التقاريرتقارير السياراتتقارير دوريةرئيسيةسياراتوحدة أبحاث الطاقة

لماذا يصعب على شركة بي واي دي منح القوة الناعمة للصين؟ (تحليل)

كما فعلت فورد لأميركا

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

اقرأ في هذا المقال

  • مبيعات بي واي دي تتجاوز 4.2 مليون سيارة خلال عام 2024
  • التباهي في صناعة السيارات الآن لم يعد مثل زمن فورد ومرسيدس
  • السيارات الصينية تتميز بأسعار منخفضة، لكن الجودة ما زالت أقل
  • الثقة في جودة العلامات التجارية الصينية عالميًا لا تتجاوز 30%
  • ضعف الاحتكاك التقني بالسوق الأميركية إحدى نقاط ضعف بي واي دي
  • السمعة السياسية والحقوقية للصين عبء إضافي يلاحق الشركات الصينية

انتشرت مبيعات شركة بي واي دي الصينية بسرعة فائقة في جميع أنحاء العالم، حتى صارت الأسواق التي لا توجد فيها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

ورغم ما حققته سيارات الشركة الصينية من شهرة واسعة خاصة من حيث انخفاض تكاليفها مقارنة بالطرازات الغربية الراسخة، فإن تحوُّلها من علامة تجارية إلى قوة ناعمة للصين يواجه تحديات أصعب بكثير مما واجهته شركة فورد التي بَنت مجد صناعة السيارات الأميركية في العالم منذ عقود طويلة، بحسب تحليل حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة-.

وبلغت مبيعات شركة بي واي دي خلال العام الماضي قرابة 4.27 مليون سيارة، بزيادة 41% على عام 2023، وهو ما يقارب مبيعات شركة فورد الأميركية، بينما بلغت إيراداتها قرابة 107 مليارات دولار.

وفي وقت سابق من هذا العام، تفوقت الشركة الصينية على تيسلا لتصبح أكبر شركة في تصنيع السيارات الكهربائية، وبعد انتشارها في دول الجنوب العالمي، فإن مبيعاتها تواصل الزحف نحو الشمال بخطى متسارعة.

ففي سبتمبر/أيلول الماضي، باعت الشركة أكثر من 11 ألف سيارة كهربائية في المملكة المتحدة بقفزة مذهلة بلغت 880% على العام السابق، لتصبح لندن أكبر سوق للشركة خارج موطنها الأصلي.

تحديات تحول بي واي دي إلى قوة ناعمة

رغم انتشار سيارات بي واي دي في كل مكان، فإن تحوُّلها من مجرد علامة تجارية إلى قوة ناعمة مثلما فعلت فورد للولايات المتحدة، ومرسيدس لألمانيا، وفيراري لإيطاليا، يواجه شكوكًا وتحديات قوية، بحسب التحليل المنشور في موقع ريست أوف ورلد (Rest of world) -مؤخرًا-.

ويرجع ذلك إلى عدّة أسباب، أبرزها أن القدرة على تصنيع السيارات لم تعد إنجازًا نادرًا أو خارقًا مثلما كان يُنظَر إليه في زمن صعود فورد وعمالقة ألمانيا وإيطاليا في أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20.

ففي عهد هنري فورد -مؤسس شركة فورد- كان التحول إلى نمط الإنتاج الكبير للسيارات بمثابة الحصول على تذكرة انضمام إلى نادي نخبوي من الدول الصناعية، أمّا اليوم فيضم هذا النادي عشرات الدول عبر القارات.

فاليوم تستطيع تركيا تصنيع السيارات، بالضبط كما تستطيع الهند والمغرب؛ ما يجعل الإنجاز الذي كان يمنح صاحبه الهيبة في السابق أمرًا شائعًا في الوقت الحاضر، كما أن مجرد تصنيع السيارات حتى لو كان جيدًا وبتكلفة منخفضة، لا يحمل ميزة ثقافية تمنح صاحبها سمعة رفيعة المستوى.

نماذج من سيارات توغ التركية الكهربائية
نماذج من سيارات توغ التركية الكهربائية - الصورة من Daily Sabah

إضافة إلى ذلك، فإن صناعة السيارات الكهربائية الآن لم تعد تحمل المميزات التي كانت تحملها قبل عقد من الزمن مع تحوُّلها من مرحلة الابتكار إلى الانتشار، ما أفقد الصناعة غموضًا ظلَّ يحوم حولها لعقود من الزمن.

ورغم أن بي واي دي حققت ابتكارًا حقيقيًا في تقنيات البطاريات، فإن كيمياء البطاريات مهما بلغت من التطور، لا تثير الخيال أو الإعجاب الفائق مثلما تثير صناعة سيارات رائعة التصميم، بحسب المحلل السابق في مجلة التايم وبلومبرغ بوبي غوش.

تحديات ضعف الاحتكاك بالسوق الأميركية

تواجه بي واي دي مشكلة في الدخول إلى السوق الأميركية بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب بنسبة 100%، ما يحرم الشركة من فرصة الاحتكاك التقني بمعاقل صناعة السيارات في العالم.

وقد يقلل بعضهم من هذا الأمر اغترارًا بموجة الانتشار الواسعة للسيارات الصينية عالميًا، لكن السوابق التاريخية تشير إلى أهميته البالغة، فقد اكتسب المصنّعون اليابانيون والكوريون مثل تويوتا وهوندا وهيونداي ونيسان سمعتهم من خلال التنافس المباشر مع فورد وشيفروليه في ديترويت، معقل صناعة السيارات الأميركية.

أمّا الشركة الصينية صاحبة المبيعات القارية المليونية، فلا تتمتع بهذه الميزة حتى الآن، ولا يمكنها ادّعاء امتلاك مكانة مرموقة في السوق، رغم انتشار طرازاتها التقليدية والكهربائية من مكسيكو إلى ميونخ.

مبيعات سيارات بي واي دي الصينية في أوروبا
مبيعات سيارات بي واي دي الصينية في أوروبا - الصورة من BYD Europe

وإلى جانب ذلك التحدي، تواجه بي واي دي عبء السمعة السلبية للصين على مستوى الجودة، وعلى المستوى السياسي، فرغم كل التطور الذي حققته بكين وتحولها إلى مركز تصنيع متقدم، فما تزال عبارة "صنع في الصين" تشير إلى القدرة على تحمُّل التكاليف، وليس التميز.

وينعكس هذا على ثقة العملاء والمستهلكين، إذ تشير نتائج مقياس إيدلمان (Edelman Trust Barometer) للثقة لعام 2024 إلى أن الثقة العالمية في العلامات التجارية الصينية لا تتجاوز 30%، مقارنة بـ62% للعلامات التجارية الألمانية، و64% للعلامات التجارية الكندية.

وتتباين آراء المستهلكين حول السيارات الصينية بين المدح في السعر والخيارات، والقدح في الجودة والخدمات، كما أن مشكلات التصميم وسلامة البطاريات لم تعد خفيّة، فقد أعلنت الشركة استدعاء 115 ألف سيارة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025 لهذه الأسباب.

كما سبق حدوث مشكلة في تحديث التطبيق الخاص ببعض سياسات بي واي دي خلال يناير/كانون الثاني 2024؛ ما أدى إلى ترك آلاف السائقين عالقين على الطرق في أثناء ذروة القيادة الصباحية.

عبء السمعة السياسية والحقوقية للصين

تواجه شركة بي واي دي تحديات سياسية وحقوقية أخرى ممثّلةً في سمعة بلدها الصين، وسجلّها السيئ في حقوق الإنسان، خاصة في إقليم شينغيانغ واضطهاد أقلية الإيغور المسلمة، إضافة إلى سجلّ القمع في هونغ كونغ، فضلًا عن المواقف الدبلوماسية المناهضة للقوى الكبرى في العالم.

وتضيف هذه السمعة عبئًا على الشركات الصينية الطامحة للتوسع في الأسواق الخارجية، وهو ما لم يُعانِه صنّاع السيارات الألمان أو اليابانيون في مراحل صعودهم، فعندما وصلت السيارات اليابانية إلى أميركا في سبعينيات القرن الماضي لم يربط المستهلكون اليابان بمخاوف التوسع الإقليمي العدواني أو التهديد الجيوسياسي.

بينما تواجه الصين بيئة مختلفة ورياحًا معاكسة واتهامات بالتهديدات الجيوسياسية، فضلًا عن التجسس عبر منتجاتها التقنية المنتشرة في الغرب، وأبرزها السيارات الكهربائية والهواتف الذكية، ومكونات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمحولات الكهربائية وغيرها، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وبغضّ النظر عن مدى صحة هذه الاتهامات من عدمها، فإن لها تأثيرات ضمنية في تصورات المستهلكين الذين يفكرون في اقتناء سيارة صينية من إنتاج بي واي دي أو هاتف من إنتاج هواوي، أو حاسب شخصي من تصنيع لينوفو.

لهذه الأسباب وغيرها، يبدو واضحًا أن انتشار نماذج السيارات التي تطرحها بي واي دي في العالم لا يكفي وحده لتوليد قوة ناعمة للصين، وهو وضع لم تُعانِه كبرى الشركات اليابانية والكورية المنافسة في آسيا، التي عملت في بيئة أكثر ملاءمة دون التعقيدات السياسية التي تلقي بظلالها على العلامات التجارية الصينية اليوم.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

تحديات القوة الناعمة لشركة بي واي دي، من تحليل جيوسياسي حديث

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق