خفض الانبعاثات الكربونية بقطاع البناء.. تقنية مصرية مبتكرة
داليا الهمشري

في ظل تسارع الجهود العالمية نحو خفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق الحياد الكربوني، تتجه الأنظار إلى قطاع البناء بوصفه أحد أكبر مصادر الانبعاثات الضارة بالبيئة، ولا سيما صناعة الأسمنت والخرسانة التي تسهم وحدها بنسبة تقارب 8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا.
أمام هذا التحدي، تبرز الحاجة الملحّة إلى ابتكارات علمية توازن بين كفاءة الأداء الإنشائي وتقليل البصمة الكربونية، ومن هذا المنطلق، توصلت باحثة مصرية إلى نهج جديد -اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- لتطوير خرسانة مستدامة قائمة على دمج مادة "النانو جرافين" المُستخلصة من المخلّفات البلاستيكية.
ويستند الابتكار إلى فكرة جوهرية تقوم على تحويل المخلّفات البلاستيكية إلى مورد نانوي عالي القيمة عبر استخلاص مادة "النانو جرافين" واستعمالها بمثابة إضافة فعّالة في مكونات الخرسانة.
وتهدف هذه الخطوة إلى تحسين الترابط البنيوي بين الجزيئات الخرسانية، بما ينعكس على زيادة مقاومة الضغط وتقليل النفاذ، ومن ثم خفض الانبعاثات الكربونية.
وبذلك يجمع المشروع بين البعد البيئي والاقتصادي من خلال تقليل الاعتماد على الأسمنت البورتلاندي مرتفع الانبعاثات، وفي الوقت نفسه إعادة تدوير النفايات البلاستيكية بطريقة مبتكرة تسهم في دعم توجهات مصر نحو الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات الكربونية.
تدوير المخلّفات البلاستيكية
قالت المدرّسة بكلية الهندسة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الدكتورة مي شتا، إن الابتكار يرتكز على دمج نسبة محددة من "النانو جرافين" النقي في مكونات الخرسانة بهدف تعزيز كفاءة الإماهة وتحسين الترابط بين الجزيئات، مما يؤدي إلى زيادة مقاومة الضغط وتقليل النفاذ.
وأضافت أن "النانو جرافين" يُستخرج من مصادر معاد تدويرها مثل المخلّفات البلاستيكية، مما يحقق بُعدًا بيئيًا مزدوجًا: تحويل النفايات إلى مادة نانوية ذات قيمة عالية، وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية البكر.

ونفّذت الباحثة المشروع عبر سلسلة من الخطوات المتكاملة، بدأت بتحضير مادة "النانو جرافين" من المخلّفات البلاستيكية باستعمال تقنية التحلل الحراري، تلتها مرحلة الطحن الكروي، للحصول على جزيئات نانوية نقية وفعالة.
بعد ذلك، دُمجت كميات محددة من "النانو جرافين" داخل خليط الخرسانة، ثم صُبَّت العينات قبل إخضاعها لاختبارات فيزيائية وميكانيكية لقياس مقاومة الضغط ونسبة الامتصاص والنفاذية، بما يخفض الانبعاثات الكربونية.
كما حُلِّلَت درجة الإماهة باستعمال جهاز التحليل الحراري الوزني لتقييم كفاءة الإضافة النانوية، ومقارنة النتائج التي أظهرتها العينات المطورة مع الخرسانة التقليدية لتحديد التركيبة الأكثر كفاءة واستدامة.
خفض الانبعاثات الكربونية
أظهرت الدراسات الأولية أن استعمال "النانو جرافين" بنسبة 0.2% يؤدي إلى زيادة درجة الإماهة لتصل إلى 97%، مقارنة بـ 85% في الخرسانة التقليدية، كما تحسنت مقاومة الضغط بنسبة تتراوح بين 15–25%، مع انخفاض ملحوظ في النفاذ وامتصاص الماء.
وأكدت الدكتورة مي شتا -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن هذه التحسينات تسهم بزيادة عمر الخدمة للمنشآت الخرسانية، وتقليل تكاليف الصيانة على المدى الطويل.
كما يؤدي هذا الابتكار دورًا ملموسًا في خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج الأسمنت عبر تقليل الحاجة إلى الكلنكر (المادة الأساسية في صناعة الأسمنت)، كما يدعم الاقتصاد الدائري من خلال إعادة استعمال المخلفات البلاستيكية في صورة مواد نانوية فعالة، ويُسهم المشروع في دعم توجهات مصر نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر وتحقيق أهداف رؤية 2030.

ولفتت الدكتورة مي شتا إلى أن استعمال "النانو جرافين" في الخرسانة يمثّل خطوة مبتكرة نحو تطوير مواد بناء خضراء تجمع بين الأداء العالي والاستدامة البيئية، ويعزز هذا الابتكار من كفاءة المواد الإنشائية وخفض الانبعاثات الكربونية، مما يجعله حلًا مثاليًا لمستقبل صناعة البناء المستدامة في مصر والعالم العربي.
موضوعات متعلقة..
- تقنية جديدة لإنتاج الخرسانة الخضراء تمهد لثورة استدامة في قطاع البناء
- خفض الانبعاثات الكربونية في المدن القديمة.. دراسة مصرية حول فرص التحول الذكي
- تقنية تدمج الطاقة المتجددة بشبكات الكهرباء.. حل مصري منخفض الانبعاثات
اقرأ أيضًا..
- واردات مصر من الألواح الشمسية الصينية تقفز 73%
- اندماج أديس وشيلف دريلينغ.. 76 منصة حفر تقود السعودية للصدارة عالميًا
- أكبر الصفقات النفطية في أكتوبر 2025.. مصر والعراق والجزائر بالمقدمة
- الجزائر ترفض محاولات لإعادة تصدير الغاز عبر المغرب (حصري)





