ما هو النفط على الماء.. وهل تخفض مخزوناته الأسعار؟ أنس الحجي يجيب
أحمد بدر

شهدت الأسواق العالمية خلال الأسابيع الأخيرة جدلًا واسعًا حول ما يُعرف باسم النفط على الماء، وسط توقعات متزايدة بانخفاض الأسعار نتيجة ارتفاع كميات النفط المخزنة في السفن المبحرة حول العالم، إذ تركّزت هذه التقديرات في معظمها على قراءات غير دقيقة لحركة الناقلات والمخزونات العائمة.
وفي هذا السياق، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الحديث عن النفط فوق الماء يتعلق بالنفط الموجود في السفن خلال انتقالها من ميناء إلى آخر، والارتفاع الكبير في هذه الكميات أثار تكهنات بوجود فائض ضخم قد يؤدي إلى تراجع الأسعار.
وأوضح الحجي أن وسائل الإعلام الكبرى، ومعها وكالات الطاقة والمحللون في المؤسسات المصرفية الدولية، اتجهوا جميعًا إلى تفسير زيادة النفط على الماء بوصفها مؤشرًا على فائض في المعروض، غير أن الصورة الفعلية أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير.
وأشار إلى أن الأرقام الحالية مضخّمة لأسباب فنية وجيوسياسية متشابكة، أبرزها العقوبات المفروضة على روسيا وإيران، إضافة إلى التحولات في مسارات السفن، ما يجعل تفسير ارتفاع النفط على الماء بوصفه دليلًا على وفرة المعروض أمرًا غير دقيق.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، بعنوان: "النفط بين ترمب وبوتين ومودي وجين بينغ".
العقوبات الغربية وتضخم أرقام النفط على الماء
أكد أنس الحجي أن فرض العقوبات الأميركية والأوروبية الأخيرة على النفط الروسي والإيراني أسهم مباشرة في تضخيم أرقام النفط على الماء، لأن السفن المتجهة إلى مصافٍ محظورة تُجبر على التوقف في عرض البحر حتى تتلقى تعليمات جديدة.
وأوضح أنّ توقُّف عدد كبير من السفن في البحر الأحمر أو المحيطات لأيام أو أسابيع يرفع كميات النفط على الماء مؤقتًا، من دون أن يعني ذلك زيادة في الإنتاج أو فائضًا فعليًا في الأسواق العالمية.
وبيّن أن الأمر تكرّر مع العقوبات المفروضة على أحد المواني الصينية، إذ اضطرت بكين لتحويل وجهة عشرات السفن إلى موانٍ أخرى، ما أدى إلى تأخير عمليات التفريغ وزيادة زمن الرحلات، ومن ثم تضخُّم حجم النفط على الماء.

وأضاف أنس الحجي أن القيود المفروضة على عدد كبير من السفن زادت من تكاليف الشحن، ودَفعت الشركات إلى استئجار ناقلات ضخمة لمسافات طويلة لتقليل التكلفة لكل برميل، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع مؤقت في الكميات.
وأشار إلى أن هذه الظواهر التشغيلية تُحدث ضبابية في البيانات، فتبدو وكأن السوق تعاني فائضًا كبيرًا، بينما الواقع أن معظم الزيادة في النفط على الماء ناتج عن عوامل لوجستية لا علاقة لها بالإنتاج.
كما شدد على أن جزءًا كبيرًا من هذه الكميات في طريقه إلى وجهات محددة لإعادة تعبئة المخزونات الفارغة في أوروبا ومصر، وليس لإغراق السوق بالنفط الرخيص، كما يُروّج بعضهم.
مصر وسيدي كرير في قلب حركة النفط على الماء
أشار أنس الحجي إلى أن من بين العوامل التي أسهمت في تضخيم أرقام النفط على الماء، عمليات إعادة توجيه الشحنات القادمة من السعودية عبر ميناء العين السخنة إلى سيدي كرير على البحر الأبيض المتوسط.
وأوضح أن المخزون في ميناء سيدي كرير كان في شهر أغسطس/آب الماضي 2025 قريبًا من أدنى مستوياته تاريخيًا، ما جعل الكميات السعودية الإضافية البالغة نحو 850 ألف برميل يوميًا تتجه إلى هناك لإعادة ملء الخزانات.
وبيّن أن هذه الشحنات لم تكن مخصصة للاستهلاك المحلي في مصر، بل لإعادة تصديرها إلى أوروبا، ما يعني أن زيادة النفط على الماء كانت نتيجة لعمليات تخزين مؤقتة ضمن دورة الإمدادات الطبيعية.

وأكد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة أن انخفاض المخزونات الأوروبية وتراجع مستويات التخزين في مصر أسهما في زيادة حركة السفن، ومن ثم في تضخُّم مؤقت لبيانات النفط على الماء.
ولفت إلى أن هذا النشاط جزء من عملية إعادة التوازن في السوق، وليس دليلًا على فائض في المعروض، مشددًا على أن الأسواق تعيد ملء مخزوناتها بعد مدة من السحب المكثف خلال الأشهر الماضية.
وأضاف الدكتور أنس الحجي أن هذه الصورة الميدانية تكشف أن الحديث عن فائض عالمي بسبب النفط على الماء لا يستند إلى حقائق كمية بقدر ما يعكس قراءة سطحية لبيانات ناقصة أو مجتزأة.
إيران والبرازيل.. الوجه الآخر للزيادة
كشف أنس الحجي أن جزءًا كبيرًا من الجدل حول النفط على الماء مرتبط بتغير في سلوك السفن الإيرانية، إذ شغّلت فجأة أجهزة التتبُّع التي كانت متوقفة لسنوات بسبب العقوبات، ما جعل وكالات مثل بلومبرغ ورويترز ترى زيادة غير حقيقية في صادرات إيران.
وأوضح أن إنتاج إيران لم يتغيّر فعليًا، لكن تشغيل أجهزة التتبع كشف وجود سفن كانت مبحرة منذ مدة، فبدت الزيادة على الشاشات وكأنها تدفّق جديد من النفط على الماء، بينما هي كميات كانت موجودة أصلًا.
وأشار إلى أن هذه القراءة الخاطئة أدت إلى تضخيم الأرقام لدى وكالات الطاقة الدولية والمحللين في المؤسسات المالية الكبرى مثل "غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان"، الذين بنوا توقعاتهم على بيانات جزئية.

وبيّن أنس الحجي أن الحالة البرازيلية تعكس تناقضًا آخر، إذ انخفضت صادرات البرازيل إلى معظم الأسواق، لكنها زادت بشكل كبير إلى الصين، ما جعل المعروض العالمي أقل، رغم ارتفاع النفط على الماء.
وأكد أن هذا التناقض يُظهر أن ارتفاع النفط على الماء لا يعني بالضرورة وفرة في الإمدادات، بل قد يحدث في الوقت نفسه الذي تتراجع فيه الصادرات الفعلية إلى بعض المناطق.
وأضاف خبير اقتصادات الطاقة أنّ تداخُل هذه العوامل الجيوسياسية واللوجستية يجعل من الصعب الاعتماد على مؤشرات النفط على الماء وحدها في توقُّع اتجاهات الأسعار.
وختم تصريحاته بتأكيد أن قراءة الظواهر في أسواق النفط تحتاج إلى تحليل شامل للعقوبات والتحركات اللوجستية، وليس إلى الاعتماد على مؤشرات النفط على الماء، التي قد تعكس واقعًا مغايرًا تمامًا.
موضوعات متعلقة..
- سوق ناقلات النفط العملاقة لمنطقة غرب السويس تسجل نشاطًا ملحوظًا
- بيع وشراء ناقلات النفط.. 3 عوامل تحدد حجم الإيرادات طويلة الأجل (تقرير)
- صفقات نادرة لـ"تخريد" ناقلات النفط والتخارج من أسطول الظل
اقرأ أيضًا..
- وظائف الطاقة النظيفة في إسكتلندا لا تواكب تراجع قطاع بحر الشمال (تقرير)
- ارتفاع انبعاثات الميثان من النفط والغاز عالميًا.. والعراق يسجل زيادة 50%
- أسعار الكهرباء والوقود في الجزائر ترهق خزينة الدولة.. 4 خبراء يطرحون حلولًا
المصدر:





