المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغازمقالات النفطنفط

صدمة قطاع النفط والغاز الروسي تحت تأثير عقوبات ترمب.. هل ينجو؟ (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • قاعدة الوقود الأحفوري التي تُشكل أساس موازنة روسيا الفيدرالية تتدهور بوتيرة متسارعة
  • ضريبة استخراج المعادن شكّلت تاريخيًا ما يصل إلى 85% من إجمالي إيرادات النفط والغاز
  • رغم الآمال الغربية لم تتخل الصين ولا الهند عن واردات النفط والغاز الروسية
  • فقدان أصول الطاقة في الخارج يُسرّع من انجراف روسيا الاقتصادي نحو الداخل

يواجه قطاع النفط والغاز الروسي مشكلات اقتصادية كبيرة بفعل تأثير حزم العقوبات وتقلبات الأسواق، ما يتسبّب في انخفاض إيرادات الموازنة الاتحادية.

ويشهد اقتصاد النفط والغاز في روسيا أشد صدمة هيكلية منذ أوائل التسعينيات؛ فما بدا للوهلة الأولى أشبه بآلة نفط مستقرة في زمن الحرب –قادرة على تجاوز العقوبات، وإعادة توجيه التدفقات إلى آسيا، وتمويل طموحات الكرملين العسكرية– بدأ الآن يُظهر مؤشرات واضحة على تآكل شامل.

ومن يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2025، بلغت إيرادات النفط والغاز الروسية 7 تريليونات و498 مليار روبل (89 مليارًا و976 مليون دولار)، بانخفاض قدره 21.4% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

وبالأرقام المطلقة، اختفى ما يقرب من تريليوني روبل من إيرادات قطاع النفط والغاز الروسي التي تمثّل المحرك الرئيس لاقتصاد البلاد، في أقل من عام.

(روبل روسي = 0.012 دولارًا أميركيًا)

إجمالي الإيرادات الاتحادية

بدلًا من السماح لهذا التباطؤ بالظهور في الموازنة العمومية، أفادت وزارة المالية الروسية بأن إجمالي الإيرادات الاتحادية لفترة الأشهر الـ10 نفسها بلغ 29 تريليونًا و924 مليار روبل، أي أعلى من الناحية التقنية بنسبة 0.8% عن عام 2024.

وانخفضت النفقات بنسبة 15.4%، لتصل إلى 34 تريليونًا و113 مليار روبل.

نظريًا تشير هذه الأرقام إلى مرونة، وتعكس نموذجًا ماليًا مدعومًا حاليًا بالاستخراج المحلي -ضرائب أعلى، ورسوم إجبارية، وتسريع تحصيل ضريبة القيمة المضافة– ما يتناقض مع وضع روسيا المفترض بوصفها "قوة عظمى في مجال الطاقة".

وتتناول الأقسام التالية، بتفاصيل غير مسبوقة، العوامل التي تدفع روسيا إلى انكماش الوقود الأحفوري، والعواقب المتتالية على بصمتها العالمية في مجال الطاقة، والآثار الجيوسياسية والجيو-اقتصادية الأوسع.

مصفاة النفط التابعة لشركة غازبروم نفط بمدينة أومسك في روسيا
مصفاة النفط التابعة لشركة غازبروم نفط بمدينة أومسك في روسيا – الصورة من رويترز

أولًا: قطاع النفط والغاز الروسي في حالة انهيار

تُظهر بيانات الحكومة الروسية اتجاهًا واضحًا، إذ تتدهور قاعدة الوقود الأحفوري التي تُشكل أساس موازنتها الاتحادية بوتيرة متسارعة.

في عام 2021، بلغ إجمالي إيرادات النفط والغاز 9.056 تريليون روبل، وفي عام 2022 ارتفعت إلى 11.586 تريليون روبل، بفضل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية والعقوبات الغربية التي رفعت هوامش ربحية المراجحة في قطاع الشحن.

بحلول عام 2023، انهارت الإيرادات إلى 8.822 تريليون روبل، لتنتعش في عام 2024 إلى 11.131 تريليون روبل. ويبدو أن هذا الانتعاش كان بمثابة "العام الأخير من الركود".

في عام 2025، سيكون التراجع هيكليًا، ومع مرور 10 أشهر على الموازنة وانخفاض الإيرادات بنسبة 21.4%، تتوقع وزارة المالية الآن أن يصل إجمالي الإيرادات للعام بأكمله إلى 8.5 تريليون روبل فقط.

وسيمثّل هذا أكبر انخفاض متعدد السنوات في دخل روسيا من النفط والغاز منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

ويتوّج هذا الانخفاض سلسلة من الصدمات الاقتصادية التي أثرت بصفة مباشرة في الأسر الروسية؛ فمنذ يناير/كانون الثاني 2025، ارتفعت أسعار البنزين بالتجزئة بنسبة 12%، وزادت أسعار المرافق بنسبة 11.9% في 1 يوليو/تموز الماضي، وارتفعت تعرفات الغاز على وجه التحديد بنسبة 10.3%.

ويبلغ التضخم الرسمي 4.3%، لكن نمو الأسعار في الفئات الأكثر صلة بالحياة اليومية يتجاوز هذا الرقم بكثير.

حتى مع خسارة روسيا دولارات النفط في الخارج، فإنها تستخرج المزيد من أجل سكانها.

بدءًا من عام 2026، سترتفع ضريبة القيمة المضافة بنقطتَيْن مئويتَيْن، ما يولّد 1.5 تريليون روبل إضافية سنويًا، وهو مبلغ يعادل تقريبًا الخسارة في إيرادات النفط والغاز خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025.

إزاء ذلك، يستبدل الكرملين الضرائب الداخلية من الأسر والشركات بالدخل الخارجي من صادرات الوقود الأحفوري.

ثانيًا: لماذا تُعدّ الأرقام المالية مُضلّلة؟

يحاول الكرملين الحفاظ على وهم الاستقرار من خلال التلاعب بتركيبة الإيرادات بدلًا من مصدرها الحقيقي.

وارتفعت الإيرادات غير النفطية والغازية بنسبة 11.3% في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2025، ما ساعد على تعويض الانخفاض الحاد في تدفقات الوقود الأحفوري.

وتنبع هذه الزيادة من ارتفاع الضرائب، وليس من النمو الاقتصادي العضوي.

بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، ارتفعت الإيرادات الاتحادية الإجمالية رسميًا بنسبة 0.8%، وهذا يعود إلى استعمال وزارة المالية لقوانين جديدة لتسريع تحصيل الضرائب وتطبيق معدلات أعلى على فئات متعددة، بما في ذلك استخراج المعادن ورسوم التصدير.

في الوقت نفسه، انخفضت النفقات بنسبة 15.4%، ليس لأن الدولة تُنفق أقل على المجهود الحربي، وإنما لأنها تُؤجل الاستثمار وتُؤخر المدفوعات في مختلف القطاعات.

عمليًا، تُوجّه الوزارات لتأخير مدفوعات المقاولين، وتُوزّع أوامر الدفاع على فترات زمنية أطول، وتتلقى الموازنات الإقليمية تحويلاتها في وقت متأخر عن المعتاد.

والنتيجة هي مشهد مالي يبدو مستقرًا، ولكنه يعتمد بصورة متزايدة على الإكراه؛ المزيد من الضرائب المحلية، والمزيد من الرقابة الإدارية، والمزيد من الضغوط المالية على الأسر.

مضخات النفط خارج مدينة ألميتيفسك في روسيا
مضخات النفط خارج مدينة ألميتيفسك في روسيا – الصورة من رويترز

ثالثًا: انهيار ضريبة استخراج المعادن ونهاية دولة البترودولار

يتجلى أبرز دليل على التراجع الهيكلي في ضريبة استخراج المعادن "إم إي تي" (MET)، التي شكلت تاريخيًا ما يصل إلى 85% من إجمالي إيرادات النفط والغاز.

في عام 2025، انخفضت إيرادات ضريبة استخراج المعادن بنسبة 25%، لتصل إلى 7.9 تريليون روبل فقط، في حين انخفضت ضريبة الدخل الإضافية "إيه آي تي" (AIT) على استخراج الهيدروكربونات بنسبة 21.5%، لتصل إلى 1.61 تريليون روبل.

وتعكس هذه التراجعات انخفاض أسعار التصدير والاختناقات اللوجستية الناجمة عن العقوبات.

وكانت الحكومة قد أعادت تصميم نظام ضريبة النفط سابقًا للاعتماد بصورة أكبر على ضريبة استخراج المعادن وضريبة الدخل الإضافية بدلًا من رسوم التصدير، بافتراض أن ضرائب الإنتاج المحلي ستكون أكثر استقرارًا.

وقد انهار هذا الافتراض الآن، فمع انخفاض الأسعار، وزيادة الخصومات، وارتفاع تكاليف شحن النفط الخام الخاضع للعقوبات، أصبحت الشركات الروسية غير قادرة بصورة متزايدة على تحقيق الأرباح اللازمة للوفاء بهذه الالتزامات الضريبية دون رفع الأسعار المحلية.

وهكذا أصبح الكرملين محاصرًا؛ فهو لم يعد قادرًا على استخراج إيرادات كافية من المشترين الأجانب، وعلى دفع الضرائب المحلية على الاستخراج إلى مستويات أعلى كثيرًا من دون تعريض الإنتاج نفسه للخطر.

رابعًا: انهيار شركة لوك أويل.. إمبراطورية عالمية تحت الحصار

لا تُجسّد أي شركة الواقع الجديد أفضل من لوك أويل (Lukoil)، أكبر مُنتج نفط خاص في روسيا.

في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على لوك أويل وشركاتها التابعة، مانحةً البنوك العالمية وشركات التأمين والشركاء التجاريين مهلة شهر واحد -حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني- لوقف جميع التعاملات التجارية مع الشركة. وكانت التداعيات سريعة وشديدة.

وحاولت لوك أويل بيع أصولها الأجنبية إلى غونفور (Gunvor)، وهي شركة تجارة السلع العالمية، لحمايتها من العقوبات.

بعد 8 أيام، رفضت وزارة الخزانة الأميركية الصفقة، واصفةً المشتري المقترح بأنه "دمية في يد الكرملين"، ومع انسداد هذا المسار، انهارت إمبراطورية لوك أويل الخارجية في فوضى تنظيمية.

ووضعت بلغاريا شركة لوك أويل نفتوشيم بورغاس (Lukoil Neftochim Burgas) تحت إدارة خارجية، ما جرد الشركة الروسية من سلطة اتخاذ القرار.

من جهتها، اقترحت مولدوفا شراء البنية التحتية لتخزين وقود الطائرات التابعة لشركة لوك أويل، وطلبت إعفاءً أميركيًا مؤقتًا استعدادًا للتأميم.

وبدأت فنلندا إغلاق محطات وقود تيبويل، بعد أن أوقفت شركة نيست (Neste) الإمدادات، وتوقفت البنوك عن معالجة المدفوعات.

وتدرس رومانيا تأميم مصفاة بتروتل، وتستعد لطلب من واشنطن بتأجيل العقوبات.

مستودع تابع لشركة لوك أويل الروسية
مستودع تابع لشركة لوك أويل الروسية - الصورة من بلومبرغ

وتمتد الأزمة إلى ما وراء أوروبا، ففي العراق، حيث تمتلك شركة لوك أويل حصة 75% في حقل غرب القرنة 2 الضخم (الاحتياطيات القابلة للاستخراج المقدرة 14 مليار برميل)، أعلنت الشركة حالة القوة القاهرة بعد أن جمّدت السلطات العراقية المدفوعات وألغت الشحنات المجدولة.

وفي غياب الحل، فقد يعاني حقل غرب القرنة 2 من توقف تشغيلي كامل، وهو سيناريو من شأنه أن يلحق الضرر بكل من العراق وروسيا.

في الوقت نفسه، استُبعدت شركة ليتاسكو (Litasco) -الذراع التجارية لشركة لوك أويل ومقرها جنيف- فعليًا من التمويل العالمي.

بدورها، ترفض البنوك في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وآسيا معالجة المدفوعات.

ورفضت الهيئة المصرية العامة للبترول شحنات البنزين، ويرفض سماسرة السفن في لندن طلبات التأجير. وقد قدرت وكالة بلومبرغ الأصول الأجنبية لشركة لوك أويل بمبلغ 21 مليار دولار في عام 2023؛ بتقدير مختلف عن رويترز البالغ 22 مليار دولار في عام 2024.

واليوم، في ظل التصفية القسرية، يعتقد محللون مستقلون أن لوك أويل لن تتمكن من استرداد أكثر من 3 مليارات دولار. ويُعد هذا أكبر تدمير لقيمة الشركات الروسية في الخارج منذ أزمة عام 1998.

خامسًا: أصول روسنفط العالمية

دخلت شركة روسنفط (Rosneft) عام 2025 وهي مُعتادة على العقوبات، بعد أن استولت ألمانيا على فروعها المحلية في عام 2022 ووضعتها تحت الوصاية الاتحادية.

ومدّدت المملكة المتحدة، لاحقًا، إعفاءً من العقوبات يسمح لها بالعمل حتى أكتوبر/تشرين الأول 2027، وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) إعفاءً مماثلًا لألمانيا حتى 29 أبريل/نيسان 2026. تمنح هذه الإعفاءات روسنفط وقتًا، لكنها لا تضمن لها الأمان.

وتتمثّل أهم أصول روسنفط في قطاع التكرير والتسويق في حصتها البالغة 49.13% في شركة نايارا إنرجي الهندية (Nayara Energy)، التي تُشغّل مصفاة فادينار التي تبلغ قدرتها 20 مليون طن سنويًا وشبكة وطنية لتجارة الوقود بالتجزئة.

وأجبرت عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تحظر استيراد أي منتجات مشتقة من النفط الروسي، وتدخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2026، شركة نايارا على إعادة توجيه إنتاجها المكرر إلى السوق الهندية المحلية، ما أدى إلى إجهاد التخزين وتقليص هوامش التصدير.

وفي قطاع الاستكشاف والاستخراج، ما تزال روسنفط حاضرة في مشروع سخالين-1 إلى جانب شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية فيديش (Videsh) وشركة سوديكو اليابانية (Sodeco).

وعلى الرغم من أن طوكيو تُصرّ على التزامها، أصبح مشروع سخالين الآن مُعرّضًا للخطر الجيوسياسي. وتمتلك روسنفط 30% من حقل ظهر المصري، و20% من تحالف شركات التنقيب البحري في موزمبيق.

ولا تمتلك روسنفط أيًا من هذه الأصول بأكثر من 50%، ما يحميها من العقوبات المباشرة، ولكنه لم يعد يضمن الاستقرار التشغيلي.

سادسًا: لعبة التحوط الصينية الهندية

على الرغم من الآمال الغربية، لم تتخل الصين ولا الهند عن واردات النفط والغاز الروسية، لكن بكين ونيودلهي تستفيدان الآن إلى أقصى حد من يأس موسكو.

واشترت الصين ما يقرب من 2.3 مليون برميل يوميًا من النفط الروسي بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2025:

  • 1.4 مليون برميل يوميًا بحرًا.
  • 0.9 مليون برميل يوميًا عبر خطوط الأنابيب.

وبالنظر إلى أن منشآت التخزين الصينية ممتلئة، وحصص المصافي الخاصة قد استنفدت، أمرت بكين الشركات المملوكة للدولة بتعليق العقود مع لوك أويل وروسنفط حتى يتضح مدى تعرضها للعقوبات.

في الوقت نفسه، زادت الصين وارداتها من مشروع "أركتيك إل إن جي 2" الخاضع للعقوبات عبر محطة بيهاي الصغيرة، إذ تسلّمت مليون طن بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي في إطار "إستراتيجية الحجر الصحي" التي تعزل الغاز المسال الخاضع للعقوبات عن بقية محطات الاستيراد الصينية.

واستوردت الهند ما يقرب من 36% من نفطها الخام من روسيا في المدة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وتربح مصافي التكرير الهندية ما بين 8 و9 دولارات للبرميل من معالجة النفط الروسي مخفّض السعر -أي أكثر من ضعف متوسط ​​التكرير العالمي الذي يتراوح بين 3 و4 دولارات للبرميل- ويمكن أن تربح أكثر من 10 دولارات مع خصومات أكبر. وتُعد هذه المنافع الاقتصادية قوية.

من ناحيتها، خفّضت الهند بعض وارداتها لشهر ديسمبر/كانون الأول المقبل لإرضاء واشنطن في خضم مفاوضات التجارة والتكنولوجيا.

وسيواصل كلا البلدَيْن شراء واردات النفط والغاز الروسية، لكنهما لن يدفعا أسعارًا أعلى. تعتمد روسيا الآن هيكليًا على مشترَين يدركان تمامًا نفوذهما.

حقل تشاياندينسكوي للنفط والغاز والمكثفات التابع لشركة غازبروم الروسية
حقل تشاياندينسكوي للنفط والغاز والمكثفات التابع لشركة غازبروم الروسية – الصورة من بلومبرغ

سابعًا: صدمة الغاز المسال المقبلة

تُخرج حزمة العقوبات الـ19 للاتحاد الأوروبي، المُعتمدة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2025، الغاز المسال الروسي من السوق الأوروبية من خلال عملية من مرحلتَين:

  • خلال 6 أشهر: حظر عمليات الشراء الفورية والعقود قصيرة الأجل.
  • في 1 يناير/كانون الثاني 2027: حظر العقود طويلة الأجل.

وأرسل مشروع يامال للغاز المسال التابع لشركة نوفاتك (Novatek)، الذي صدّر 16.5 مليون طن في عام 2024، ما بين 31% و33% منه إلى أوروبا بشروط فورية.

ويصل هذا إلى 4.5%، و5 ملايين طن تجب إعادة توجيهها في عام 2026. وتُعد الصين وحدها القادرة على استيعاب هذه الكمية.

ولن تُوقّع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والهند وتايلاند عقودًا جديدة طويلة الأجل للغاز المسال الخاضع للعقوبات، وتفتقر فيتنام والفلبين إلى الإرادة السياسية والبنية التحتية.

ونتيجة لتخلص أوروبا تدريجيًا من غاز خطوط الأنابيب الروسي، والآن الغاز المسال، ستفقد روسيا آخر أسواقها المستقرة ذات هامش الربح المرتفع. وتُقدّم آسيا نطاقًا أوسع، لكنها لا تُقدّم انضباطًا في الأسعار. وستبيع موسكو أكثر، لكن أرباحها أقل.

ثامنًا: حجم المعاناة التي يمكن للمجتمع الروسي تحمّلها

يدفع الروس حاليًا ثمن العجز؛ إذ إن أسعار الوقود آخذة في الارتفاع، وكذلك خدمات المرافق العامة، وضريبة القيمة المضافة على وشك الارتفاع.

وسجّلت محطات الوقود بالتجزئة خسائر في الربع الثالث، وقد تُغلق المحطات المستقلة أبوابها.

وارتفعت هوامش ربح بيع الكحول بالجملة -حيث ارتفعت هوامش ربح الديزل بنسبة 32%- لكن لم يُفد ذلك المستهلكين.

ويمكن للكرملين إخفاء انخفاض إيرادات تصدير من قطاع النفط والغاز الروسي بفرض ضرائب أعلى، ولكن مؤقتًا فقط.

وسيؤثر انخفاض مستويات المعيشة، وارتفاع ديون الأسر، وارتفاع فواتير الوقود والمرافق في نهاية المطاف في الاستقرار السياسي.

وتكشف العقوبات المفروضة على قطاع النفط والغاز الروسي عن تناقضات داخلية، فبينما يستمتع المُصدّرون بارتفاع إيرادات الروبل بسبب ضعف العملة، تواجه شركات التجزئة هوامش ربح متقلصة.

وتتجاوز أرباح قطاع الطاقة بالجملة بكثير أرباح السوق المحلية، ما يُفاقم الاختلال.

وستزداد المعاناة المحلية حتى عام 2026، والسؤال الوحيد هو: هل سيصبح هذا مُزعزعًا للاستقرار السياسي؟

التداعيات الجيواقتصادية

تشهد روسيا تحولًا هيكليًا من قوة عظمى في مجال الطاقة إلى مورد سلع يعتمد على الخصومات، ويُعيد هذا التحول تشكيل الجغرافيا الاقتصادية العالمية بـ5 طرق رئيسة.

أولًا: تفقد روسيا قوتها التسعيرية، فهي تبيع الآن النفط والغاز المسال بصورة رئيسة إلى الصين والهند بخصومات كبيرة، متخليةً عن العلاوة التي كانت تحصل عليها سابقًا من أوروبا.

وهذا يُقوّض السيادة المالية لموسكو، لأن المبيعات المدفوعة بالخصومات تُولّد إيرادات ضريبية أقل بكثير، ما يُجبر الدولة على التعويض بالضرائب المحلية.

ثانيًا: تنهار خريطة الشركات العالمية لروسيا، وتُمثّل التصفية القسرية لشركة لوك أويل، وعمليات روسنفط المقيّدة، وتفكك شبكات التداول؛ أكبر تدمير لقيمة روسيا في الخارج منذ أكثر من عقدَين.

ويُسرّع فقدان أصول الطاقة في الخارج من انجراف روسيا الاقتصادي نحو الداخل، ويزيد من اعتمادها على الصين في التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتمويل والمشترين.

ثالثًا: تُصبح الخدمات اللوجستية عبئًا دائمًا من حيث التكلفة، ونتيجة لإدراج أكثر من 119 ناقلة نفط إضافية في القائمة السوداء، تضطر روسيا بصورة متزايدة إلى الاعتماد على سفن أسطول الظل القديمة، والوسطاء الغامضين، وطرق التسليم الطويلة والمتعرجة.

وتزيد هذه الزيادة الهيكلية في التكلفة من فارق سعر خام الأورال عن خام برنت، وتُضعف بصفة دائمة هوامش صادرات روسيا.

رابعًا: يُكمل ابتعاد أوروبا عن الغاز المسال الروسي مشكلة قطاع الطاقة، فقد اختفى غاز الأنابيب، وسيليه الغاز المسال.

ويُزعزع الحظر التدريجي للاتحاد الأوروبي الذي يُنهي العقود طويلة الأجل بحلول يناير/كانون الثاني 2027، قدرة روسيا على تحقيق إيرادات عالية من الغاز المسال في أوروبا.

ولذلك، تُصبح آسيا المنفذ الوحيد لروسيا، والصين هي من تُملي شروطها.

خامسًا: سيشتد الضغط الاقتصادي المحلي، وسيؤدي ارتفاع ضريبة القيمة المضافة، وارتفاع أسعار المرافق، وتضخم أسعار الوقود، وخفض الإنفاق العام إلى إبطاء النمو، وتقليص الدخول المتاحة، وزيادة التكلفة السياسية للحفاظ على اقتصاد في زمن الحرب.

إن هذه التطورات مجتمعةً تدفع روسيا نحو واقع إستراتيجي بعيد المدى: مُنتِج كبير للوقود الأحفوري، مع انكماش في القدرة المالية، وأسواق مقيدة، وارتفاع في تكاليف اللوجستيات، وتراجع في الاستقلال التكنولوجي.

والنتيجة هي أن روسيا لا تزال عدوانية عسكريًا، لكنها ضعيفة اقتصاديًا؛ دولة تعتمد بصورة متزايدة على بكين، وتعجز بشكل متزايد عن فرض نفوذها في مجال الطاقة عالميًا، وتُجبر بصفة متزايدة على استنزاف اقتصادها المحلي لدعم المجهود الحربي.

وعلى الرغم من أن الكرملين أراد استعمال الطاقة سلاحًا ضد الغرب، فإن العقوبات حوّلت قطاع النفط والغاز الروسي إلى سلاح ضده.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق