أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير النفطسلايدر الرئيسيةنفط

أرباح المصافي الآسيوية تنخفض.. والمنافسة مع الخليج "نقطة تحول" (تقرير)

أحمد بدر

شهدت أسواق الطاقة في الأسابيع الأخيرة تراجعًا واضحًا في هوامش أرباح المصافي الآسيوية، وسط تباين في التفسيرات بين ضعف الطلب وارتفاع تكاليف التشغيل، في حين يربط خبراء الطاقة هذا الانخفاض بعوامل إنتاجية جديدة في منطقة الخليج العربي.

وفي هذا السياق، يقول مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي إن السبب الرئيس وراء تراجع أرباح مصافي النفط الآسيوية يعود إلى عاملَيْن أساسيَّيْن، أحدهما اقتصادي والآخر هيكلي مرتبط بتغير خريطة التكرير العالمية.

وأوضح أن العامل الأول يتمثّل في ضعف الطلب على النفط الخام، خاصة في الصين، في حين يتعلّق العامل الآخر بدخول مصافٍ خليجية جديدة إلى الخدمة في الكويت والإمارات وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، ما غيّر موازين التكرير الإقليمية.

وأشار إلى أن تشغيل هذه المصافي الجديدة أدى إلى تقليص صادرات النفط الخام المتوسط الحامض إلى آسيا، ورفع أسعار هذا النوع من النفط داخل الأسواق الآسيوية، وهو ما زاد من تكاليف الإنتاج وخفّض هوامش أرباح المصافي الآسيوية هناك.

جاءت التصريحات خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان: "النفط بين ترمب وبوتين ومودي وجين بينغ".

تأثير المصافي الخليجية في أرباح المصافي الآسيوية

أكد أنس الحجي أن تشغيل مصفاة الزور الكويتية ومصفاة الدقم العمانية ومصفاة إماراتية، ومشروعات التكرير الجديدة في السعودية؛ شكّل نقطة تحول في سوق المنتجات النفطية الآسيوية، إذ بدأت هذه الدول تصدير كميات كبيرة من المشتقات النفطية المنافسة إلى المصافي الآسيوية.

وأوضح أن هذه التطورات أدت إلى انخفاض أرباح المصافي الآسيوية، لأن النفط المتوسط الحامض الذي كانت تستورده الهند والصين من دول الخليج أصبح يُكرَّر محليًا داخل المنطقة نفسها، ما رفع أسعار الخام الموجه إلى آسيا وزاد من تكاليف التشغيل.

وبيّن أن هذه المصافي الآسيوية كانت تعتمد على شراء الخام بأسعار منخفضة نسبيًا وإعادة تصدير المشتقات إلى الأسواق العالمية بهوامش ربح مريحة، إلا أن دخول المصافي الخليجية إلى السوق سحب هذه الميزة تدريجيًا وأضعف قدرتها التنافسية.

عامل داخل مصفاة يانشان الصينية
عامل داخل مصفاة يانشان الصينية - الصورة من وكالة بلومبرغ

وأشار أنس الحجي إلى أن المنافسة بين المصافي الخليجية والآسيوية انتقلت من مستوى التوريد إلى مستوى الأسواق النهائية؛ إذ بدأت منتجات الخليج تجد طريقها إلى الأسواق التي كانت تُهيمن عليها آسيا، ما قلص عوائد وأرباح المصافي الآسيوية، وغيّر توازن القوى في القطاع.

وأضاف أن التوسع في طاقة التكرير الخليجية أدى إلى فائض في المعروض من المنتجات المكررة في الأسواق الإقليمية، ما جعل الأسعار النهائية أقل جاذبية بالنسبة إلى المصافي في آسيا، وبالتالي انخفضت أرباح المصافي الآسيوية بصورة متزامنة مع هذا التحول.

وقال إن تأثير هذه المشروعات الجديدة لم يقتصر على الأسعار فقط، بل امتد إلى إمدادات النفط الخام، إذ أصبحت الدول الخليجية تستعمل جزءًا كبيرًا من إنتاجها داخليًا لتغذية المصافي الجديدة، ما قلص حجم الصادرات إلى آسيا وأربك أنماط الإمداد المعتادة.

وأكد أن هذه التغيرات في التوازن بين الإنتاج المحلي والتصدير جعلت أرباح المصافي الآسيوية تتراجع بصورة متسارعة، خاصة مع تباطؤ الطلب الآسيوي في الوقت ذاته، ما ضاعف الأثر السلبي في أداء القطاع بأكمله.

انتعاش مؤقت وتغيرات موسمية

أوضح أنس الحجي أن ما حدث في الأسابيع الأخيرة يعكس تغيرًا موسميًا مؤقتًا، إذ بدأت المصافي الخليجية الكبرى تنفيذ برامج الصيانة الدورية مع نهاية فصل الصيف، ما أدى إلى انخفاض إنتاجها وتراجع صادراتها من المنتجات النفطية للأسواق الآسيوية.

وبيّن أن هذا التراجع في الإنتاج الخليجي سمح بانتعاش نسبي في أرباح المصافي الآسيوية بعد فترة من الضغوط، إذ استفادت من تقلص الإمدادات الخليجية واستعادت جزءًا من هوامشها المفقودة، بعيدًا عن تأثير العقوبات أو القرارات السياسية.

وأكد أن ما يجري لا علاقة له بحظر الشركات الروسية لوك أويل وروسنفط كما روّجت بعض وسائل الإعلام، موضحًا أن الانعكاسات الإيجابية المؤقتة على أرباح المصافي الآسيوية ترتبط فقط بانخفاض الإمدادات الخليجية نتيجة الصيانة الدورية.

شعار شركة لوك أويل الروسية في أحد مشروعاتها
شعار شركة لوك أويل الروسية في أحد مشروعاتها - الصورة من موقعها الإلكتروني

وأشار إلى أن الإعلام الغربي تجاهل هذه العوامل الأساسية، مركّزًا على الجوانب السياسية للعقوبات، في حين أن التغير الحقيقي في الأرباح الآسيوية مرده إلى ديناميات السوق نفسها، لا إلى الحظر الأميركي على الشركات الروسية.

وأضاف أنس الحجي أن أداء أرباح المصافي الآسيوية يُظهر بوضوح حساسية الأسواق تجاه الفروق الطفيفة في الإنتاج، فكلما انخفض المعروض الخليجي انتعشت المصافي في آسيا، والعكس بالعكس عند زيادة الإنتاج في المنطقة.

وأكد أن هذه الدورات الموسمية تُعيد التوازن مؤقتًا، لكنها لا تغيّر الاتجاه العام، لأن المنافسة من المصافي الخليجية ستظل عامل الضغط الأساسي على أرباح المصافي الآسيوية خلال السنوات المقبلة.

وشدد على أن العوامل الاقتصادية الواقعية، لا القرارات السياسية، هي التي تحدد اتجاهات السوق، وأن ارتفاع أو انخفاض أرباح المصافي الآسيوية يعكس مزيجًا من الإنتاج الإقليمي، والطلب العالمي، وتكاليف الخام المتوسط الحامض.

ارتباط أسعار النفط بتطورات الإنتاج والمخزون

أوضح أنس الحجي أن تراجع أسعار النفط في الأيام الأخيرة لا يرتبط مباشرة بأرباح المصافي الآسيوية، بل بعوامل أخرى في المعروض العالمي، من أبرزها عودة الإنتاج القازاخستاني بعد توقف مؤقت بسبب هجمات أوكرانية على منشأة روسية لمعالجة الغاز.

وبيّن أن هذا الحادث أدى إلى انخفاض مؤقت في إنتاج قازاخستان بنحو نصف مليون برميل يوميًا، ما تسبّب في ارتفاع الأسعار حينها، قبل أن تعود إلى التراجع مع استئناف الضخ وعودة نحو 300 ألف برميل يوميًا إلى الأسواق الدولية.

وأشار إلى أن الأسواق كانت قد شهدت ارتفاعًا في نهاية الأسبوع الماضي نتيجة تراجع المخزونات الأميركية، لكن الأسعار انخفضت لاحقًا مع توقعات بزيادة المخزون مجددًا، وهو ما أثّر سلبًا في المزاج العام للمستثمرين في قطاع النفط.

إنتاج النفط الأميركي في المياه العميقة

وأكد أنس الحجي أن بعض وسائل الإعلام بالغت في تفسير أسباب ارتفاع الأسعار الأخيرة، منسوبة ذلك إلى قرارات ترمب بفرض الحظر على الشركات الروسية، في حين كانت العوامل الحقيقية مرتبطة بالإمدادات والمخزون وليس بالعقوبات.

وأضاف أن جزءًا كبيرًا من الزيادة في إنتاج النفط الأميركي التي يُقال إنها ضغطت على الأسعار هو في الواقع من المكثفات الغازية، لا من النفط الخام بالمعنى التقليدي، وهو ما يجعل أثرها في السوق محدودًا.

وقال إن الولايات المتحدة استمرت في ملء مخزونها الإستراتيجي منذ بداية العام؛ إذ تجاوزت الكميات المخزنة الزيادة في الإنتاج المحلي، ما يعني أن الارتفاع في الإنتاج لم يُترجم فعليًا إلى زيادة في المعروض بالسوق العالمية.

وختم الحجي تصريحاته بتأكيد أن قراءة التطورات الأخيرة في أسعار النفط تتطلّب فصل العوامل الموسمية والإنتاجية عن الضجيج السياسي والإعلامي، موضحًا أن أرباح المصافي الآسيوية وأسعار النفط العالمية تتأثران بالوقائع التشغيلية لا بالشعارات الدعائية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق