بعد كوب 30.. هل تتحول مؤتمرات الأطراف لمناسبات بيئية رمزية؟ (مقال)
د. منال سخري

اختتمت قمة المناخ كوب 30 أعمالها في مدينة بيليم البرازيلية وسط أجواء من التفاؤل الحذر؛ إذ كانت القمة بمثابة اختبار جديد لإرادة العالم في مواجهة أزمة المناخ بعد 30 عامًا من المفاوضات المتكررة، والوعود المؤجلة.
وتأتي القمة -أيضًا- بعد 3 عقود من النصوص الدبلوماسية التي لا تزال عاجزة عن ترجمة الأهداف إلى أفعال ملموسة.
ورغم أن كوب 30 خرجت بحزمة من القرارات التي حاولت أن تعيد الثقة بمسار العمل المناخي؛ فإن التقييم العام كشف عن فجوة واضحة بين حجم التحديات العالمية وسرعة الاستجابة الفعلية.
وبينما احتفت بعض الوفود بما سُمِّي "تقدمًا تدريجيًا" خلال كوب 30، تساءل آخرون عمّا إذا كانت مؤتمرات الأطراف قد تحوّلت إلى مناسبة بيئية سنوية تتكرر فيها الخطابات أكثر مما تتغير فيها السياسات.
قرارات المؤتمر: محاولات لإنعاش المسار المناخي
قدمت كوب 30 في بيليم ما سُمِّي بـ"حزمة بيليم"، وهي خطة تسعى إلى تحقيق ما يُعرف بالتحول العادل، أي الانتقال نحو الطاقة النظيفة دون التضحية بحق الدول النامية في التنمية.
كما أُعلن رفع سقف التمويل المناخي المخصص للتكيف مع آثار التغير المناخي ليصل إلى ما يقارب 600 مليار دولار بحلول عام 2035، مع التركيز على دعم المجتمعات المحلية الأكثر هشاشة.
وشهدت قمة المناخ كوب 30 -أيضًا- تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي كان من أكثر الملفات جدلًا في القمم السابقة.
واتُّفِق على أن تُدار موارده عبر آلية تمويل دولية جديدة تحت إشراف البنك الدولي بشكل مؤقت، على أن تُراجع آليات الحوكمة في القمة المقبلة.
أما في ملف الوقود الأحفوري، فقد جاءت اللغة النهائية للنص أقل حسمًا مما كان متوقعًا. استعملت الوثيقة تعبيرات مثل "الحد التدريجي من استعمال الفحم والنفط والغاز"، دون تحديد جدول زمني ملزم أو آليات متابعة واضحة.
هذا الغموض خلال قمة المناخ كوب 30 يعد تراجعًا عن طموحات سابقة دعت إلى "التخلص الكامل" من الوقود الأحفوري.
وفي المقابل، اتفقت الدول المشاركة على مضاعفة الاستثمار في الطاقات المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030، وعلى تعزيز الكفاءة الطاقوية في القطاعات الصناعية والنقل.
كما أقرّت كوب 30 دعم برامج الحفاظ على الغابات المطيرة، خاصة في الأمازون والكونغو، باعتبارها رئة الكوكب ومخزنًا طبيعيًا للكربون.
وهكذا خرجت قمة المناخ كوب 30 بقرارات طموحة على الورق، لكنّها تركت الباب مفتوحًا أمام التأجيل والتأويل.
التمويل المناخي.. وعد متجدد أم التزام مؤجَّل؟
رغم الأرقام الكبيرة؛ فقد بقي التمويل المناخي النقطة الأكثر خلافًا بين دول الشمال والجنوب؛ فالدول النامية ترى أن التعهدات السابقة لم تُنفَّذ كما وُعدت، وأن مسار الدعم ما زال بطيئًا ومشحونًا بالشروط.
هذا الضعف في المصداقية يعكس أزمة أعمق في حوكمة التمويل المناخي، حيث تغيب الشفافية والمساءلة وتظل الالتزامات رهينة الإرادة السياسية لا الآليات القانونية.
وفي ظل نظام اقتصادي عالمي لا يزال يقيس النجاح بالأرباح لا بالاستدامة، يصبح السؤال مشروعًا: كيف يمكن تحقيق تحولٍ أخضر حقيقي في بيئة مالية لا تعترف إلا بالعائد السريع؟
المجتمع المدني.. حضور قوي وتأثير محدود
على هامش قمة المناخ كوب 30، خرج آلاف النشطاء من الشباب والنساء والمجتمعات المحلية في مسيرات طالبت بعدالة مناخية حقيقية وقرارات جريئة.
كانت بيليم مسرحًا لأكبر تظاهرات بيئية في تاريخ مؤتمرات الأطراف، لكن تأثير هذا الحراك الشعبي داخل قاعات التفاوض ظلّ محدودًا.
فالقرارات تُصاغ خلف الأبواب المغلقة، والمجتمع المدني يشارك غالبًا بصفة رمزية أكثر من كونه طرفًا فاعلًا في صياغة السياسات، وعلى الرغم من أن إشراكه ليس ترفًا، بل ضرورة لتعزيز الثقة.
فدون مشاركة حقيقية له، ستبقى المؤتمرات حبيسة لغة الدبلوماسية في حين يتحرك الشارع بسرعة أكبر من الحكومات.

مؤتمرات الأطراف.. بين الحوار والجمود
منذ أول قمة عام 1995، حافظت مؤتمرات الأطراف على إطارٍ تفاوضي دولي سمح ببقاء الحوار مفتوحًا، لكنها لم تتمكّن من الانتقال من التعهد إلى التنفيذ.
فبعد 30 دورة، ما زال العالم بعيدًا عن تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في حصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية، حيث تحذر التقارير العلمية من أن الكوكب يتجه نحو تجاوز درجتين على الأقل إذا استمرّ هذا الإيقاع البطيء.
وهو ما يعني أن الوقت المتبقي للتحرك الجادّ بدأ ينفد بالفعل، أمام هذا الواقع، يصبح إصلاح المنظومة المناخية ضرورة لا خيارًا، من خلال:
- ربط الالتزامات بآليات متابعة ومساءلة حقيقية.
- وضع جداول زمنية واضحة لخفض الانبعاثات.
- توجيه التمويل مباشرة إلى الدول والمجتمعات الأكثر تضررًا.
- توسيع مشاركة الشباب والفاعلين غير الحكوميين في التنفيذ لا في التمثيل فقط.
العدالة المناخية.. اختبار المصداقية
أثبتت قمة المناخ كوب 30 في بيليم أن العدالة المناخية أصبحت معيار الثقة بالنظام الدولي.
فالعالم لا يحتاج إلى مزيد من الخطط بقدر ما يحتاج إلى إرادة سياسية تُوازن بين البيئة والتنمية.
والمقصود بالعدالة هنا ليس فقط التعويض المالي، بل تعني إعادة توزيع الأعباء والمسؤوليات وفق الانبعاثات التاريخية لكل دولة، كي لا يدفع الفقراء ثمن أخطاء الأغنياء.
ذلك لأن التغير المناخي لم يعد قضية بيئية فحسب، بل قضية أمنٍ غذائي ومائي وطاقة، تمسّ صميم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للكوكب.

أي طريق تختاره القمم المقبلة؟
قمة بيليم أعادت طرح السؤال القديم بصيغة جديدة: هل ستظل مؤتمرات الأطراف محطة سنوية لتكرار الوعود، أم ستتحول إلى أداة للتنفيذ الحقيقي؟ والاجابة تكمن في طريقين أمامها:
- الأول أن تبقى كما هي حدثًا دبلوماسيًا يتحدث عن الطموحات أكثر مما يحققها.
- الثاني أن تتحول إلى منصة فعلٍ ومساءلة، تُقاس نتائجها بما يتحقق على الأرض لا بما يُكتب في البيانات.
الطريق الثاني هو خيار البقاء؛ لأن العالم لم يعد يحتمل بطء القرارات ولا تكلفة التردد.
فالمناخ لا ينتظر، والكوكب يذكّرنا كل يوم بأن الوقت ينفد وأن الكلمات وحدها لا تُخفض درجة الحرارة.
* د. منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- قمة المناخ كوب 30.. الوقود الأحفوري وحريق الأمازون يُعطّلان "الختام"
- قمة المناخ كوب 30.. أسبوع ينتهي دون نتائج أو قرارات
- قمة المناخ كوب 30: وزير المالية المصري يطالب بـ"تمويل منصف" للاقتصادات الناشئة
اقرأ أيضًا..
- إيرادات صادرات النفط السعودي في سبتمبر 2025 ترتفع 10.7%
- أسعار ألواح الطاقة الشمسية في مصر تنخفض.. وهذه أبرز الأنواع
- إنتاج النفط في ليبيا.. 8 ركائز تدعم هدف مليونَي برميل يوميًا (تقرير)





