طاقة الرياح المحمولة جوًا.. توربينات طائرة توفر 90% من استهلاك المواد الخام
دينا قدري
- طاقة الرياح المحمولة جوًا هي تحويل طاقة الرياح إلى كهرباء باستعمال أجهزة طيران مربوطة
- تطوير طاقة الرياح المحمولة جوًا بدأ في ثلاثينيات القرن الماضي
- قطاع طاقة الرياح المحمولة جوًا شهد نموًا كبيرًا منذ عام 2008
- انطلاق مشروعات تجريبية عبر دول مختلفة للاستفادة من قدرات طاقة الرياح المحمولة جوًا
تبرز طاقة الرياح المحمولة جوًا (AWE) بوصفها أحد الحلول المبتكرة لتوليد كهرباء نظيفة، من شأنها أن تُحدث "ثورة" في طاقة الرياح حال اعتمادها على نطاق واسع.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فإن طاقة الرياح المحمولة جوًا هي تحويل طاقة الرياح إلى كهرباء باستعمال أجهزة طيران مربوطة (طائرات دون طيار متصلة بمحطة أرضية بوساطة كابل).
وتجمع بعض المفاهيم بين توربينات الرياح المثبتة على متن الطائرة وحبل موصل، في حين يُحوّل بعضها الآخر قوة سحب الأجهزة الطائرة على الأرض.
ويُقلل استبدال برج توربينات الرياح التقليدية بحبل خفيف الوزن من استهلاك المواد الخام بشكل كبير، ويسمح بتعديل مستمر لارتفاع إنتاج الطاقة بما يتناسب مع موارد الرياح المتاحة.
تاريخ تطوير طاقة الرياح المحمولة جوًا
في ثلاثينيات القرن الماضي، طوّر المهندس الألماني ورائد طاقة الرياح هيرمان هونيف مفاهيم لمحطات طاقة رياح عملاقة مزودة بعدّة دوارات مدعومة بأبراج يبلغ ارتفاعها مئات الأمتار.
وفي الوقت نفسه تقريبًا، قدّم المهندس الألماني ألويس فان غريس -الذي ألف كتابًا مدرسيًا قياسيًا عن هياكل الطائرات عام 1921- براءات اختراع لاستعمال الطائرات الورقية لنشر توربينات الرياح على ارتفاعات أعلى.
واقترح فان غريس أساسًا الجمع بين سلاسل من الطائرات الورقية الرافعة الكبيرة التي استعملها العديد من المراصد حول العالم لقياسات الارتفاعات العالية، مع تقنية توربينات الرياح الناشئة.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، تجسّدت هذه الفكرة على وجه التحديد لحصاد رياح الارتفاعات العالية بعد نصف قرن، خلال أزمة الطاقة في السبعينيات، من قبل رائد عصر الفضاء هيرمان أوبرث، الذي اقترحها بديلًا للوقود الأحفوري والطاقة النووية.
وفي الوقت نفسه، طوّر فريق برايان دبليو روبرتس في جامعة سيدني طائرات رباعية المراوح لحصاد طاقة الرياح على ارتفاعات عالية واختبرها، في حين وضع مايلز إل لويد -وهو مهندس أميركي يعمل في مختبر لورانس ليفرمور الوطني- الأساس للتحليل الكمي لأنظمة طاقة الرياح المحمولة جوًا.
وقُبيل مطلع القرن العشرين، قدّم الأستاذ في جامعة دلفت للتكنولوجيا ورائد الفضاء السابق، ووبو أوكلز مفهومًا لطاقة الرياح على ارتفاعات عالية، قائمًا على حلقة كابل تمتد من محطة أرضية إلى السماء.
وكان من المقرر تحويل قوة السحب الميكانيكية للشبكة في الحلقة، التي تُدار بوساطة طائرات ورقية متصلة على أوقات منتظمة، إلى كهرباء على الأرض.
ورغم أن هذه "الآلة السلمية" لم تكن سوى فكرة نظرية، فإن جهود "أوكلز" الدؤوبة أدت إلى تأسيس مجموعة بحثية عام 2004، انبثقت منها شركتان رائدتان، هما أمبكس باور (Ampyx Power) في عام 2007، وكايت باور (Kitepower) في عام 2016، بحسب ما أوردته منصة "نمذجة أنظمة طاقة الرياح المحمولة جوًا والتحكم فيها وتحسينها" (AWESCO).

مؤتمرات ومنظمات لطاقة الرياح المحمولة جوًا
في المدّة من عام 2008 إلى عام 2010، شهد قطاع طاقة الرياح المحمولة جوًا نموًا كبيرًا، وفي عام 2018، ضمّ المشهد البحثي والتطويري أكثر من 60 مؤسسة.
وأدى النمو الكبير لمجتمع البحث والتطوير في عام 2008 لتكثيف الحاجة إلى منصة دولية لمشاركة وتبادل النتائج، والتواصل واستكشاف فرص التعاون.
وبناءً على ذلك، عُقد أول مؤتمر لطاقة الرياح المحمولة جوًا (AWEC) في مدينة تشيكو بولاية كاليفورنيا في عام 2009، ورغم أن هذا الحدث كان بمثابة ندوة أكثر منه مؤتمرًا دوليًا، فإنه مثّل نقطة انطلاق للقاء دوري لقطاع طاقة الرياح المحمولة جوًا الدولي.
وفي عام 2018، تأسست إيربورن ويند يوروب (Airborne Wind Europe) بوصفها جمعية لصناعة طاقة الرياح المحمولة جوًا في أوروبا؛ بهدف تنسيق أنشطة التطوير التجاري وإنشاء مجموعات عمل مشتركة حول مواضيع تعاونية مهمة، مثل إرشادات السلامة والتقنية، وتنظيم المجال الجوي، والأثر البيئي، وخريطة طريق لتطوير التقنيات على مستوى القطاع.
وفي مؤتمر علوم طاقة الرياح (WESC) لعام 2019 في مدينة كورك الأيرلندية، قُدِّم ما لا يقل عن 18 عرضًا تقديميًا حول طاقة الرياح المحمولة جوًا.
وخلال هذا المؤتمر، أنشأت الأكاديمية الأوروبية لطاقة الرياح (EAWE) لجنةً لطاقة الرياح المحمولة جوًا لتمثيل المجتمع الأكاديمي في أوروبا.
مشروعات طاقة الرياح المحمولة جوًا
كان "ماكاني إم 600"، الذي طوّرته شركة ماكاني الأميركية (Makani)، نموذجًا أوليًا لنظام طاقة رياح محمول جوًا، مصممًا لتوليد الكهرباء من الرياح عالية الارتفاع باستعمال طائرة ورقية آلية كبيرة.
وعلى الرغم من إحرازه تقدمًا تقنيًا كبيرًا، مثل عرض الطيران مع الرياح المتقاطعة والعمليات البحرية، فإن "ماكاني" توقَّف عن العمل في عام 2020 بسبب تحديات التسويق.
ومنذ ذلك الحين، انطلقت عدّة مشروعات تجريبية في دول مختلفة عبر العالم، سعيًا لتحقيق طفرة حقيقية في قطاع طاقة الرياح المحمولة جوًا، من بينها:
-
جزيرة موريشيوس
في يناير/كانون الثاني 2023، انطلقت طائرة ورقية بمساحة 120 مترًا مربعًا فوق حقول قصب السكر في جزيرة موريشيوس الواقعة في المحيط الهندي، لتسخير طاقة الرياح على ارتفاع مئات الأمتار.
وتُشغّل النظام شركة سكاي سيلز باور إنديان أوشن (SkySails Power Indian Ocean)، وهي مشروع مشترك بين شركة سكاي سيلز باور الألمانية وشركة آي بي إل إنرجي هولدينغز الموريشيوسية (IBL Energy Holdings).
وبعد مدة من التركيب والتشغيل، أكّدت شركة سي إي بي (CEB)، المُشغّلة لشبكات الكهرباء، رسميًا توافُق النظام مع متطلبات الشبكة، ومنحت تصريحًا بتزويد شبكة الجزيرة بالكهرباء.
ومن شأن هذا المشروع أن يرسّخ مكانة جمهورية موريشيوس بوصفها مركزًا لنشر هذه التقنية المبتكرة في شرق إفريقيا ومنطقة المحيط الهندي، بحسب ما جاء في بيان صادر عن شركة "سكاي سيلز".

-
تايوان
في يوليو/تموز 2025، أطلقت شركة سكاي سيلز (SkySails) أول رحلة جوية لنظام طاقة الرياح المحمول جوًا، المعتمد على الطائرات الورقية، في تايوان.
وتُمثّل هذه الرحلة الأولى إطلاق أول نظام طاقة رياح محمول جوًا، والمعتمد على الطائرات الورقية، في آسيا، ونقطة تحول في مسيرة توسُّع سكاي سيلز الدولي.
ويقع النظام في موقع اختبار "المنطقة الصناعية الساحلية"، وهو جزء من تعاون متعدد المراحل بين شركة "سكاي سيلز باور" (SkySails Power) وشركة "إيه آي سيلز باور" (AiSails Power) التابعة لشركة "ويسترون كوربوريشن" (Wistron Corporation).
وتتمتع الشركتان بمكانة رائدة في تطوير طاقة الرياح المحمولة جوًا في السوق الآسيوية، ما يُثبت فوائد هذه التقنية في توفير الطاقة المتجددة حتى في المناطق غير المتصلة بالشبكة واللامركزية، مع مشروعات أخرى قيد الإعداد.
ويُمثّل نشر النظام نموذجًا يُحتذى به لطاقة الرياح المحمولة جوًا في آسيا، ما يُمكّن الشركاء من إثبات فاعلية النظام، وبناء الخبرات المحلية، والاستعداد للتوسع في السوق.
وغادر نظام ثانٍ موقع إنتاج "سكاي سيلز" في سيفيتال بألمانيا، ويُشحَن إلى تايوان، وفق ما أكدته شركة "سكاي سيلز" في بيان حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
-
أيرلندا
في أغسطس/آب 2025، أطلق الباحثون طائرات ورقية عملاقة على الساحل الغربي العاصف لأيرلندا، على أمل توليد كهرباء متجددة وإحداث "ثورة" في طاقة الرياح.
وحلّقت الطائرة الورقية على ارتفاع نحو 400 متر (1300 قدم)، ودارت على ارتفاع نحو 190 مترًا، مولدةً نحو 30 كيلوواط للتخزين، بحسب ما نقلته منصة "فرانس 24" (France 24).
وصرّح بادرايك دوهيرتي، من شركة كايت باور الهولندية، التي تقف وراء هذا المشروع، بقوله: "نستعمل طائرة ورقية لالتقاط الرياح، ومولدًا كهربائيًا في أسفلها لالتقاط الكهرباء".
وفي موقع الاختبار الذي يعمل منذ سبتمبر/أيلول 2023 بالقرب من بلدة بانغور إيريس الصغيرة، ينقل الفريق الطائرة الورقية الضخمة، التي تبلغ مساحتها 60 مترًا مربعًا (645 ألف قدم مربع)، من حظيرة عبر أرض مستنقعية، إلى مولد كهربائي.
وأضاف دوهيرتي: "بعد ذلك، تُربَط الطائرة الورقية بالجهاز بوساطة حبل سلكي، وتعمل كـ"يويو أو بكرة صيد.. تُقذَف الطائرة الورقية للخارج وتطير، ثم يسحبها الحبل للداخل مرارًا وتكرارًا، مولدةً كهرباء".

-
الصين
في سبتمبر/أيلول 2025، أكمل توربين "إس 1500"، المُصمَّم محليًا في الصين، رحلته الأولى بنجاح في هامي شمال غرب الصين بعد اجتيازه اختبارات شملت التجميع الكامل في الصحراء والنشر المستمر للرياح العاتية واسترجاعها.
ويُمثّل نجاح الرحلة الأولى لتوربين الرياح الصيني "إس 1500"، خطوةً مهمةً إلى الأمام في تقنيات الطاقة المتجددة؛ إذ يُسخّر هذا النظام المُبتكر -الذي يُشبه منطادًا هوائيًا عملاقًا- قوة رياح التيار النفاث على الارتفاعات العالية.
ويُعدّ "إس 1500" نظامًا تجاريًا بقدرة ميغاواط، ويبلغ طوله نحو 60 مترًا (197 قدمًا)، وعرضه 40 مترًا (131 قدمًا)، وارتفاعه 40 مترًا (131 قدمًا)، وهو أكبر مولد طاقة رياح محمول جوًا على الإطلاق، وفقًا لشركة بكين ساوس لتكنولوجيا الطاقة (Beijing SAWES Energy Technology)، إحدى الشركات المطوّرة.
وعلى عكس توربينات الرياح التقليدية التي تتطلب بنيةً تحتيةً واسعة، يُحلّق توربين "إس 1500" في السماء، مُقلّلًا من استعمال المواد الخام بنسبة 40%، ويخفض تكاليف الكهرباء بنسبة 30%.
ويُمكن نقل الوحدة بالكامل في غضون ساعات؛ ما يجعله مناسبًا للصحاري والجزر ومواقع التعدين، بحسب ما نقلته منصة "إنترستينغ إنجينيرينغ" (Interesting Engineering).
ومهّدت النماذج الأولية السابقة الطريق لـ"إس 1500"؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024 وصل منطاد "إس 500" المملوء بالهيليوم إلى ارتفاع نحو 1640 قدمًا (500 متر) فوق مقاطعة هوبي، مُنتجًا أكثر من 50 كيلوواط.
وبعد 3 أشهر، وصل ارتفاع التوربين "إس 1000" إلى نحو 3281 قدمًا (1000 متر)؛ ما ضاعف إنتاجه إلى 100 كيلوواط.

-
ألمانيا
في سبتمبر/أيلول 2025 أيضًا، حققت شركة كايت باور الهولندية (Kitepower) خطوةً مهمةً في تطوير طاقة الرياح المحمولة جوًا، بعد حصولها على ترخيص تشغيل رحلات جوية في ألمانيا؛ إذ ستبدأ العمليات الأولى في ولاية بادن فورتمبيرغ.
وتعمل كايت باور -بالتعاون مع شركة الطاقة الألمانية آر دبليو إي (RWE)- على تقنية تستعمل الطائرات الورقية لتوليد طاقة الرياح.
وتُربَط الطائرات الورقية بحبل، وتحلّق على ارتفاع يصل إلى 350 مترًا أو أكثر فوق سطح الأرض، حيث تكون الرياح أقوى وأكثر ثباتًا.
وقالت كايت باور: "تتيح لنا هذه الفرصة الاستفادة من تعرفات التغذية الكهربائية في ألمانيا وتسريع اعتماد طاقة الرياح المحمولة جوًا بمزيج الطاقة المتجددة في البلاد".
ووفقًا لدراسةٍ استشهدت بها الشركة الناشئة، هناك إمكان لتوليد ما بين 12 و108 غيغاواط من طاقة الرياح المحمولة جوًا في جميع أنحاء البلاد.
وبدأت شركتا كايت باور وآر دبليو إي اختبار تقنية طاقة الرياح المحمولة جوًا في موقع أيرلندي عام 2023، ووفقًا لوسائل الإعلام الألمانية، أجرت الشركتان 170 رحلة تجريبية بنجاح.
وتستعمل طائرات "كايت باور" الورقية مواد خام أقل بنسبة 90% من توربينات الرياح التقليدية، بحسب ما نقلته منصة "رينيوبلز ناو" (Renewables Now).
وأوضحت الشركة أن هذه الأنظمة متنقلة، ويُمكن نشرها وإعادة نشرها بسهولة في مواقع مختلفة، مستفيدةً من طاقة الرياح التي لا تستطيع توربينات الرياح التقليدية استغلالها.
موضوعات متعلقة..
- أقوى توربين رياح طائر في العالم.. رهان صيني جديد يسرع تحول الطاقة
- ماذا يحدث لشركات توربينات الرياح؟.. إفلاس وتسريح عمال بأعداد ضخمة
- ثلثا سوق توربينات الرياح العالمية في قبضة الشركات الصينية بحلول 2034 (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- قصة تصدير أول شحنة نفط ليبية.. والدولة الحاصلة عليها (تقرير)
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في الربع الثالث (ملف خاص)
- الهيدروجين الأخضر "كنز" لـ4 دول عربية.. ما دور الصحراء الكبرى؟ (تقرير)
- السيارات الكهربائية الذكية.. عندما يتحول الأمان إلى "قاتل صامت" (مقال)
المصادر:
- تاريخ طاقة الرياح المحمولة جوًا، من منصة "نمذجة أنظمة طاقة الرياح المحمولة جوًا والتحكم فيها وتحسينها"
- مشروع رائد لطاقة الرياح المحمولة جوًا في موريشيوس، من موقع شركة "سكاي سيلز"
- أول رحلة لنظام طاقة الرياح المحمول جوًا في تايوان، من موقع شركة "سكاي سيلز"
- طائرات ورقية لتوليد كهرباء نظيفة في أيرلندا، من منصة "فرانس 24"
- أكبر مولد طاقة رياح محمول جوًا تطلقه الصين، من منصة "إنترستينغ إنجينيرينغ"
- الموافقة على رحلات جوية لأنظمة طاقة الرياح المحمولة جوًا في ألمانيا، من منصة "رينيوبلز ناو"




