مقالات التغير المناخيالتغير المناخيالمقالاترئيسية

قمة المناخ كوب 30.. اختبار التحول من التعهدات إلى التنفيذ (مقال)

د. منال سخري

تنعقد قمة المناخ كوب 30، في بيليم بالبرازيل، في ظل ظروف استثنائية أثارت جدلًا واسعًا.

القمة -التي كان من المتوقع أن تجمع كبار القادة والوفود الدولية- شهدت تراجعًا ملحوظًا في المشاركة، لا سيما من جانب قادة الدول التي شاركت من قبل.

وبالرغم من كل ذلك اقترح الرئيس البرازيلي آلية الغابات المدارية (TFFF) خطوةً عمليةً لدعم حماية الغابات وتحويل التعهدات إلى أفعال ملموسة.

هذا التحدي في الحضور لا يقلل من أهمية قمة المناخ كوب 30، لكنه يسلّط الضوء على الفجوة بين الطموح والتنفيذ على الأرض.

وتغطي قمة المناخ كوب 30 مجموعة واسعة من المحاور، من التكيّف مع المناخ، والمدن والبنى التحتية المرنة، والاقتصاد الحيوي والدائري، وإدارة الموارد المائية والنفايات، والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

كما تغطي العدالة المناخية وحقوق الإنسان، الطاقة النظيفة، والأمن الغذائي، وحماية المناطق الساحلية، والشراكات الدولية.

إن تحليل هذه المحاور يوضح أن نجاح قمة المناخ كوب 30 يعتمد على قدرتها على دمج الرؤية الإستراتيجية مع الأدوات العملية لتحقيق التأثير الملموس.

التكيّف مع المناخ والمدن المرنة

منذ اليوم الأول، ركّز النقاش على تكيّف المدن والمجتمعات مع آثار تغير المناخ، وتشير البيانات إلى أن 83% من المدن حول العالم تواجه مخاطر مناخية كبيرة.

ومع ذلك ما يزال العديد منها يفتقر إلى خطط واضحة للتكيف، ففي أفريقيا جنوب الصحراء، تُجمَع 41% فقط من النفايات، وتتبنى 25% من المدن إستراتيجيات مائية مستدامة، ما يعكس فجوة حقيقية بين الطموح والتنفيذ.

إن تحليل هذه الإحصاءات يُظهِر أن تطوير البنية التحتية المرنة لا يقتصر على حماية المدن من الكوارث، بل يتضمن تمكين المجتمعات المحلية، وبناء قدرات الحكومات، وتطبيق مؤشرات قياس قابلة للتنفيذ.

هذه الإستراتيجية تسمح بتحويل المخاطر المناخية إلى فرص اقتصادية واجتماعية، وتعزز قدرة المؤسسات على الاستجابة للأزمات بشكل مستدام.

قمة المناخ كوب 30 تنطلق اليوم
شعار قمة المناخ كوب 30 في البرازيل - الصورة من ستات غرين

الاقتصاد الحيوي والدائري

يعدّ الاقتصاد الحيوي والدائري أدوات عملية للاستدامة، ووفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يمكن للاقتصاد الدائري أن يقلل من تكاليف الموارد بنسبة تصل إلى 20%، ويخلق فرص عمل ملموسة عند تنفيذه بفعالية.

كما أن مبادرات تحويل المخلفات الزراعية والطاقة الحيوية تُظهر كيف يمكن دمج التنمية الاقتصادية مع حماية البيئة.

هذه المحاور ليست شعارات نظرية، بل تمثّل أدوات قابلة للتطبيق على الأرض، خصوصًا في دعم النساء والشباب في المناطق الريفية والحضرية، وتعزز دور المجتمعات المحلية في تنفيذ حلول مبتكرة.

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

مع تزايد الظواهر المناخية، أصبح توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ضرورة لتعزيز التكيف، سواء عبر أنظمة الإنذار المبكر، أو تحسين إدارة الموارد، أو دعم السياسات المستندة إلى بيانات دقيقة.

ومع ذلك، فإن هذه الأدوات تكمل التخطيط المؤسسي ولا تعوّض غيابه أو نقص التمويل، ما يعني أن دمج الابتكار مع القدرة المؤسسية هو مفتاح النجاح.

العدالة المناخية وحقوق الإنسان

تتحمل الدول النامية -وخصوصًا في أفريقيا- العبء الأكبر من التغير المناخي، بينما تتحمل الدول الصناعية المسؤولية الكبرى عن الانبعاثات.

وتشير بيانات مؤسسة الموارد العالمية إلى أن مشاركة النساء في صنع القرار البيئي تعزز فعالية السياسات بنسبة تصل إلى 30%.

إضافة إلى ذلك، تربط منظمة الصحة العالمية نحو 12% من الوفيات في الدول النامية مباشرة بتأثيرات المناخ.

وهنا تظهر ضرورة دمج العدالة الاجتماعية والبيئية ضمن خطط التكيف، لضمان شمولية القرارات وتقديم نتائج ملموسة للمجتمعات الأكثر تضررًا.

تغير المناخ و إدارة المخلفات

آلية الغابات المدارية

طُرحت آلية الغابات المدارية بوصفها حلًا عمليًا لحماية الغابات المدارية التي تمثّل رئة الأرض ومرتكزًا أساسيًا لمكافحة التغير المناخي.

توفر الآلية تمويلًا أوليًا يصل إلى 5.5 مليار دولار لدعم السياسات الوطنية، وحماية الشعوب الأصلية، وتعزيز المراقبة المستمرة، لتصبح القمة أكثر قدرة على تحويل التعهدات إلى أفعال ملموسة على الأرض.

إن هذه الآلية الجديدة تثير بعض المخاوف بين الخبراء والمنظمات البيئية، فالتمويل المستدام للآلية بحدّ ذاته يمثّل تحديًا رئيسًا، في حين يحذّر بعضهم من أن اعتماد الدول المستفيدة على الآلية قد يضعها في مواجهة ديون إضافية أو عبء مالي طويل الأمد.

كما تُنبه تقارير عدّة (منها منظمة التحالف العالمي للغابات) إلى أن التركيز على الآلية وحدها قد يُضعِف الالتزامات القانونية للدول الصناعية، ويهدد مشاركة الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات البيئية.

وفي هذا السياق، يؤكد الخبراء أن نجاح الآلية لن يقتصر على إطلاقها، بل يتطلب وجود آليات شفّافة للمتابعة والمساءلة، وضمان أن تتحول التعهدات الدولية إلى مشروعات ملموسة تعزز فعليًا حماية الغابات الاستدامة البيئية.

التمويل وربط التعهدات بالتنفيذ

ما يزال التمويل العقبة الكبرى، إذ تحتاج الدول النامية إلى نحو 310 مليارات دولار سنويًا للتكيف مع آثار التغير المناخي بحلول 2035.

بينما لا يتجاوز الإنفاق الفعلي 30 مليار دولار فقط، لذا فإن نجاح القمة يعتمد على ربط التمويل بالنتائج الفعلية، مع مؤشرات دقيقة لقياس التقدم، لضمان تحوُّل التعهدات إلى مشروعات مؤثّرة في المجتمعات المحلية.

فيضانات في أفريقيا بسبب تغير المناخ
فيضانات في أفريقيا بسبب تغير المناخ - الصورة من أفريكا آيز

المحاور القادمة وأهميتها

ستواصل قمة المناخ كوب 30 مناقشة موضوعات حيوية تشمل الطاقة النظيفة، والأمن الغذائي، وتغير المناخ في المناطق الساحلية، وحماية الغابات، والشراكات الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفقًا لتقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أكثر من 600 مليون شخص في أفريقيا يعيشون دون وصول مستدام للطاقة، في حين توفر الطاقة النظيفة فرصة لتوفير أكثر من 80 مليون وظيفة بحلول عام 2030.

كما تشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن فقدان الغابات يهدد حياة نحو 1.6 مليار شخص يعتمدون مباشرة على الموارد الغابية.

كما يمثّل الأمن الغذائي تحديًا إضافيًا، إذ يتعرض تحو 45% من سكان المناطق الساحلية في العالم لتقلبات الإنتاج الزراعي نتيجة ارتفاع مستوى البحار والظواهر المناخية المتطرفة.

إن دمج هذه المحاور يعكس سعي قمة المناخ كوب 30 لأن تكون منصة فعلية للتحول المناخي، وليس مجرد منصة للتعهدات، ويؤكد على الربط بين السياسات، والتمويل، والتأثير الملموس على أرض الواقع.

* د. منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق