ما الفرق بين مزارع الرياح البحرية التقليدية والعائمة؟
دينا قدري
يتزايد الاعتماد على مزارع الرياح البحرية التقليدية والعائمة، بوصفها أحد المصادر الرئيسة للطاقة النظيفة، في إطار التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة.
وتُعدّ طاقة الرياح، التي تُولّدها طواحين الهواء لتُشغّل المولدات، مصدرًا بارزًا للطاقة المستدامة، ومع رياح أكثر استقرارًا وقوة في البحر، يوفر المحيط إمدادًا ثابتًا من الكهرباء النظيفة.
وبينما كانت مزارع الرياح ذات القاع الثابت هي الركيزة الأساسية، يكتسب ظهور التوربينات البحرية العائمة زخمًا متزايدًا استجابةً للتحديات المتنامية.
ووفق موسوعة مفاهيم منصة الطاقة المتخصصة، يختلف هذان النهجان من حيث الموقع ونوع الأساس، ما يؤثّر بشكل كبير في جدواهما التقنية، وبصمتهما البيئية، وجدواهما الاقتصادية.
الفرق بين مزارع الرياح البحرية التقليدية والعائمة
يكمن الفرق بين مزارع الرياح البحرية التقليدية والعائمة، فيما يلي:
الخصائص الجغرافية
عادةً ما تُوضع توربينات الرياح البحرية التقليدية بالقرب من السواحل نظرًا لقيود عمق المياه، وغالبًا ما تكون على بُعد 30 كيلومترًا؛ إذ تُسخّر هذه التوربينات ظروف الرياح القوية والموثوقة السائدة في المياه الساحلية الضحلة.
ووفقًا لأرقام أبريل/نيسان 2025، تتصدر الصين صناعة طاقة الرياح البحرية العالمية بأكبر عدد من مزارع الرياح العاملة بإجمالي 138، تليها المملكة المتحدة بـ51 مزرعة، وفيتنام بـ42 مزرعة، وألمانيا بـ32 مزرعة، وهولندا بـ21 مزرعة، بحسب ما نقلته منصة البيانات "ستاتيستا" (Statista).
في المقابل، تُنشَر المنصات العائمة على مسافات أكبر، تتراوح بين 30 و100 كيلومتر أو أكثر، في مناطق محيطية أعمق؛ إذ يتيح هذا الموقع الإستراتيجي الوصول إلى موارد رياح أكثر فاعلية واستمرارًا، ما يؤدي إلى زيادة إنتاج الكهرباء.
وتستضيف النرويج حاليًا أكبر مزارع الرياح العائمة العاملة في العالم، لكن هذه التقنيات تكتسب زخمًا عالميًا سريعًا، فهناك مشروعات مهمة قيد التنفيذ أو قيد الإنتاج في مناطق متنوعة، بما في ذلك إسكتلندا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا واليابان والساحل الغربي للولايات المتحدة.
نوع الأساس
تُثبّت التوربينات ذات القاع الثابت مباشرة في قاع البحر باستعمال ركائز أحادية أو أغلفة أو أساسات تعتمد على الجاذبية، ويُعدّ هذا النوع مناسبًا للمياه الضحلة التي يصل عمقها إلى نحو 60 مترًا.
أمّا بالنسبة للمنصات العائمة، فتُثبّت التوربينات على منصات عائمة من أنواع مختلفة:
- منصة طفو عمودية (spar-buoy) هي هيكل يمتد بعيدًا تحت سطح الماء، ما يوفر الثبات بفضل غاطسها العميق ومركز ثقلها المنخفض، وتُثبّت المنصة في قاع البحر بخطوط إرساء سلسلية.
- منصة شبه غاطسة (semi-submersible) تتكون من عدّة أعمدة وعوامات توزع الطفو والثبات، ويُثبَّت هذا التصميم باستعمال خطوط إرساء ممتدة إلى الخارج من المنصة.
- منصة الأرجل المشدودة (tension-leg platform) تُثبّت في قاع البحر بخطوط إرساء مشدودة رأسيًا، ما يوفر ثباتًا عاليًا مع أدنى حدّ من الحركة الأفقية.
وهذه المنصات مناسبة للعمل في المياه العميقة التي تزيد على 60 مترًا، وغالبًا ما تمتد إلى أعماق تصل لمئات الأمتار.

تحديات في التركيب والصيانة
ضمن تفاصيل الفرق بين مزارع الرياح البحرية التقليدية والعائمة، يتطلب إنشاء البنية التحتية لطاقة الرياح البحرية سفنًا متخصصة وآلات رفع ثقيلة لنقل وتركيب مكوناتها الكبيرة، ويقتصر البناء على ظروف بحرية هادئة نسبيًا ومياه ضحلة.
في المقابل، يُمكن تجميع المنصات العائمة على اليابسة قبل سحبها إلى موقعها المحدد، ما يُخفّف الحاجة إلى سفن متخصصة، كما أن النشر ممكن في المياه العميقة والأكثر اضطرابًا.
وفيما يتعلق بالصيانة، تُعدّ العمليات على الهياكل ذات القاع الثابت أسهل نسبيًا، نظرًا لقربها من الشاطئ، ما يُسهّل وصول الطواقم.
وفي المقابل، تُعدّ صيانة مزارع الرياح العائمة أكثر صعوبة، نظرًا لظروف تشغيلها النائية والصعبة، إلّا أنه يُمكن إجراء بعض الإصلاحات الرئيسة عن طريق سحب هذه المنصات إلى الشاطئ.
تكاليف الاستثمار والتشغيل
يتطلب استعمال الهياكل الثابتة لطاقة الرياح البحرية استثمارات أولية ضخمة، نظرًا للطبيعة المعقّدة للبناء تحت الماء والمعدّات المتخصصة اللازمة.
وتزيد مزارع الرياح العائمة من هذه التكاليف مع التعقيدات الإضافية للتكنولوجيا المتقدمة، وأنظمة التثبيت المتطورة، ومسافات النقل الأطول.
وبالمثل، في حين تتكبد الهياكل التقليدية ثابتة القاع تكاليف تشغيلية أقل نظرًا لسهولة الوصول إليها وقوانين الصيانة المعمول بها، فإن مزارع الرياح العائمة تُمثّل تحديات فريدة، فمواقعها النائية وتصميمها المعقّد يتطلبان صيانة ولوجستيات متخصصة، ما يزيد من تكاليف التشغيل.
المخاطر البيئية
تُؤثّر المنصات العائمة بشكل أقل في النظم البيئية البحرية، إذ تتطلب نقاط تثبيت أقل إزعاجًا وتدخّلًا، مقارنةً بالتوربينات ذات القاع الثابت.
ويُمكن لعملية حفر هذه الأخيرة وتركيبها في قاع المحيط أن تُعرّض الموائل البحرية والحياة البرية للخطر.
علاوةً على ذلك، قد تُشكّل مزارع الرياح التقليدية إزعاجًا بصريًا من الشاطئ، وتُولّد ضوضاء تحت الماء تُزعج الحياة البحرية.
وفي المقابل، يُقلّل موقع مزارع الرياح العائمة في عرض البحر من تأثيرها في المناظر الطبيعية والمجتمعات الساحلية، إلّا أن الآثار البيئية لأنظمة الإرساء والضوضاء تحت الماء الصادرة عن هذه الهياكل تتطلب إدارة دقيقة.
مستقبل طاقة الرياح البحرية.. أسس ثابتة أم عائمة؟
تقتصر طاقة الرياح البحرية ذات التوربينات ثابتة القاع على المياه الضحلة وتُعدّ أقرب إلى الشاطئ، ما يجعلها أكثر استقرارًا، ولكنها قد تكون أكثر إزعاجًا للموائل البحرية والمناظر الساحلية.
ومن ناحية أخرى، تتيح طاقة الرياح العائمة إمكان استغلال المياه العميقة والنائية ذات موارد الرياح الأقوى، على الرغم من أنها تواجه حاليًا تكاليف أعلى وتعقيدات تقنية.
في المستقبل، ستؤدي كلٌّ من مزارع الرياح البحرية والعائمة دورًا حيويًا في مزيج الطاقة العالمي؛ إذ ستظل مزارع الرياح البحرية ثابتة القاع تحظى بتفضيل خاص في المياه الضحلة، حيث تكون أكثر فاعلية من حيث التكلفة وأكثر نضجًا من الناحية التقنية.
ومع ذلك، بِتقدُّم تقنيات الرياح العائمة وانخفاض تكاليفها، ستزداد تفضيلاتها في المياه العميقة، ما يسمح بتحسين إدارة طاقة المحيطات.
وسيعتمد الاختيار بين مزارع الرياح البحرية والعائمة -أيضًا- على مزيج من الظروف الجغرافية والخاصة بالموقع، والآثار البيئية، والتطورات التقنية.
الظروف الجغرافية والخاصة بالموقع
عند الاختيار بين مزارع الرياح البحرية والعائمة، يجب مراعاة العديد من الظروف الجغرافية والخاصة بالموقع؛ إذ تؤثّر هذه العوامل في جدوى وكفاءة وفاعلية كل نوع من مزارع الرياح من حيث التكلفة:
- عمق المياه: تُعدّ توربينات الرياح ثابتة القاع الأنسب للمياه الضحلة، التي يصل عمقها عادةً إلى 60 مترًا، في حين صُممت توربينات الرياح العائمة للمياه العميقة التي يزيد عمقها على 60 مترًا، ويُمكن تركيبها في المناطق التي ينخفض فيها قاع البحر بشكل حادّ.
- سرعة الرياح وثباتها: يحتاج كلا النوعين من مزارع الرياح إلى مناطق ذات سرعات رياح عالية وثابتة، إلّا أنه يُمكن لمزارع الرياح العائمة الوصول إلى رياح أقوى وأكثر ثباتًا في المياه العميقة البعيدة عن الشاطئ.
- ظروف قاع البحر: يؤثّر نوع قاع البحر (صخري، رملي، موحل) في تركيب أساسات قاع البحر الثابتة؛ إذ تعتمد مزارع الرياح العائمة بشكل أقل على تركيب قاع البحر، نظرًا لأنها مُثبتة.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تُشكّل المناطق ذات النشاط الزلزالي العالي تحدياتٍ أمام التوربينات ذات القاع الثابت، ما يجعل التوربينات العائمة خيارًا أفضل. - الظروف الجوية والمحيطية: تتطلب المناطق ذات ظروف الأمواج والعواصف الشديدة حلولًا هندسية متينة، كما يجب أن تكون المنصات العائمة مرنةً خصوصًا في مواجهة البيئات البحرية القاسية.
وفي المناطق الباردة، قد يُشكّل تراكم الجليد تحدياتٍ إضافية لكلا النوعين من مزارع الرياح. - القرب من الشاطئ: نظرًا لقربها من اليابسة، تتطلب منشآت الرياح البحرية الثابتة خطوط نقل أقصر وأقل امتدادًا، أمّا مزارع الرياح العائمة، التي غالبًا ما تقع بعيدًا عن الشاطئ، فتتطلب خطوطًا وبنيةً تحتيةً أوسع للشبكة تحت الماء.
ومن الجوانب الرئيسة الأخرى توافر موارد سلسلة التوريد المحلية والمواني والبنية التحتية للبناء، إذ قد يؤثّر ذلك في جدوى المشروع وتكلفته. - التأثير البيئي: قد تستفيد المناطق ذات الموائل البحرية الحسّاسة من مزارع الرياح العائمة، التي تتميز ببصمةٍ بحريةٍ أقل مقارنةً بالتوربينات ذات القاع الثابت.
وفي هذا الصدد، يُعدّ تحليل مسارات هجرة الطيور والثدييات البحرية أمرًا بالغ الأهمية للحدّ من الاضطرابات البيئية.

العوامل البيئية والتنظيمية
قد تختلف اللوائح المحلية وعمليات إصدار التصاريح اختلافًا كبيرًا من منطقة لأخرى، ما يؤثّر في جدوى مشروعات طاقة الرياح البحرية والعائمة.
فعلى سبيل المثال، ستؤدي السياسات والحوافز الحكومية دورًا حاسمًا في تطوير كلتا التقنيتين.
ومن المُرجّح أن تشهد المناطق ذات الأطر التنظيمية الداعمة للطاقة المُتجددة مزيدًا من الاستثمار في مشروعات طاقة الرياح البحرية والعائمة.
إلى جانب ذلك، يُمكن أن يُؤثّر الامتثال لقوانين ولوائح حماية البيئة في اختيار التقنية المُناسبة؛ إذ قد تُفضّل مزارع الرياح العائمة في البلدان التي يُشكّل فيها اضطراب قاع البحر مصدر قلق كبيرًا، أو حيث تكون النظم البيئية البحرية حساسةً.
التطورات التقنية
من المرجّح أن تُسهم الابتكارات في تصميم المنصات العائمة، والمواد، وتقنيات التركيب، في خفض التكاليف، ما يجعل مزارع الرياح العائمة أكثر تنافسًا مع المنشآت ذات القاع الثابت.
ومع تطور تقنيات طاقة الرياح العائمة، سيصبح توسيع نطاق المشروعات أسهل، ما يؤدي إلى وفورات الحجم وتخفيضات إضافية في تكاليف البناء والتركيب والتشغيل والصيانة.
موضوعات متعلقة..
- دراسة: مزارع الرياح البحرية تهدّد النظام البيئي
- مزارع الرياح البحرية.. دراسة ترصد انبعاثات التوربينات وأنظمة منع التآكل (تقرير)
- تغير المناخ يهدد مزارع الرياح البحرية في بحر الشمال
اقرأ أيضًا..
- حريق في حقل نفط عراقي متواصل منذ 4 ساعات
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في الربع الثالث (ملف خاص)
- الهيدروجين الأخضر "كنز" لـ4 دول عربية.. ما دور الصحراء الكبرى؟ (تقرير)
- جيسيكا عبيد: فرص لتخزين الكهرباء في السعودية والإمارات.. ومشروع المغرب يواجه 3 عقبات (حوار 2/2)
المصادر:
- الفرق بين مزارع الرياح البحرية التقليدية والعائمة، من منصة "سيناي"
- عدد مزارع الرياح البحرية العاملة حول العالم، من منصة "ستاتيستا"





