطلب على الكهرباء، ويأتي ذلك جزئيًا لدعم توسع مراكز البيانات..

في الوقت نفسه، تشهد تقديرات تكلفة بناء المحطات العاملة بالغاز وتشغيلها ارتفاعات ضخمة، فقد تضاعفت تكاليف رأس المال للمشروعات الجديدة 3 مرات تقريبًا، من 700-1000 دولار/كيلوواط، إلى قرابة 2400 دولار/كيلوواط، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

شركات توربينات الغاز

نتيجة الضغوطات في قطاع توربينات الغاز، تتطلّع شركات، مثل جنرال إلكتريك فيرنوفا، لتلبية طلبات العملاء حتى عام 2030.

فقد سجلت زيادة في الطلبات 3 مرات على أساس سنوي، لتصل إلى 55 غيغاواط، متوقعة الوصول إلى 60 غيغاواط بنهاية العام.

بينما تسعى "ميتسوبيشي هيفي" لتسريع مضاعفة قدرتها الإنتاجية خلال العامَيْن المقبلَيْن، رغم حجز مواعيد التسليم لعامي 2027 و2028.

أما سيمنس إنرجي فقد ارتفعت الطلبات الجديدة بنسبة 17% على أساس سنوي، ويعود ثلثها إلى مراكز البيانات.

وترى الشركة أن التوربينات ليست سوى جزء من سلسلة معقدة لبناء محطة تعمل بالغاز، مشيرة إلى أن سلاسل التوريد بأكملها تكافح لمواكبة ارتفاع الطلب.

وحاليًا، تواجه هذه الشركات معضلة، إما زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، وقد يؤدي ذلك إلى فائض قد يُبطئ السوق، وإما التريث للاستفادة من قوة الأسعار، وقد يكلفها الفرص إذا تحققت التوقعات الأكثر تفاؤلًا لنمو الطلب على الكهرباء.

ويتميّز الغاز الطبيعي بالوفرة وسهولة التوزيع عند الحاجة، كما يُنظر إليه على أنه "وقود انتقالي" قادر على سد الفجوة بين حرق الفحم والتحول إلى شبكة كهرباء خالية من الكربون، إذ ينتج نصف كمية ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط/ساعة، مقارنة بالفحم.

بالإضافة إلى ذلك، يوفّر دعمًا احتياطيًا رخيصًا للطاقة المتجددة، ما يسمح بتسريع بناء شبكات نظيفة دون مخاطر انقطاع الكهرباء، فهل يتسبّب نقص توربينات الغاز في أزمة إمدادات عالمية؟

الخلاصة..

تشهد صناعة توربينات الغاز أزمة غير مسبوقة بسبب تزايد الطلب العالمي على الكهرباء، مدفوعًا بنمو مراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي، إذ يتجاوز الطلب قدرات التصنيع بنسبة 20%، وقد ينجم عن ذلك تأخر المشروعات وربما إلغاؤها، إذ تتسابق كبرى الشركات المصنعة -حاليًا- لتعزيز القدرات وتلبية الطلبات.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. الطلب على توربينات الغاز، من بلومبرغ.
  2. تأثير الطفرة في المحطات العاملة بالغاز، من باور ماغازين.
  3. شركات تصنيع توربينات الغاز، من وول ستريت جورنال.
  4. طلبات شركات تصنيع توربينات الغاز، من معهد أبحاث الطاقة.
  5. تكاليف مشروعات الغاز الجديدة، من معهد اقتصادات الطاقة.
  6. ارتباط محطات الغاز بمراكز البيانات، من رويترز.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق