
أحيت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الذكرى الرابعة والستين لتصدير أول شحنة نفط ليبية، في احتفال شهدَه مقرّ شركة سرت للنفط والغاز بمدينة البريقة، بحضور قيادات القطاع وشخصيات بارزة من الشركات الوطنية والأجنبية العاملة في البلاد.
وبحسب قاعدة بيانات قطاع النفط الليبي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن الشحنة الأولى -التي انطلقت قبل 64 عامًا من ميناء البريقة- وصلت إلى ميناء جنوة في إيطاليا عام 1961، بخطوة دشّنت رسميًا انضمام ليبيا إلى نادي الدول النفطية.
ووصف رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، المهندس مسعود سليمان، ذكرى تصدير أول شحنة نفط ليبية بأنها محطة مفصلية في تاريخ البلاد، لأنها فتحت باب النهضة الاقتصادية، ورسّخت استقلال القرار الوطني في إدارة الثروات الطبيعية.
وأشار إلى أن هذه المناسبة التاريخية تجسّد التزام ليبيا الدائم بتطوير قطاع الطاقة، مشيدًا بالعاملين الذين حافظوا على استمرار الإنتاج رغم الصعوبات، مؤكدًا أن دروس أول شحنة نفط ليبية ما زالت تُلهم الأجيال الجديدة حتى اليوم.
أول الحكاية.. من البريقة إلى جنوة
تعود قصة أول شحنة نفط ليبية إلى عام 1961، حينما تمكّنت المؤسسة الوطنية للنفط، بالتعاون مع شركائها، من تصدير النفط الخام من ميناء البريقة إلى ميناء جنوة في إيطاليا، وهو حدث غيّرَ وجه ليبيا الاقتصادي.
ففي 25 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1961 دشّن الملك الصالح إدريس السنوسي أول شحنة نفط ليبية، جاءت في توقيت صعب اقتصاديًا بالنسبة للدولة، إلّا أنه كان محفزًا بقوة على تجاوز العقبات والانضمام إلى الدول المنتجة والمصدّرة للنفط.
فالشحنة الأولى، كانت الطريق لانضمام ليبيا إلى منظمة أوبك، وهي الخطوة التي حدثت بعد عامين من تأسيس المنظمة، وتحديدًا في عام 1962، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

يشار إلى أن تاريخ حفر أول بئر نفطية في ليبيا -التي تشتهر بأنها صاحبة أفضل أنواع النفط في العالم- يعود إلى عام 1959، أي قبل عامين من بدء التصدير، إلّا أن العام 1961 شهد انطلاق نحو 7 ملايين برميل إلى العالم.
وشكّلت هذه الخطوة نقطة التحول الكبرى في مسار الدولة النفطية، إذ وضعت ليبيا على خريطة الدول المنتجة للطاقة، وأثبتت قدرتها على إدارة عمليات الاستكشاف والتصدير بكفاءة عالية رغم محدودية الخبرات آنذاك.
وكانت شحنة البريقة الأولى بمثابة إعلان ولادة الصناعة النفطية الليبية الحديثة، إذ استغرقت الاستعدادات لعملية التصدير أشهرًا عديدة، وشملت إنشاء مرافق للتخزين والتحميل، وتدريب كوادر محلية على تشغيل المعدّات الحديثة.
وتعدّ ذكرى تصدير أول شحنة نفط ليبية رمزًا للعطاء والإصرار، لا سيما أنها كانت الشرارة الأولى، التي شجعت ليبيا على أن تمتلك اليوم المقومات الكاملة لاستعادة مكانتها في سوق النفط العالمية، بفضل جهود كوادرها الوطنية وشركائها الدوليين.
آفاق المستقبل النفطي في ليبيا
خلال الحفل الذي نظّمته المؤسسة الوطنية للنفط، أشاد رئيسها المهندس مسعود سليمان بالجهود التاريخية التي رافقت تصدير أول شحنة نفط ليبية، مؤكدًا أن هذا الحدث لم يكن مجرد عملية تجارية، بل بداية مسيرة وطنية ملهمة.
ودعا سليمان إلى الاستفادة من التجارب السابقة في دعم الشفافية واستقلال المؤسسة، مشيرًا إلى أن روح البدايات ما تزال حاضرة بمشروعات التطوير الجارية في شركة سرت ومختلف الحقول النفطية.
وشهد الاحتفال إطلاق عدد من المشروعات الجديدة، مثل تحديث منظومة التحكم في مصفاة مرسى البريقة، وإنشاء مرافق خدمية وإدارية جديدة، في دلالة على استمرار المؤسسة بنهج التطوير والبناء رغم التحديات.
والآن، أصبح من الواضح أن روح أول شحنة نفط ليبية ما تزال حاضرة في نهضة قطاع الطاقة اليوم، إذ يُتوقع أن يشهد النفط الليبي طفرة إنتاجية تقودها شركات عالمية مثل شركة النفط البريطانية بي بي، وشل، وإكسون موبيل، خلال العامين المقبلين.

وبحسب البيانات لدى منصة الطاقة المتخصصة، فإن احتياطيات ليبيا المؤكدة التي تتجاوز 40 مليار برميل تجعلها واحدة من أغنى دول أفريقيا بالنفط، وهي احتياطيات ما كانت لتُدار بحرفية إلّا بعد انطلاق أول شحنة نفط ليبية.
في يوليو/تموز 2025، وقّعت شركة النفط البريطانية بي بي مذكرة تفاهم مع المؤسسة الوطنية للنفط لإعادة تطوير حقلي السرير ومسلة، ضمن خطط تستهدف رفع الإنتاج إلى مستويات قياسية تشبه بدايات الطفرة التي أعقبت أول شحنة نفط ليبية.
وخلال الشهر نفسه، أعلنت شركة شل العالمية عودتها الرسمية إلى ليبيا بعد أكثر من عقد، لتباشر دراسات جدوى فنّية لحقل العطشان وعدد من الأصول المعقّدة تقنيًا، في خطوة تعدّ امتدادًا طبيعيًا لرحلة التطوير التي بدأت منذ أول شحنة نفط ليبية.
أمّا شركة إكسون موبيل الأميركية، فقد وقّعت في أغسطس/آب 2025 مذكرة تفاهم لإجراء دراسات بحرية شاملة، في إطار مساعيها للعودة إلى البلاد، وهو ما يعكس تجدد الثقة العالمية في إمكانات ليبيا النفطية.
وبحسب الأرقام الرسمية، تنتج ليبيا في الوقت الحالي نحو 1.38 مليون برميل يوميًا، وتطمح للوصول إلى مليوني برميل يوميًا خلال السنوات المقبلة، ما يعزز موقعها بين كبار المنتجين العالميين.
ومع كل خطوة تخطوها مؤسسة النفط الليبية على طريق تطوير الإنتاج، وتعزيز موقع ليبيا الجغرافي -لا سيما مع قربها من أوروبا- تسنح فرصة فريدة للعودة إلى الواجهة الدولية، وتكرار النجاح الذي بدأ قبل أكثر من 6 عقود مع تصدير أول شحنة نفط ليبية.
موضوعات متعلقة..
- حقل بحر السلام في ليبيا يشهد تركيب ضواغط عملاقة لزيادة الإنتاج
- ليبيا تقترب من تطوير مربع نفط وغاز ضخم.. صفقة مع 4 شركات دولية
- إيرادات مبيعات ليبيا من النفط والغاز ترتفع 25% في 8 أشهر
اقرأ أيضًا..
- جيسيكا عبيد: فرص لتخزين الكهرباء في السعودية والإمارات.. ومشروع المغرب يواجه 3 عقبات (حوار 2/2)
- ملف خاص عن أسواق الغاز المسال العربية والعالمية
- حقول النفط والغاز في الدول العربية.. احتياطيات ضخمة





