آلية تعديل حدود الكربون الأوروبية.. كيف تؤثر في الصناعات التركية؟ (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- صادرات تركيا إلى أوروبا تجعل آلية تعديل حدود الكربون مصدرًا للعقبات والمزايا المحتملة
 - تركيا تطمح إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053
 - نظام تداول الانبعاثات التجريبي لعام 2026 يُعدّ نقطة تحول جذرية
 - رسوم آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون تُحسب على صادرات الصلب التركية
 
تؤثّر آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون في القطاعات التركية عالية التلويث، خصوصًا ما يتعلق بصادراتها إلى القارة العجوز.
وتُمثّل آلية لتعديل حدود الكربون (CBAM)، التي طُبِّقت عام 2023 في إطار مبادرة الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي ومبادرة "لائق لنسبة 55"، سياسةً محوريةً تهدف إلى الحدّ من "تسرب الكربون"، أي نقل الصناعات عالية الانبعاثات إلى دول ذات لوائح بيئية أقل صرامة.
وتهدف الألية إلى تعزيز التزامات الاتحاد بموجب اتفاق باريس للمناخ.
إضافة إلى ذلك، تفرض هذه الآلية رسوم كربون على المنتجات المستوردة من الصناعات عالية الانبعاثات، بدءًا من قطاعات مثل الأسمنت، والصلب والحديد، والألمنيوم، والأسمدة، وتوليد الكهرباء، والهيدروجين.
توسع آلية لتعديل حدود الكربون
من المتوقع أن يشمل توسُّع آلية لتعديل حدود الكربون بحلول عام 2030 فئات إضافية مثل المواد الكيميائية العضوية والبوليمرات.
وبصفتها حليفًا تجاريًا رئيسًا للاتحاد الأوروبي عبر الاتحاد الجمركي لعام 1995، تُصدِّر تركيا سلعًا تزيد قيمتها على 96 مليار يورو (110.56 مليار دولار) سنويًا إلى المنطقة (ما يُمثّل نحو 40% من إجمالي صادراتها)، ما يجعل آلية تعديل حدود الكربون مصدرًا للعقبات والمزايا المحتملة.
ونظرًا لعدم وجود إطار تسعير كربون مماثل على مستوى الاتحاد الأوروبي بصفتها دولة غير عضو، قد تشهد القطاعات التركية كثيفة الانبعاثات تراجعًا في ميزتها السوقية.
في الوقت نفسه، تُشكّل هذه السياسة دافعًا قويًا للجهود الداخلية الرامية إلى خفض الانبعاثات وإصلاح اللوائح التنظيمية.
(اليورو = 1.15 دولارًا أميركيًا)

تطبيق آلية لتعديل حدود الكربون
ينقسم تطبيق آلية لتعديل حدود الكربون إلى مرحلتين: مدة انتقالية من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025، حيث يتعين على المستوردين الإفصاح عن بصمات الكربون المضمنة دون أيّ غرامات مالية، ما يمهّد الطريق لتطبيق شامل بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2026.
بعد ذلك، سيتعين على المستوردين تقديم تقارير ربع سنوية وملخصات سنوية للانبعاثات، ولكن تأجَّل الحصول على شهادات آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، التي تُقدَّر قيمتها وفقًا لنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (ETS) بنحو 80-100 يورو (92.13- 115.16 دولارًا) للطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، إلى عام 2027، لتسهيل عملية انتقال أكثر سلاسة.
بحلول عام 2026، ستواجه تركيا تداعيات فورية مع انتقال آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون من مجرد التوثيق إلى معايير قابلة للتنفيذ.
وتشير التوقعات إلى نفقات إضافية قدرها 399 مليون يورو للانبعاثات المباشرة، ترتفع إلى 776 مليون يورو بإضافة الانبعاثات غير المباشرة (النطاق 2)، وقد تصل الأرقام السنوية إلى 1.1-1.8 مليار يورو بناءً على معدلات الشهادات السائدة.
في ظل سيناريو الوضع الراهن، قد تؤدي هذه النفقات إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 2.7% و3.6% بحلول عام 2030، ما يؤثّر بشكل غير متناسب في إنتاج الصلب والأسمنت، الذي يمثّل نحو 10.5% من الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي ويعتمد بشكل كبير على العمليات القائمة على الفحم.
تخفيضات محدودة في انبعاثات غازات الدفيئة
في غياب تدابير مضادة قوية، قد تؤدي هذه التحولات إلى تخفيضات محدودة في انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 2% و3% بحلول عام 2032، إلى جانب الضغوط على الوظائف والتوسع الاقتصادي في المناطق المعتمدة على الانبعاثات.
من ناحية ثانية، فإن لائحة التبسيط الشاملة للاتحاد الأوروبي لعام 2025، التي اعتُمِدَت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قد أدخلت تعديلات رئيسة تخفّف من التأثير قصير المدى في تركيا والشركاء الآخرين من خارج الاتحاد الأوروبي.
وتُحدّد اللائحة حدًا أقصى للاستيراد السنوي قدره 50 طنًا، مع إعفاء صغار المُصدّرين، وتستثني الانبعاثات من عمليات التشطيب والمواد الأولية المشمولة بنظام تجارة الانبعاثات، وتمدّد الموعد النهائي للإعلان السنوي حتى 31 أغسطس/آب المقبل.
وتعترف اللائحة رسميًا بآليات تسعير الكربون المحلية، مثل نظام تجارة الانبعاثات الناشئ في تركيا، للخصم من رسوم نظام إدارة الكربون، ما يمنع الازدواج الضريبي.
ومن المتوقع أن تُخفّض هذه التعديلات، التي تدخل حيز التنفيذ في عام 2026، الأعباء الإدارية بنسبة تصل إلى 30% على الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع الحفاظ على تغطية الانبعاثات بنسبة 90% تقريبًا.

