كيف تؤثر الجغرافيا السياسية في التحول الأخضر؟.. فرص التنافس الدولي وتحدياته
وحدة أبحاث الطاقة – مي مجدي

أصبح تأثير الجغرافيا السياسية في التحول الأخضر محورًا لا يمكن تجاهله خلال الوقت الراهن، ولا سيما أن القوى الكبرى -الصين وأميركا- تؤدي دورًا رئيسًا في تحديد مسارات هذا التحول، سواء عبر السيطرة على الموارد الحيوية أو تطوير التقنيات النظيفة.
ومع ذلك، ثمة مفارقة واضحة مفادها أنه كلما ازدادت الحاجة إلى التعاون المناخي؛ بدت الجغرافيا السياسية أقل قدرة على تحقيقه.
وفي هذا السياق، سلّط تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة، الضوء على مدى تأثير الجغرافيا السياسية في التحول الأخضر، مشيرًا إلى أن الحروب والمنافسة على الموارد والانقسامات السياسية تنعكس سلبًا على استدامة السياسيات البيئية.
ورغم التحديات السياسية والاقتصادية؛ فإنه يمكن للتنافس الإقليمي والمصالح الذاتية التحول إلى محفز للتقدم، وقد يتحقق التحول الأخضر بالمرونة بدلًا من الانسجام التام.
محور الجغرافيا السياسية في التحول الأخضر
تمثل الصين والولايات المتحدة محور الجغرافيا السياسية في التحول الأخضر، إذ أضافت بكين خلال السنوات الأخيرة قدرات ضخمة في الطاقة الشمسية والرياح والسيارات الكهربائية والبطاريات، إلى جانب سيطرتها على المعادن الأرضية النادرة.
على الجانب الآخر، تحركت الولايات المتحدة عكس الاتجاه؛ إذ انسحبت مرة أخرى من اتفاقية باريس ووصفت السياسات المناخية بـ"الخدعة".
ويرى التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ضمن إطار اجتماعات مجالس المستقبل العالمية، التي عُقدت في دبي الشهر المنصرم، أن التنافس بين القوى الكبرى قد يكون محفزًا، إذ أدى إلى تسريع تصنيع الطاقة النظيفة، وارتفاع استثمارات المعادن الحيوية، وإعادة توطين الصناعات الخضراء، مع التركيز على المرونة والابتكار.
ورغم ذلك، فإن التحدي يكمن في تحويل هذا التنافس إلى سباق بنّاء دون أن ينحرف إلى منافسة عديمة الفائدة تعتمد على الاحتكار والرسوم الجمركية، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
على الجانب الآخر، يظهر نظام عالمي متعدد الأقطاب يعتمد على التحالفات الإقليمية ويمتد من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط عبر تكتلات إقليمية متنوعة؛ أبرزها:
- مجموعة البريكس.
- رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
- المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
- الاتحاد الأفريقي.
- مجلس التعاون الخليجي.
ويتميز الزخم متعدد الأقطاب بـ3 أبعاد رئيسة:
- القدرة على التأثير على نطاق واسع، إذ تتحول دول كانت متلقية للمساعدات إلى مزودين للمعرفة والخبرات والطاقة المتجددة.
- التعاون بين دول الجنوب، الذي أثبت أن الشراكات القائمة على الثقة والمخاطر المشتركة، أكثر فاعلية من التعاون التقليدي مع دول الشمال.
- التجارب الإقليمية، حيث تصبح المنصات الإقليمية مختبرات للابتكار القابل للتوسع.

الاقتصاد والحوافز والثقة
أشار التقرير إلى أن التحول الأخضر يتطلب محفزات قوية تحركه، والاقتصاد العالمي الحالي لا يتماشى مع حدود الكوكب، سواء من حيث الزمن أو القياسات أو الدوافع، لكن ثمة مؤشرات تجعل الاستدامة المنطق السائد، وليست الاستثناء المكلف، ويتجلى ذلك بوضوح في الآتي:
- السياسة الصناعية، إذ تعيد الحكومات اكتشاف دورها في توجيه الأسواق نحو التحول، مع المنافسة على قيادة الاستدامة.
- التمويل والاستثمار، إذ تعيد الصناديق السيادية والبنوك والمستثمرون تعريف المخاطر والفرص، مع الاعتماد على التمويل المختلط.
- القياس والمساءلة، فمع نضوج أسواق الكربون وتحسن شفافية البيانات، بدأت الشركات تُقيم قدرتها على خلق قيمة طويلة الأمد، وتبني قواعد مجلس معايير الاستدامة الدولي (ISSB)، ما قد يساعد على توحيد الحوافز عبر الدول.
- البنية التحتية الرقمية، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية أن يساعدا في مراقبة الانبعاثات بدقة وحماية الموارد.

بالإضافة إلى ذلك، يعتمد التحول في جوهره على الثقة، فخلال العقد الماضي، أظهرت الأزمات أن فقدان الثقة بالمؤسسات -محلية أو عالمية- يؤدي إلى شلل التقدم، وتعميق الانقسامات، وانتشار المعلومات المضللة.
وتتطلب إعادة بناء الثقة مجموعة من العوامل:
- الاتساق والوضوح: عبر تطبيق القوانين والالتزامات على نحو متوقع وعادل.
- الشمولية: عبر مشاركة المدن، والمجتمعات المحلية، والشباب، والشركات الصغيرة دون الاقتصار على الوزارات والشركات والهيئات متعددة الأطراف.
- حوكمة التقنيات: عبر تنظيم الذكاء الاصطناعي لضمان الشفافية والأمان.
- التواصل: عبر صياغة رسائل واضحة تشرح سبب التغيير والفائدة المرجوة لجميع الأطراف.
ونتيجة لذلك؛ يمكن للتنافس بين الدول والتكتلات الإقليمية أن يكون محفزًا للتقدم ودافعًا للابتكار، لكنه يحمل مخاطر بداية من خلق أنظمة موازية تضاعف التكاليف وتهدر الموارد، وتفاقم التفكير القائم على مبدأ لا رابح ولا خاسر، ما يتطلب إدارة التعددية القطبية بحكمة، وتحويل المنافسة إلى نتائج ذات قيمة تحقق مستقبل الكوكب.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في الربع الثالث (ملف خاص)
- أكبر 10 دول في تخزين الغاز تحت الأرض عالميًا
- تقرير سعودي يتحدث عن أسعار النفط والميزان التجاري للدول المصدرة
المصدر:





