أنس الحجي: إنتاج النفط الصخري الأميركي لم يتغير.. وهذا مصدر الزيادة الحقيقي
أحمد بدر

شهدت أسواق الطاقة العالمية خلال أغسطس/آب 2025 حدثًا بارزًا، تَمثَّل في ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي إلى أعلى مستوياته التاريخية، بحسب ما نقلته التقارير الاقتصادية، إلّا أن هذا الرقم مشكوك في أنه يعكس حقيقة مصادر الزيادة في الإنتاج.
وفي هذا السياق، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الزيادة الأخيرة في الإنتاج الأميركي لم تأتِ من الحقول الصخرية كما تروّج بعض وسائل الإعلام، بل مصدرها الأساس خليج المكسيك، مع انتعاش محدود في ألاسكا.
وأوضح أن وسائل الإعلام تجاهلت هذه التفاصيل، ما خلق انطباعًا مضللًا بأن إنتاج النفط الصخري الأميركي يشهد طفرة جديدة، بينما تشير البيانات الحقيقية إلى استقرار هذا النوع من الإنتاج منذ بداية العام الجاري 2025.
وأضاف أن الفهم الخاطئ للبيانات أدى إلى تكرار الحديث عن "زيادة الإنتاج الأميركي" دون التمييز بين أنواعه ومصادره، مؤكدًا أن هذا الخلط الإعلامي ليس جديدًا، بل يتكرر منذ سنوات مع كل ارتفاع في إنتاج النفط الكلي للولايات المتحدة.
جاءت التصريحات خلال حلقة جديدة من البرنامج الأسبوعي "أنسيات الطاقة"، الذي يقدّمه أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، وكانت بعنوان: "أثر قرار مجموعة الثمانية في أوبك+ وقف زيادة الإنتاج في أسواق النفط".
زيادة تاريخية مصدرها خليج المكسيك
أكد أنس الحجي أن إنتاج النفط الصخري الأميركي لم يشهد أيّ نمو في أغسطس/آب الماضي، رغم ما جرى تداوله عن بلوغ الإنتاج الأميركي أعلى مستوى له في التاريخ، موضحًا أن الزيادة جاءت بالكامل تقريبًا من خليج المكسيك، إلى جانب تحسُّن طفيف في إنتاج ألاسكا.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام لم تركّز على هذه الحقائق الجوهرية، بل اكتفت بترديد أرقام الزيادة الإجمالية، ما أعطى انطباعًا بأن الطفرة تعود إلى الحقول الصخرية، في حين إن هذه الحقول لم تُضف أيّ كميات جديدة خلال الشهر المذكور.
وأضاف أن هذا التضليل الإعلامي يعكس ضعف التمييز بين مكونات الإنتاج الأميركي، إذ تتعامل بعض الجهات مع الولايات المتحدة بصفتها مصدرًا واحدًا للطاقة، دون النظر إلى اختلاف أنواع الحقول ومعدلات إنتاجها.

وبيّن أنس الحجي أنّ تجاهل هذه التفاصيل الدقيقة يؤدي إلى أخطاء في تقدير المعروض العالمي من النفط، خاصة في ظل اعتماد الأسواق على بيانات دقيقة لتحديد اتجاه الأسعار والتوازن بين العرض والطلب.
وأوضح أن هذا النوع من التعميم الإعلامي يفتح الباب أمام تفسيرات مغلوطة لتطورات السوق، إذ يُظَن أن إنتاج النفط الصخري الأميركي يواصل الصعود، في حين إن إسهامه ثابت منذ عدّة أشهر في الواقع.
ولفت إلى أن الحديث المتكرر عن "زيادة تاريخية" يجب أن يُفهم في سياقه الجغرافي والتقني، فمصدر الزيادة ليس التكنولوجيا الصخرية كما يعتقد بعضهم، بل مشروعات بحرية ضخمة في خليج المكسيك دخلت الخدمة بعد سنوات من التطوير.
وشدد على أن فهم هذه التفاصيل ضروري لتقييم السياسة النفطية الأميركية بدقّة، خصوصًا في ظل ارتباطها بعوامل إنتاج متنوعة تشمل البر والبحر والمناطق القطبية.
ويوضح الرسم البياني التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- مستويات إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة، منذ يناير/كانون الثاني 2020 حتى نهاية أغسطس/آب 2025:

تلاعب بالأرقام وخلط إعلامي
أوضح أنس الحجي أن النقاش حول إنتاج النفط الصخري الأميركي لا يمكن فصله عن طبيعة التقارير الدولية، خاصة تلك الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية التي تقدّم أحيانًا قراءات غير دقيقة للطلب والعرض في السوق الأميركية.
وبيّن أن الوكالة توقعت نمو الطلب الأميركي على النفط بنحو 60 ألف برميل يوميًا خلال عام 2025، ثم رفعت تقديراتها إلى 90 ألف برميل فقط، بينما تُظهر البيانات الفعلية زيادة قدرها 275 ألف برميل يوميًا منذ بداية العام.
وأشار إلى أن هذا التفاوت الكبير بين التقديرات والواقع يعكس مشكلة في منهجية جمع وتحليل البيانات، ما يؤدي إلى استنتاجات خاطئة بشأن وجود "فائض في المعروض"، وهو ما لا تدعمه الأرقام الميدانية.

وأضاف خبير اقتصادات الطاقة أن الحديث عن فائض في الأسواق العالمية لا يستند إلى حقائق، بل إلى تلاعب في تفسير المؤشرات الاقتصادية، بهدف التأثير في توقعات الأسعار، وربما توجيهها نحو الهبوط.
وأكد أن وسائل الإعلام الغربية تتعامل مع تقارير الوكالة بصفتها مسلّمات، دون تدقيق أو مراجعة للبيانات الأصلية، مما يؤدي إلى نشر تصورات مضللة عن واقع السوق، سواء في النفط أو الغاز.
وأوضح أن التضليل يمتدّ كذلك إلى أخبار دولية أخرى، مثلما حدث في باكستان عندما ألغت عقود الغاز المسال طويلة الأجل لأسباب وُصِفت بـ"الإدارية"، في حين تُخفي وراءها مشكلات فساد وقرارات سياسية غير مبررة.
وختم بالقول، إنّ تجاهُل هذه الحقائق يعمّق سوء الفهم في الأسواق العالمية، فبينما يُعتقَد أن إنتاج النفط الصخري الأميركي هو المحرك الرئيس للزيادة التاريخية، تؤكد البيانات أن المحرك الحقيقي هو خليج المكسيك، مع تلاعب واضح في طريقة عرض الأرقام والحقائق.
موضوعات متعلقة..
- قطاع النفط الصخري الأميركي "ينزف" بسبب تعرفات ترمب (تقرير)
- قطاع النفط الصخري الأميركي بين فكي الرسوم والتباطؤ الاقتصادي (تقرير)
- إنتاج النفط الصخري الأميركي قد يرتفع 17 ألف برميل يوميًا في يونيو
اقرأ أيضًا..
- قطاع الطاقة في إثيوبيا.. إمكانات متجددة وغموض حول موارد النفط والغاز
- تحليل سهم أرامكو بعد تراجع الأرباح.. 4 خبراء يكشفون سر الاتجاه الصاعد (تقرير)
- آيرينا: الطاقة المتجددة تحقق طفرة غير مسبوقة في مشروعات الكهرباء الجديدة (تقرير)
المصدر..





