قصة كنز غاز مشترك بين السعودية وإيران.. ماذا حدث في 20 عامًا؟
سامر أبووردة
يمثّل كنز غاز مشترك بين السعودية وإيران غير مُستغل بالكامل واحدًا من أكثر المكامن البحرية تعقيدًا في الخليج العربي، بعدما امتدّ تاريخ تطوّره على الجانبين لما يزيد على عقدين.
وقد مرّ الحقل، المعروف باسم فرزاد B في الجانب الإيراني، و"العربية – الحصباة" في الجانب السعودي، بسلسلة طويلة من المفاوضات والتأجيلات والاستثمارات الضخمة التي شكّلت أحد أبرز الملفات الطاقية في المنطقة خلال السنوات الماضية.
ووفقًا لموسوعة حقول النفط والغاز العالمية لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، شهدت مرحلة ما بعد اكتشاف الحقل تعقيدات سياسية واقتصادية عطّلت الاستفادة من احتياطاته الكبيرة، التي تُقدَّر بنحو 23 تريليون قدم مكعبة في الجانب الإيراني.
وتغيّرت خريطة التطوير مرارًا، سواء بفعل العقوبات، أو بسبب الخلافات التجارية مع الشركات الهندية التي قادت مرحلة الاستكشاف الأولى.
في الوقت نفسه، مضت السعودية بخطوات متسارعة لبناء منظومة متكاملة لإنتاج الغاز غير المصاحب في حقلي العربية والحصباة، ضمن مشروعات ضخمة استهدفت تعزيز أمن الطاقة وتوفير إمدادات مستقرة لمحطات الكهرباء والصناعات والبتروكيماويات.
وشهدت السنوات الأخيرة تحولًا جوهريًا في المشهد، بعد بدأت إيران تنفيذ برنامج تطوير فعلي للحقل عبر شركة بتروبارس، مستهدفةً إنتاج مليار قدم مكعبة يوميًا خلال 5 سنوات، في خطوة تُعدّ الأهم منذ اكتشاف المكمن قبل عقود.
حقل فرزاد
يمثّل حقل فرزاد، الواقع على بُعد نحو 80 كيلومترًا شرق بندر بوشهر، الركيزة الأساسية للمشروع الإيراني في المكمن المشترك، إذ شهدت مراحله الأولى توقيع عقد استكشاف عام 2000 مع تحالف هندي، قبل أن يقتصر العمل على مرحلة المسوحات والحفر الأولية دون تقدُّم في التطوير.
وفي 2008 دخل الجانبان الإيراني والهندي مفاوضات جديدة، لكن انسحاب الشركات الهندية عام 2014 بذريعة العقوبات، أعاد المشروع إلى نقطة الصفر.
تجدّدت المفاوضات منتصف العقد الماضي، لكن الخلافات حول الأسعار زادت إطالة أمد المحادثات، حسب بيانات منصة الطاقة.
وبقيت المعضلة قائمة حتى 2021، عندما أعلنت طهران رسميًا منح حقوق التطوير لشركة بتروبارس في صفقة بقيمة 1.78 مليار دولار، مع تحديد هدف إنتاج مليار قدم مكعبة يوميًا من الغاز خلال 5 سنوات.
تطوير حقل فرزاد
في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت مرحلة التطوير الفعلية على الأرض، إذ بدأت شركة بتروبارس الإيرانية إنشاء منصة بحرية تمهيدًا للبدء في تطوير حقل فرزاد B.
وخلال نوفمبر/تشرين الثاني 2025، اكتملت عملية الرول-آب للهيكل المعدني للمنصة "دبليو إتش بي 1" (WHP1) البحرية التي يبلغ وزنها 2650 طنًا وارتفاعها 63 مترًا، في خطوة توصف بأنها الأكثر تقدمًا بتاريخ المشروع.
وستُستعمل المنصة لاستضافة 4 آبار إنتاجية في عمق مياه يتجاوز 50 مترًا على الحدود المائية مع السعودية.

وأكدت شركة النفط الوطنية الإيرانية أن حصة إيران في الحقل تبلغ 75% مقابل 25% للجانب السعودي، وأن السرعة في إنجاز الأعمال مسألة إستراتيجية لمنع ضياع الموارد المشتركة.
وتعتزم إيران نقل الغاز المنتج إلى شبكة خطوط الغاز الوطنية (IGAT)، بعد معالجته في مرافق برية ضمن مشروع بارس 2.
حقل الحصباة
يمثّل حقل الحصباة أحد مشروعين طوّرتهما السعودية في المكمن ذاته، وهما العربية والحصباة، اللذان اكتُشِفا عام 2008.
وبدأت شركة أرامكو منذ 2013 أعمال تطوير الجزء السعودي من الحقل، إذ بدأ إنتاجه في 2015، وفق بيانات منصة الطاقة المتخصصة.
وفي إطار إستراتيجيتها لتعزيز إمدادات الغاز، تواصل أرامكو السعودية تطوير حقلي العربية والحصباة، ثاني أكبر مشروع غاز غير مصاحب في المناطق المغمورة بعد حقل كران.
ويعتمد المشروع على منصات ربط ضخمة تعتمد أسلوب فوهة البئر الواحدة، ما يمكّن من حفر آبار عمودية عالية الإنتاجية عبر شبكة موزعة إستراتيجيًا في الحقل.
ويصل الإنتاج المجمع للحقلين إلى 2.5 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا، ما يعزز قدرة المملكة على تلبية الطلب المتنامي على الغاز ويدعم خطط التحول في منظومة الطاقة.

ويُوجّه إنتاج الحقلين كاملًا إلى معمل الغاز في واسط، المصمم لمعالجة 2.5 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا من الغاز الحامض، ويرتبط المشروع ببرنامج شامل يضم مرافق برية وبحرية، تشمل خطوط أنابيب تحت الماء بقطر 36 بوصة لنقل الغاز إلى المعمل، إضافة إلى منشآت الحصباة البحرية التابعة لمنطقة الأعمال الشمالية.
ويمثّل حقل الحصباة محطة بارزة عالميًا، إذ يضم 7 منصات تعدّ الأكبر من نوعها، بقدرة إنتاجية تصل إلى 350 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا لكل بئر، مع ضغوط تشغيلية غير مسبوقة تتجاوز 10 آلاف رطل/بوصة مربعة. ويعتمد حقل العربية تصميمًا مشابهًا بستّ منصات بحرية مرتبطة بمحطة ربط موحدة.
تاريخ كنز غاز مشترك بين السعودية وإيران
يمثّل المكمن المشترك مثالًا واضحًا لاختلاف مسارات التطوير بين الجانبين، إذ نجحت السعودية في إدخال الحقلين (حقل العربية - حقل الحصباة) إلى الإنتاج التجاري خلال مدة قصيرة، بينما أخّر تعدُّد الأطراف والظروف الجيوسياسية التقدم في الجانب الإيراني أكثر من 20 عامًا.
لكن التطورات الأخيرة تشير إلى تغيّر مهم، إذ بدأت إيران خطوات تنفيذية حقيقية عبر المنصات البحرية، بعد سنوات من التعثر، وفي المقابل، تواصل السعودية تعزيز قدرات إنتاج الغاز غير المصاحب لزيادة الاعتماد عليه في توليد الكهرباء وتقليل حرق النفط.
ويبدو أن المشهد المستقبلي للحقل المشترك سيخضع لمعادلة جديدة، مع دخول الجانب الإيراني مرحلة الحفر والإنتاج خلال السنوات المقبلة، بما قد يعيد رسم التوازنات في استغلال موارد الخليج البحرية، ويمنح البلدين مسارًا أكثر كفاءة لإدارة المكمن المشترك.
موضوعات متعلقة..
- أبرز حقول النفط والغاز المشتركة بين السعودية وإيران (تقرير)
- قفزة مرتقبة بإنتاج الغاز في الشرق الأوسط.. وهذا عدد الحقول المنتجة (تقرير)
- حقل آزادكان النفطي الإيراني.. قصة 33 مليار برميل تقاوم "العقوبات"
اقرأ أيضًا..
- مشروع طاقة ضخم للتخزين في الكهوف الملحية يشهد تطورات جديدة
- شركة إماراتية تُحول ناقلة نفط إلى وحدة عائمة.. وتعلن وجهتها القادمة
- لبنان يوقع اتفاقية ترسيم بحرية مع قبرص معطلة منذ 18 عامًا
المصادر:
- بيانات حقل الحصباة، من موقع أرامكو السعودية
- تركيب الهيكل المعدني لمنصة الحفر في حقل فرزاد B الإيراني، من "شانا"