تحقيق الحياد الكربوني في تركيا
تتبنى تركيا آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون محركًا لطموحاتها نحو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053، والموضّح في تصديقها على اتفاق باريس للمناخ عام 2021، وخطة عمل الصفقة الخضراء، وخطة التنمية الوطنية 2024-2028.
وتشمل الإجراءات الرئيسة نماذج خاصة بالصناعة، وقرضًا بقيمة 3.2 مليار يورو من ألمانيا وفرنسا لمصادر الطاقة المتجددة، وأهدافًا للطاقة الشمسية تصل إلى 52.9 غيغاواط بحلول عام 2035.
ويُعدّ نظام تداول الانبعاثات التجريبي لعام 2026 نقطة تحول جذرية، حيث يقدّم ائتمانات بقيمة 50 يورو تقريبًا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون لتعويض نفقات آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، وربما يعزز الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% من خلال حوافز خضراء.
في المقابل، يعزز تصنيف تركيا السادس عالميًا في إمكانات التعقيد الأخضر من مرونتها، ما يُمكّن من نمو صادرات قطع غيار طاقة الرياح والبطاريات ومكونات السيارات الكهربائية.
وقد تُتيح آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون تمويلًا يزيد على مليار يورو من البنك الدولي للبحث والتطوير في مجال الهيدروجين والبطاريات.
ومن خلال تعميق علاقات التوريد الخضراء مع الاتحاد الأوروبي عبر شراكات متنوعة، وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة، وإنهاء دعم الوقود الأحفوري، يمكن لتركيا خفض تكاليف آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون بنسبة 70-80%، ما يعزز استقرار التجارة في ظل التقلبات الجيوسياسية.
وبدءًا من أكتوبر/تشرين الأول 2025، تتوقف محادثات الاتحاد الأوروبي الجارية على نجاح نظام تداول الانبعاثات وتعزيز تتبُّع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى الشركات (الذي يبلغ حاليًا 2%) لتحويل آلية تعديل حدود الكربون إلى مسار للهيمنة الصناعية الخضراء.
صادرات الصلب التركية
تُحسَب رسوم آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون على صادرات الصلب التركية.
يأتي ذلك من خلال صيغة تربط كثافة الكربون في الإنتاج (طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ للطن، تغطي انبعاثات دورة الحياة الكاملة)، وحجم الصادرات (رسوم التوسع وفقًا لحجم التجارة)، وأسعار نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (نحو 70 يورو/طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2026).
وهذا يضمن مطابقة الواردات لتكاليف المنتجين في الاتحاد الأوروبي، ما يحدّ من التسرب ويشجع على اتّباع أساليب أنظف.
بالمثل، يتحمل مستوردو الاتحاد الأوروبي تكلفة الانبعاثات المكافئة، ومع نظام تجارة الانبعاثات المحلي الفعّال لعام 2026، يخصم المصدرون التكاليف المدفوعة محليًا لتجنُّب الازدواج الضريبي، وإلّا تُطبَّق المعدلات الكاملة.
وتشير التقديرات إلى أن تكلفة الفولاذ المقاوم للصدأ تتراوح بين 50 و100 يورو للطن استنادًا إلى الكثافة والأسعار، وهو ما يفرض ضغوطًا على هذا القطاع التصديري الرئيس، ما لم يتمكن التسعير المحلي من امتصاص الانبعاثات بفعالية.

دور قانون المناخ التركي
يُعدّ قانون المناخ التركي رقم 7552، الصادر في 9 يوليو/تموز 2025، أداة مهمة في التخفيف من آثار آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون من خلال ترسيخ النظام التركي لتداول الانبعاثات (TR ETS).
ويُرسي هذا الإطار نهجًا قائمًا على تحديد سقف للانبعاثات وتداولها للصناعات التي تُصدِر أكثر من 50 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ويشمل مجالاتٍ مثل إنتاج الكهرباء والصناعات التحويلية الكبرى.
ويُطبّق النظام التركي لتداول الانبعاثات -الذي سيُطبّق أولًا تجربةً بين عامي 2026 و2027- حدًا أقصى لكثافة الانبعاثات، ويسمح باستعمال محدودٍ للتعويضات المحلية، ويُوجّه جميع الأموال المُخصّصة لطرح تراخيص الكربون في المزاد نحو مبادرات المناخ والتحديثات الصديقة للبيئة فقط.
ويُعدّ توافق قانون المناخ مع إستراتيجيات الكربون في الاتحاد الأوروبي أمرًا بالغ الأهمية لشركات شحن الصلب التركية.
ويُمكن للشركات التي تُغطّي تكاليف انبعاثاتها من خلال النظام الوطني لتداول الانبعاثات خصم هذه النفقات من متطلبات آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، ما يُجنّبها -أو يُقلّل من- العقوبات المُكرّرة.
بدوره، يعزز نظام تداول الانبعاثات مكانة السوق بفرض رسوم كربون على العمليات التركية، على غرار تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي.
إضافةً إلى ذلك، يسمح التشريع ببعض التعويضات من خلال مبادرات معتمدة لخفض انبعاثات الكربون، مثل تطوير مصادر الطاقة المتجددة أو زراعة الأشجار، ما يُسهم في خفض إجمالي أعباء الكربون.
وتُعزز قوانين التتبع والإفصاح والتحقق القوية، التي تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي، الالتزام ببرنامج إدارة الكربون على مستوى الاتحاد الأوروبي، وتدعم قبول الاتحاد لنموذج التسعير التركي.
بوجه عام، يُوفر قانون المناخ أداةً محليةً تُقلل من مخاطر آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، وتُسرّع من تحول تركيا إلى قاعدة تصنيع أكثر مراعاةً للبيئة.
الخلاصة
تُشير آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، المقرر إطلاقها بالكامل عام 2026، إلى تحول كبير في إدارة الكربون عالميًا.
بالنسبة لتركيا -وهي مُصدّر للمنتجات عالية الانبعاثات مثل الصلب والألمنيوم والأسمنت إلى الاتحاد الأوروبي- ،تنطوي آلية تعديل حدود الكربون على ضغوط اقتصادية، وتتيح فرصة لإجراء تغييرات جذرية في النظام البيئي.
وتهدف هذه السياسة إلى تحقيق تكافؤ الفرص في تسعير الكربون بين الاتحاد الأوروبي والمنتجين الخارجيين، والحدّ من نقل الانبعاثات إلى الخارج، وتعزيز خفض الانبعاثات عالميًا.
وتُبرز سياسات تركيا وإجراءاتها الهيكلية المضادة، المتجذرة في قانون المناخ لعام 2025 وإطلاق نظام محلي لتداول الانبعاثات، طريقة عملية للتعديل.
ومن خلال تسعير الكربون محليًا والتزامن مع المعايير البيئية للاتحاد الأوروبي، يُمكن لتركيا تخفيف أعباء آلية تعديل حدود الكربون، وحماية استمرار الصادرات، وتشجيع تمويل القطاعات المستدامة.
ويهدف هذا الإجراء إلى حماية البائعين الأتراك من تداخل رسوم الكربون، ويُعزز الأهداف المالية والبيئية المستدامة للبلاد المرتبطة بهدفها المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053.
ختامًا، سيُشكّل التوافق بين قوانين الكربون في الاتحاد الأوروبي والسياسات البيئية المتطورة في تركيا مكانتها في المشهد الصاعد للتجارة البيئية.
وبفضل التنفيذ المحكم، يُمكن لنظام تجارة الانبعاثات التركي وخطط خفض الانبعاثات الأوسع نطاقًا أن يُحوّل إدارة الكربون المجتمعية من عبء إداري إلى دافع قوي لتطوير المصانع، والشراكات العابرة للحدود، والازدهار الصديق للبيئة في عالم يشهد قيودًا كربونية صارمة.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- تحالف إقليمي: آلية تعديل حدود الكربون ستغيّر قواعد اللعبة.. وهذا موقف صادرات مصر (حوار)
 - احتجاز الكربون وتخزينه رهان عالمي لا يخلو من تحديات (تقرير)
 - تكلفة احتجاز الكربون من الهواء مباشرة قد تهبط 74% بحلول 2050
 
اقرأ أيضًا..
- وزير الطاقة القطري: لن نصدر غازًا إلى أوروبا إذا لم يُعدَّل قانون الاستدامة
 - سلطان الجابر: العالم يحتاج إلى 4 تريليونات دولار استثمارات سنويًا لتأمين إمدادات الطاقة
 - وزير الطاقة الإماراتي يتوقع نمو الطلب على النفط بدعم من مراكز البيانات
 
 
 
 
 




