أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير النفطسلايدر الرئيسيةنفط

أثر عقوبات ترمب على الشركات الروسية في أسواق النفط العالمية.. البرازيل والهند نموذجًا (تقرير)

أحمد بدر

شهدت أسواق النفط العالمية تطورات متسارعة خلال الأسابيع الماضية، مع اتساع الجدل حول أثر عقوبات ترمب على الشركات الروسية الكبرى، ولا سيما في ظل ما ترتب عليها من تغيّرات في حركة الصادرات والتعاملات المالية المرتبطة بالنفط. وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على طبيعة استجابة الأسواق العالمية خلال مدة قصيرة للغاية.

وفي هذا السياق، أوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن قرارات الإدارة الأميركية الجديدة فرضت واقعًا مختلفًا تمامًا، خصوصًا مع توجيه العقوبات نحو شركتين بعينهما وهما "روسنفط" و"لوك أويل"؛ ما أدى إلى تحولات في توقعات مستقبل الإمدادات الروسية.

وأشار الحجي إلى أن تحديد الشركات المستهدفة بالعقوبات، بدلًا من استهداف القطاع النفطي الروسي كاملًا، انعكس مباشرة على تعاملاتها المالية والتجارية، مؤكدًا أن هذا النهج في فرض عقوبات ترمب يحمل تأثيرات تختلف جذريًا عن تلك المرتبطة بفرض عقوبات على الدول.

وأضاف أن متابعة ردود الأفعال الدولية تُظهر حجم التعقيد المرتبط بالأسواق، خصوصًا أن بعض التقارير الإعلامية ربطت التحولات الأخيرة في واردات بعض الدول بالنفط الروسي بتأثير عقوبات ترمب، رغم أن الواقع يكشف عن دوافع أخرى تختلف تمامًا عن المتداول إعلاميًا.

جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدمها أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا) تحت عنوان: "أثر عقوبات ترمب على الشركات الروسية في أسواق النفط العالمية".

العقوبات الأميركية وتأثيرها

أكد أنس الحجي أن الحظر الذي استندت إليه عقوبات ترمب استهدف شركتي روسنفط ولوك أويل الروسيتين مباشرة، وهذا التحديد أدى إلى انعكاسات كبيرة في مختلف تعاملاتهما المالية والتجارية؛ إذ لم يكن حجم التأثير مرتبطًا بمجرد العقوبات، بل بآلية تنفيذها ووقت إعلانها.

وأوضح أن الإدارة الأميركية قدّمت هذه الإجراءات تحت مبرر الضغط لإنهاء الحرب الأوكرانية، مؤكدًا أن التجارب السابقة تظهر أن هذا النوع من السياسات يؤدي عادة إلى زيادة الحس الوطني وتحمل آلام العقوبات، وهو ما يجعل إنهاء الحرب من خلال العقوبات أمرًا غير واقعي.

وأشار إلى أن تجميد أصول الشركتين داخل الولايات المتحدة لم يحمل تأثيرًا فعليًا؛ لأنهما لا تمتلكان أصولًا تُذكر هناك، في حين أن تجديد الحظر على التعاملات المالية لم يضف جديدًا، لأنه كان مفروضًا سابقًا في عهد بايدن، ما جعل الجانب الفعلي في عقوبات ترمب يتركز على العناصر الثانوية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الصورة من سي إن إن

وبيّن أنس الحجي أن التطور الأكبر في هذا الملف هو فرض عقوبات ثانوية على أي شركات أو دول تتعامل مع روسنفط ولوك أويل، وهو ما يعد جوهر العقوبات؛ لأنها تلاحق أطرافًا أجنبية تعتمد على النظام المالي الغربي؛ ما يجعلها معرّضة للإيقاف أو العقوبات بسهولة.

ولفت إلى أن الاعتماد الواسع للشركات الآسيوية واللاتينية على البنوك الغربية والتداول في الأسواق الأميركية جعل هذه الأطراف قابلة للاستهداف المباشر، وهو ما استغلته الإدارة الأميركية لتوسيع نطاق عقوبات ترمب وجعل تأثيرها يتجاوز حدود السوق الأميركية.

وقال إن إنتاج روسنفط ولوك أويل يشكل نحو نصف إنتاج روسيا النفطي، وكذلك نصف صادراتها، وهو ما جعل التركيز عليهما بعقوبات ترمب يثير توقعات كبيرة بحدوث اضطرابات واسعة، رغم أن تحليل البيانات يظهر أن التأثير الفعلي لا يتطابق مع الصورة الإعلامية المتداولة.

تضخيم تأثير العقوبات في البرازيل

قال أنس الحجي إن وسائل إعلامية روّجت لروايات غير دقيقة حول تأثير عقوبات ترمب في العلاقات التجارية بين البرازيل وروسيا، وبعضها زعم أن انخفاض واردات البرازيل من الديزل الروسي جاء لإصلاح العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، وهو ما وصفه بعدم الدقة.

وأوضح أن البيانات الحقيقية تُظهر أن واردات البرازيل من الديزل الروسي ارتفعت في عهد بايدن، رغم علاقة الرئيس البرازيلي القوية بالبيت الأبيض آنذاك، ثم انخفضت لاحقًا بالتزامن مع تراجع الصادرات الروسية نفسها نتيجة الضربات الأوكرانية المتواصلة على المصافي الروسية، وليس بسبب عقوبات ترمب.

وأشار إلى أن العلاقات بين البرازيل وترمب ليست مستقرة أصلًا، إذ فرض الأخير رسومًا جمركية مرتفعة عليها ولا تزال سارية حتى الآن، دون أي مفاوضات خاصة؛ لذلك فإن ربط التحولات الحالية بتأثير عقوبات ترمب يتجاهل الواقع الفعلي للظروف التجارية.

خزانات شركة النفط البرازيلية المملوكة للدولة بتروبراس
خزانات شركة النفط البرازيلية المملوكة للدولة بتروبراس – الصورة من رويترز

وبيّن أنس الحجي أن البرازيل عوّضت النقص في الديزل الروسي من الهند وأميركا؛ إذ استوردت كميات من الديزل الهندي، الذي يعتمد غالبًا على النفط الروسي، كما زاد اعتمادها على الديزل الأميركي خلال موسم زراعة فول الصويا، وهو ظرف موسمي لا علاقة له بالعقوبات.

ولفت إلى أن زراعة فول الصويا تتطلب استنفارًا كبيرًا للمعدات والآليات التي تعمل بالديزل؛ ما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وارتفاع الواردات، لذلك فإن تجاهل العامل الموسمي وتقديم تفسير سياسي للأرقام يعد مثالًا على المبالغات المرتبطة بتفسير أثر عقوبات ترمب.

وأضاف: "كثير من التقارير الإعلامية تنزع إلى تبييض صورة العقوبات، وتقديمها بوصفها ناجحة رغم البيانات التي تثبت العكس، وهذا النمط بات يتكرر منذ بدء الحرب الأوكرانية، ويؤدي إلى بناء سرديات غير دقيقة حول تأثير عقوبات ترمب على الأسواق العالمية"

تحريف الحقائق.. الهند نموذجًا

أشار أنس الحجي إلى تناول وسائل الإعلام الموقف الهندي بطريقة مشابهة؛ إذ جرى الادعاء بأن المصافي الهندية خفضت وارداتها من النفط الروسي مباشرة بسبب عقوبات ترمب، رغم أن الوقائع على الأرض تُظهر صورة مغايرة تمامًا للمُتداوَل إعلاميًا.

وأوضح أن الشركات الهندية لم تخفض مشترياتها من النفط الروسي في السوق طويلة الأجل، لكنها أوقفت فقط عمليات الشراء الفورية، وهو تفصيل أساسي لم تذكره معظم وسائل الإعلام، ما كرّس انطباعًا بأن عقوبات ترمب أثرت مباشرة في تدفقات النفط الروسي إلى الهند.

وبيّن أن الهند تعتمد كذلك على الشراء غير المباشر، أي عبر شركات أخرى تشتري النفط الروسي وتعيد بيعه إلى المصافي الهندية، وهو مسار يتيح استمرار التدفقات دون مخالفة مباشرة لنطاق عقوبات ترمب، ورغم ذلك فقد تجاهلت التقارير الإعلامية هذا المسار بالكامل.

واردات الهند من النفط الروسي

ولفت أنس الحجي إلى أن الجدل الإعلامي اتسع في الهند، خصوصًا مع الحس الوطني المرتفع لدى الجمهور؛ ما أدى إلى انتشار واسع للروايات المرتبطة بتأثير عقوبات ترمب، رغم أن البيانات التجارية لا تدعم هذه السردية ولا تربط التغيرات المتوقعة بالعقوبات مباشرة.

وقال إن التركيز على وقف الشراء الفوري فقط جعل بعض المراقبين يفترضون أن الهند تستعد لتقليص أعمالها مع روسيا، أما الواقع فيشير إلى استمرار التدفقات عبر العقود والشراء غير المباشر؛ ما يعني أن فاعلية العقوبات في هذا الجانب محدودة أكثر مما تروج له بعض الجهات.

وأكّد أن ما حدث في السوق الهندية يشبه ما جرى في البرازيل، إذ جرى تضخيم أثر عقوبات ترمب إعلاميًا رغم محدودية أثرها الفعلي، مشيرًا إلى أن هذا النهج في معالجة الأخبار النفطية بات مشكلة متكررة في التغطيات المرتبطة بالعقوبات والأسواق العالمية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق