مقالات التغير المناخيالتغير المناخيرئيسية

علاج تغير المناخ بنكهة نشارة الخشب (مقال)

حياة حسين*

يُحكى أنه في ثمانينيات القرن الماضي، انتشر غش الشاي بنشارة الخشب في مصر، وبعد الإمساك بالمتورطين، كانت شريحة من المصريين قد اعتادت على المذاق بنكهة النشارة، لذا أصابهم الضجر بعد اختفائها من مشروبهم المفضل.. هذا التعلّق بمذاق مُحدد يُستغَل الآن في علاج آثار ومكافحة تغير المناخ.

التعلق بطعام أو شراب ما؛ بسبب مذاق أو نكهة محددة وليس بسبب المكونات أو اللون، كما يعتاد بعضهم على الوجبات التي تعدّها الأمهات، ولا يرضون عنها بديلًا، ألهمت فئةً لاستغلالها في منح المذاق بمكونات مختلفة، تارة لتجنُّب آثار التغير المناخي في الإنتاج الزراعي، وتارة أخرى في تقليص انبعاثات الإنتاج الزراعي من غازات الدفيئة.

يمثّل الإنتاج الزراعي والغذائي مصدرًا لما لا يقل عن 30% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهي تعادل انبعاثات إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري تقريبًا.

وإذا أضفنا إليها إزالة الغابات بهدف الزراعة في الغالب، إضافة إلى إنتاج الأسمدة، التي تصدر أكسيد النيتروز (أحد مكونات غازات الاحتباس الحراري)، سترتفع حصة إنتاج الغذاء إلى 60% من إجمالي الانبعاثات المتسببة في زيادة حرارة الأرض.

وأكثر أنواع الغذاء الذي يتسبب إنتاجه في الإضرار بالمناخ، هو اللحوم، إذ إن الأبقار مُنتج قوي لغاز الميثان، الأسوأ بتأثيره في تغير المناخ، الذي يفوق ضرره تأثيره ثاني أكسيد الكربون، كونه غازًا ذا قدرة على الاحتفاظ بالحرارة أكثر بـ 80 مرة.

ورغم أن مكافحته أسهل، فإن نسبة انبعاثات الميثان بلغت حاليًا مستويات قياسية، وتحتلّ الأبقار المرتبة الثانية في تلويث الهواء بعد صناعة النفط والغاز في أميركا.

كما تستهلك الماشية كميات كبيرة من المياه ومساحات شاسعة من الأراضي، ففي دولة مثل أيرلندا، تُخصَّص 80% من الأراضي للرعي، ما تسبَّب في أزمة مناخية حادة.

لذلك اقترح بعض ساسة أيرلندا في 2023 التخلص من 200 ألف بقرة، تعادل 10% من إجمالي الأبقار، لخفض الانبعاثات الزراعية بنسبة 25% بحلول 2030.

البرغر المستزرع في مواجهة تغير المناخ

إن كانت أيرلندا ترى أن التخلص من الأبقار جزء من الحل لعلاج أزمة الانبعاثات، فإن آخرين يبحثون الآن عن إنتاج لحوم بديلة، سواء بالاعتماد على مكونات نباتية تمنح مذاق اللحوم نفسه، أو في المختبرات.

على سبيل المثال؛ في يناير/كانون الثاني 2025، تقدمت شركة "موسا ميت" الهولندية بطلب للحصول على موافقة سلطات الأغذية في الاتحاد الأوروبي، على منتجها الدهن المستزرع، الذي يُستعمل في منتجات اللحوم المستزرعة، ما يضيف إليها مذاق المنتجات الطبيعية، في جميع الدول الأعضاء في التكتل.

وقبل تأسيسه للشركة في 2016، قدّم مارك بوست، أول برغر لحم بقري مستزرع في العالم في عام 2013 عن طريق استزراعه طبيعيًا من خلايا البقر.

وأظهر تقييم في أوروبا أن لحم البقر المستزرع قد يساعد في خفض انبعاثات تربية المواشي بنسبة تصل إلى 93%، والأراضي 95%، والمياه 78%، مقارنة بإنتاج اللحوم التقليدية، غير أن تكلفتها المرتفعة، وحظرها في بعض البلدان، من الأسباب الرئيسة لعدم انتشارها.

يُذكر أن نشاط اللحوم المصنّعة والمستزرعة شهدَ انتكاسة بعد عودة الرئيس دونالد ترمب إلى الحكم في الولايات المتحدة، إذ إنه لا يعترف من الأصل بما يسمى أزمة تغير المناخ.

وكما يسهم النشاط الزراعي في تغير المناخ، فهو يُعدّ من أكبر ضحاياه، إذ أثّرت موجات الحر والجفاف والفيضانات والرطوبة التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة بالإنتاج الزراعي عامةً والغذاء خاصةً.

قهوة بلا بن لعلاج آثار تغير المناخ
حبوب البن - الصورة من نسكافيه

فنجان قهوة دون حبوب البن

من أكثر الأشجار التي تضررت من موجات الجفاف والحرارة مؤخرًا البن والكاكاو، ما دفع أسعارهما إلى تحقيق مستويات قياسية عديدة ومتتالية منذ العام الماضي.

وارتفعت درجات الحرارة لمدة 6 أسابيع فوق 32 درجة مئوية بأكثر من 70% من مناطق إنتاج الكاكاو في عدّة دول أفريقية في 2024.

وأثّرت الظروف الجوية القاسية وأمراض المحاصيل بشدة في مزارع الكاكاو في ساحل العاج وغانا، أكبر منتجَين لهذا المحصول، في الوقت الذي حذّر فيه العلماء من أن أشجار الكاكاو مهددة بالانقراض، وأن ثلثها قد ينقرض بحلول عام 2050، ما قد يؤدي إلى نقص عالمي في الشوكولاتة.

ووسط ذلك بدأ البحث عن إنتاج مسحوق البن والكاكاو الخاليين من الحبوب، باستعمال تقنيات حديثة، ما يعني أنه قريبًا، قد نتناول فنجانًا من القهوة مُعدًّا دون حبوب البن.

ومن بين الباحثين شركة "بريفر" السنغافورية الناشئة، التي جمعت 4.2 مليون دولار قبل أشهر، لتمويل إنتاج بدائل البن والكاكاو.

ونهاية 2024، جمعت شركة بلانت إيه فودز الألمانية تمويلًا بقيمة 30 مليون دولار لإنتاج الشوكولاتة الخالية من حبوب الكاكاو، بوصفها بديلًا جيدًا لتلك المُنتجة من حبوب الكاكاو الطبيعية.

وقال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة ماكسيميليان ماركوارت، إن شريكته وشقيقته عالمة الأغذية الدكتورة سارة طورت عملية صنع الشوكولاتة الخالية من الكاكاو، موضحًا أن سارة اكتشفت أن 80% من نكهات الشوكولاتة النموذجية، تأتي في الواقع من معالجة حبوب الكاكاو، وليس من الحبوب نفسها، فلماذا تحتاج إلى حبوب الكاكاو؟

وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت شركة نستله العالمية تطوير تقنية جديدة، تمكّنها من استعمال 30% فقط من ثمرة الكاكاو لإنتاج الشوكولاتة، مع الحفاظ على المذاق الأصلي للمنتجات، ما يخفض نسبة الهدر، ويساعد المزارعين على زيادة قيمة المحاصيل.

* حياة حسين- صحفية مصرية متخصصة في قضايا الاقتصاد والبيئة والمناخ.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

 

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق