قمة المناخ كوب 31.. تركيا بين دبلوماسية الوساطة وتحديات تحول الطاقة (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- تركيا تُصنّف في المرتبة الـ15من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا
- تركيا تُولّد 35% من الكهرباء بالفحم و18% فقط من مصادر الطاقة المتجددة
- تحقيق أهداف الحياد الكربوني يتطلب نشرًا سريعًا لتقنيات الطاقة المتجددة
- قمة المناخ كوب 31 تتيح لتركيا ترسيخ ريادتها في التعاون الإقليمي بشأن المناخ
تستضيف تركيا قمة المناخ كوب 31 المقبلة بطموحات وتحديات تحول الطاقة، إذ اختيرت البلاد رسميًا الأسبوع الماضي لاستضافة هذه القمة في عام 2026، ما يرسّخ مكانتها حلقةَ وصل إستراتيجية بين الدول المتقدمة والنامية في دبلوماسية المناخ العالمية.
وبفوزها على أستراليا، تؤكد تركيا موقعها الجغرافي المتميز، وتطوراتها المؤسسية، مثل مديرية تغير المناخ، وقدرتها المؤكدة على تنظيم قمم دولية رفيعة المستوى، ويُعدّ تحديث المساهمة المحددة وطنيًا (NDC) ركيزةً أساسيةً في ترشيحها.
ويرفع التحديث نسبة تخفيض الانبعاثات المتوقعة من 21% إلى 41% بحلول عام 2030، مدعومًا بإستراتيجية طاقة طويلة الأجل تستهدف استعمال 80% من الوقود غير الأحفوري بحلول عام 2053.
من ناحية ثانية، توفر استضافة قمة المناخ كوب 31 لتركيا منصةً فريدةً لعرض طموحاتها المناخية، وحشد الاهتمام الدولي بتمويل المناخ، والتكنولوجيا الخضراء، ونشر الطاقة المتجددة.
نهج تركيا في الدبلوماسية والوساطة الإقليمية
في ترتيب غير مسبوق، ستتولى تركيا دور الدولة المضيفة رئيسة قمة المناخ كوب 31، في حين ستتولى أستراليا منصب رئيس المفاوضات، وهو ما يجمع بين دور تركيا بصفتها جسرًا جيوسياسيًا والقدرة الدبلوماسية الأسترالية وتمثيلها لمخاوف دول جزر المحيط الهادئ.
ويُركّز نهج تركيا تجاه قمة المناخ كوب 31 على العدالة والشمولية والوساطة.
وتعتزم البلاد عقد محادثات تُركّز على التنفيذ، واستضافة جلسات خاصة للمناطق المُعرّضة للخطر، وتسهيل التعاون بين الدول المتقدمة (الملحق الأول) ودول الجنوب العالمي.
ويستفيد الموقف من سجلّ تركيا في دبلوماسية القمم والوساطة، ويُصوّرها وسيطًا موثوقًا قادرًا على سدّ الفجوات الإقليمية والدولية.

في المقابل، فإن استضافة قمة المناخ كوب 31 تكشف عن تحديات مناخية محلية.
وتُصنّف تركيا في المرتبة الـ15من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا، إذ تُولّد 35% من الكهرباء بالفحم و18% فقط من مصادر الطاقة المتجددة.
ويُنذر النمو الصناعي واستمرار استثمارات الوقود الأحفوري، خصوصًا الفحم والغاز الطبيعي، بحصر البلاد في مسار كثيف الكربون.
وتُصنّف التقييمات المستقلة، مثل تلك التي أجراها برنامج "كلايمت أكشن تراكر"، إسهامات تركيا المحددة وطنيًا لعام 2030 بأنها "غير كافية على الإطلاق"، ما يُبرز الفجوة بين السياسات الحالية وهدف اتفاق باريس للمناخ المتمثل في إبقاء درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
وتؤكد نقاط الضعف الإقليمية -بما في ذلك انخفاض هطول الأمطار، وتقلبات الطاقة الكهرومائية في الأحواض الرئيسة مثل نهري دجلة والفرات، وتوسُّع المناطق القاحلة التي من المتوقع أن تؤثّر في أكثر من 30% من البلاد بحلول عام 2100- الحاجة الملحّة إلى مواءمة العمل المحلي مع متطلبات المناخ العالمية.
فرص إصلاح السياسات وتحول الطاقة
تُتيح قمة المناخ كوب 31 لتركيا فرصةً محوريةً لمعالجة التناقضات الداخلية في سياساتها المتعلقة بالطاقة والمناخ، مع ترجمة تعزيز حضورها الدبلوماسي إلى إجراءات ملموسة.
ويتطلب النجاح إستراتيجيةً شاملةً تُعزز حوكمة المناخ من خلال تطبيق نظام متين لتداول الانبعاثات "إي تي إس" (ETS) وقانون المناخ الصادر حديثًا، بما يضمن الشفافية والمساءلة وتماسُك السياسات.
وفي الوقت نفسه، يجب على تركيا تسريع وتيرة نشر الطاقة المتجددة بما يتجاوز هدفها الحالي المتمثل في 120 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2035، وتوسيع البنية التحتية لكلٍّ من توليد الكهرباء والشبكة لدعم انتقال مرن نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ويُعدّ وضع خطة موثوقة للتخلص التدريجي من الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى أمرًا بالغ الأهمية لإظهار الالتزام بإزالة الكربون وبناء الثقة بين المستثمرين المحليين والدوليين.
بدورها، ستكون المراجعات الطموحة للإسهامات الوطنية المحددة لعامي 2030 و2035 حاسمة لمواءمة التزامات تركيا مع مسار ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية، ما يؤكد الريادة الوطنية والمصداقية الدولية.
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف دمج إصلاح السياسات والابتكار التكنولوجي وحشد الاستثمارات وتعزيز اللوائح التنظيمية لضمان أن تكون قمة المناخ كوب 31 منصةً لتحقيق تأثير مستدام، حيث تلتقي الاستدامة المحلية وأمن الطاقة والريادة العالمية في مجال المناخ.

احتياجات الاستثمار والبنية التحتية للطاقة
تُتيح استضافة قمة المناخ كوب 31 لتركيا فرصةً مهمة لجذب الاستثمارات في بُنيتها التحتية للطاقة.
ويتطلب تحقيق أهداف الحياد الكربوني نشرًا سريعًا لتقنيات الطاقة المتجددة -مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والحلول الناشئة- إلى جانب تحديث الشبكة الوطنية وأنظمة تخزين الكهرباء.
ويُعدّ تعزيز الأطر التنظيمية، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتقديم حوافز ضريبية ومالية للمستثمرين المحليين والدوليين على حدّ سواء، أمرًا أساسيًا لدعم هذا التحول.
وتهدف الإجراءات إلى ترسيخ أمن الطاقة المحلي وتعزيز التزام تركيا بدمج أهداف المناخ مع التنمية الاقتصادية، ما يُبرز مصداقيتها وطموحها في المفاوضات العالمية.
ويُعدّ الاستثمار المُنسّق في البنية التحتية الحديثة للطاقة أمرًا حيويًا لضمان ترجمة التزامات تركيا الدولية المتعلقة بالمناخ إلى نتائج محلّية ملموسة.
الريادة الإقليمية ودبلوماسية المناخ
تتيح قمة المناخ كوب 31 لتركيا ترسيخ ريادتها في التعاون الإقليمي بشأن المناخ.
ومن خلال الاستفادة من هذه المنصة لتعزيز ممرات الطاقة النظيفة، واتفاقيات الهيدروجين، ومبادرات التمويل الأخضر، يُمكن لتركيا تعزيز التعاون في جميع أنحاء الشرق الأوسط والمناطق المجاورة، ما يُسهم في خلق مصالح مشتركة في مجال المناخ والطاقة قد تُخفف من حدّة التوترات الجيوسياسية.
ويتطلب نجاح هذه الجهود تحقيق التوازن بين الالتزامات الدولية الطموحة والسياسات المحلية العملية، بما يضمن تجاوز الدبلوماسية المناخية التركية للرمزية لتحقيق نتائج بيئية واقتصادية واجتماعية ملموسة.
ويسمح دمج سياسات الطاقة والاستثمار والمناخ لتركيا بتقديم نموذج للتنمية المستدامة، مع تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليميين.

الأدوار الرئيسة والتحديات الإستراتيجية
تشمل رئاسة تركيا لقمّة المناخ كوب 31 أدوارًا إستراتيجية متعددة.
ويوفر هذا المؤتمر منصة ريادية عالمية لعرض هدفها المتعلق بخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2053، وقانون المناخ، ومبادرات الطاقة المتجددة، مع التركيز على تمويل المناخ، ونقل التكنولوجيا، ونشر الطاقة النظيفة.
من جهة ثانية، تضع الرئاسة المزدوجة مع أستراليا تركيا جسرًا بين الدول المتقدمة (الملحق الأول) ودول الجنوب العالمي، مما يتيح الوساطة والمفاوضات الشاملة، والدعوة إلى تحقيق وصول عادل إلى التمويل والتكنولوجيا.
إزاء ذلك، يتعين على تركيا مواجهة التناقضات الداخلية، بما في ذلك الاعتماد على الفحم والوقود الأحفوري، وعدم كفاية نشر الطاقة المتجددة، و"القصور الحادّ" في الإسهامات المحددة وطنيًا، وجميعها تُبرز الفجوة بين الطموح والعمل.
وتوفر قمة المناخ كوب 31 فرصة لمواءمة السياسات من خلال تعزيز الحوكمة، وتسريع نشر الطاقة المتجددة، وخطط التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتقديم إسهامات محددة وطنيًا طموحة.
ويعتمد النجاح على دمج التنمية المحلية مع التعاون الإقليمي والالتزامات المناخية العالمية، بما يضمن ترجمة الرؤية الدبلوماسية إلى فوائد ملموسة للمجتمع، وأمن الطاقة، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.
الخلاصة..
تُمثّل استضافة تركيا لقمّة المناخ كوب 31 فرصةً وتحديًا فريدين؛ فهي تُرسّخ مكانة تركيا فاعلًا محوريًا في دبلوماسية المناخ العالمية، قادرًا على مدّ الجسور بين الدول المتقدمة والنامية، وتعبئة التمويل المناخي، واستعراض هدفها المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053 وقانون المناخ.
وفي الوقت نفسه، تواجه تركيا قيودًا محلية، واعتمادًا مستمرًا على الوقود الأحفوري، وضعفًا في نشر الطاقة المتجددة، ونقصًا حادًا في إسهاماتها المحددة وطنيًا، ما قد يحدّ من تأثير هذه القمة.
ولتعظيم فوائد قمة المناخ كوب 31، يجب على تركيا تعزيز الأطر التنظيمية، وتسريع الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، وتنفيذ خطة موثوقة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتقديم إسهامات محددة وطنيًا طموحة.
ومن خلال مواءمة السياسات المحلية مع الالتزامات الدولية، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية البيئية، ودمج إستراتيجية الطاقة والاستثمار والمناخ، يُمكن لتركيا تحويل قمة المناخ كوب 31 من حدث رمزي إلى منصة دائمة للريادة العالمية في مجال المناخ، وتحول الطاقة المستدامة، والتعاون الإقليمي.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- تغير المناخ يضرب تركيا.. حرائق الغابات تستعر وتطارد السكان
- مناجم الفحم في تركيا تتحول إلى محطات شمسية.. خريطة المشروعات الجديدة
- قطاع الطاقة المتجددة في تركيا يترقب إضافة 2 غيغاواط
اقرأ في هذا المقال..
- وزير الطاقة السعودي تعليقًا على قرار أوبك+: الأهم في تحديد مستويات إنتاج النفط
- أكبر صفقات الغاز في نوفمبر 2025.. السعودية والإمارات بالمقدمة
- أوبك+ يكشف آلية تحديد خط الأساس لحصص إنتاج النفط في 2027





