التقاريرسلايدر الرئيسيةقطاع الكهرباء في الدول العربيةملفات خاصة

إنتاج الكهرباء في السودان.. الحرب ونقص الاستثمارات أبرز الأزمات (تقرير)

سامر أبووردة

يواجه إنتاج الكهرباء في السودان واحدة من أكبر الأزمات البنيوية والمعقّدة في تاريخ البلاد، بفعل تراكمات فنية طويلة الأمد، وتأثير مباشر للحرب الأهلية المستمرة منذ عام 2023.

وعلى الرغم من محاولات الإنقاذ من خلال مشروعات الربط الإقليمي مع مصر وإثيوبيا، ما تزال الفجوة بين الطلب والعرض تزداد اتّساعًا.

ووفقًا لأحدث بيانات قطاع الطاقة السوداني لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بلغ إجمالي إنتاج الكهرباء في السودان خلال عام 2023 نحو 16.8 تيراواط/ساعة، وهو المستوى نفسه لعام 2022، في حين انخفض الطلب إلى 17.6 تيراواط/ساعة، مقابل 17.7 تيراواط/ساعة في العام السابق له.

وتستند معضلة الكهرباء في السودان إلى مزيج توليد هشّ، يعتمد بدرجة كبيرة على الطاقة الكهرومائية، وسط تراجع ملحوظ في قدرات المحطات الحرارية، وانخفاض استثمارات الطاقة المتجددة.

وتُفاقِم الحرب من هشاشة هذا القطاع، مع خروج عدد من المحطات الرئيسة عن الخدمة، وتدمير آلاف الأعمدة وخطوط النقل.

ورغم أن الفرق الظاهري بين إنتاج الكهرباء في السودان وحجم الطلب يبدو ضئيلًا، فإن الواقع الفني يؤكد أن السودان لا يستطيع استغلال كامل قدراته المركبة، ما يعني أن الفجوة بين ما هو مطلوب وما يمكن توصيله فعليًا أكبر بكثير مما تعكسه الأرقام.

مزيج الكهرباء في السودان

يفتقر مزيج الكهرباء في السودان إلى التنوع، إذ شكّلت الطاقة الكهرومائية النسبة الكبرى بنحو 11.5 تيراواط/ساعة في 2023، منخفضة من 11.8 تيراواط/ساعة في 2022.

في المقابل، بلغ توليد الكهرباء من مصادر الوقود الأحفوري (النفط والغاز) نحو 5 تيراواط/ساعة، مرتفعًا من 4.74 تيراواط/ساعة في العام السابق، في حين أسهمت الطاقة الشمسية بنسبة محدودة جدًا، بلغت 0.14 تيراواط/ساعة فقط.

وحسب منصة الطاقة، تكشف هذه الأرقام عن ضعف التنوع، وغياب الاستثمارات الجادة في مصادر متجددة بديلة مثل الرياح والطاقة الشمسية، رغم ما تتمتع به البلاد من موارد طبيعية تؤهّلها لأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة.

سد مروي في السودان
سد مروي في السودان - الصورة من "seetao"

القدرة المركبة لإنتاج الكهرباء في السودان

بلغت القدرة المركبة لإنتاج الكهرباء في السودان عام 2023 نحو 4.02 غيغاواط، موزعة على عدّة مصادر: 1.48 غيغاواط من الطاقة الكهرومائية، و1.34 غيغاواط من الوقود الأحفوري، و0.48 غيغاواط من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى 0.2 غيغاواط من الطاقة الحيوية، و0.19 غيغاواط فقط من الطاقة الشمسية.

لكن رغم هذه القدرة النظرية، لا يُستغل منها فعليًا سوى أقل من 75%، بحسب ما تشير إليه مصادر فنية محلية، إذ يُنتج السودان -في أفضل حالاته- نحو 3 آلاف ميغاواط، بينما تُستغل قرابة ألفي ميغاواط فقط، ويُهدَر الباقي بسبب ضعف الإدارة وسوء الصيانة وانهيار شبكات التوزيع.

ذروة الطلب على الكهرباء في السودان

بلغ أقصى حمل كهربائي في السودان خلال السنوات الأخيرة نحو 3500 ميغاواط، لكن التغطية الحقيقية لم تتجاوز 73.5% من هذا الطلب، ما يعني أن نحو ربع البلاد يعيش فعليًا خارج نطاق التغطية.

وفي ظل الحرب المتواصلة، تدهورت الخدمات إلى حدّ الانهيار في عدد من المناطق، لا سيما العاصمة الخرطوم، إذ أشارت تقارير محلية إلى تدمير نحو 10 آلاف عمود ناقل للكهرباء، في حين تجاوزت ساعات القطع الكهربائي اليومي ببعض المناطق 14 ساعة.

جانب من إصلاح أعطال أبراج الكهرباء
جانب من إصلاح أعطال أبراج الكهرباء - الصورة من وزارة الطاقة والنفط السودانية

مشروعات الربط الإقليمي مع السودان

ضمن محاولات لتجاوز الأزمة، يعمل السودان على تعزيز مشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار.

ويُعدّ خط الربط مع مصر عبر "توشكي 2/ وادي حلفا"، بقدرة 300 ميغاواط، أحد أبرز المبادرات الحالية، ويمتد الخط لنحو 170 كيلومترًا، دخلت مرحلته الأولى الخدمة بقدرة 70 ميغاواط، على أن تُرفع إلى 300 ميغاواط.

ومن المتوقع أن يُسهم هذا الربط بتحسين استقرار الشبكة شمال البلاد، وربما يشكّل نواة لربط ثلاثي مستقبلي يضم مصر والسودان وإثيوبيا.

وفي المقابل، تَوصَّل السودان إلى تفاهم مع إثيوبيا لتبادل الكهرباء مقابل إمدادات من غاز النفط المسال، ضمن صفقة تشمل استمرار تصدير غاز الطهي وتسهيل استيراد الوقود، ما يفتح الباب أمام سوق طاقية إقليمية مرنة ومستدامة.

محطة كهرباء في السودان
محطة كهرباء في السودان- أرشيفية

أكبر محطات الكهرباء في السودان

رغم تراجع الأداء العام، ما تزال أكبر محطات الكهرباء في السودان تحتفظ بمكانتها، وذلك على النحو التالي، وفق أحدث بيانات منصة الطاقة:

  1. محطة سد مروي: أكبر محطة كهرومائية بقدرة 1250 ميغاواط، تضم 10 توربينات، وتنتج 6500 غيغاواط/ساعة سنويًا، وتشكّل العمود الفقري للشبكة القومية.
  2. محطة سد الروصيرص: تبلغ طاقتها بعد التوسعة 1800 ميغاواط، وتقع على النيل الأزرق، مع تاريخ طويل يعود إلى عام 1966.
  3. محطة أم دباكر الحرارية: بقدرة 500 ميغاواط، تعتمد على الوقود الأحفوري، وتؤدي دورًا محوريًا في ولاية النيل الأبيض والمناطق الغربية.
  4. محطة الجيلي: الأحدث زمنيًا، بقدرة 460 ميغاواط، وتخدم منطقة بحري وشمال الخرطوم، وتُعدّ مركزًا رئيسًا في شبكة التحويل.
  5. محطة قرى الحرارية (قبل خروجها عن الخدمة): كانت تُعدّ من أكبر محطات إنتاج الكهرباء في السودان، لكن الحرب أدت إلى توقُّفها بعد سيطرة قوات الدعم السريع على موقعها.
سد الروصيرص في السودان
سد الروصيرص في السودان - الصورة من "smec"

مستقبل إنتاج الكهرباء في السودان

تشير تقديرات الخبراء إلى أن إنتاج الكهرباء في السودان سيظل مرهونًا بعودة الاستقرار السياسي أولًا، ثم البدء في إصلاح البنية التحتية، وتنفيذ برامج تنويع المصادر.

كما يمكن أن يُوفّر التعاون مع دول الجوار حلولًا مرحلية، لكنها غير كافية دون خطة وطنية شاملة.

ويُعدّ التحول إلى الطاقة الشمسية والرياح خيارًا إستراتيجيًا للمرحلة المقبلة، في ظل انخفاض تكاليف التقنيات وتوافر المساحات الواسعة، إلّا أن التحدي الأكبر يبقى في التمويل والحوكمة.

موضوعات متعلقة..

نرشّح لكم..

المصدر:

  1. بيانات إنتاج الكهرباء في السودان، من "إمبر"
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق