تخزين الطاقة بمواد مستخلصة من المخلفات البلاستيكية.. تقنية مصرية واعدة
داليا الهمشري

تشهد تقنيات تخزين الطاقة تطورًا كبيرًا في ظل التحول العالمي نحو التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة؛ إذ أصبحت تمثّل محورًا رئيسًا لضمان استقرار منظومات الكهرباء وتحسين كفاءتها.
فمع تزايد الاعتماد على طاقتَي الشمس والرياح، تبرز الحاجة إلى حلول قادرة على تخزين الفائض من الإنتاج وإعادة استعماله عند انخفاض التوليد؛ ما يجعل تقنيات التخزين الحراري والكهربائي ركيزة أساسية في تحقيق أمن الطاقة واستدامتها.
وفي هذا الإطار، برزت مواد تغيير الطور (PCMs) بمثابة أحد الحلول الواعدة لتخزين الطاقة الحرارية وإطلاقها عند الحاجة إليها؛ إذ تمتاز هذه المواد بقدرتها على امتصاص الحرارة الكامنة وإطلاقها في أثناء التحول بين الحالة الصلبة والسائلة؛ ما يجعلها مثالية لتطبيقات الطاقة الشمسية، والأبنية الذكية، وإدارة الحرارة في الأجهزة الإلكترونية.
لكن رغم هذه المزايا، يظل ضعف التوصيل الحراري للبارافين -وهو من أكثر مواد تغيير الطور استعمالًا- عقبة رئيسة تحد من سرعة امتصاص الحرارة وإطلاقها، وبالتالي تقلّل من كفاءة نظم التخزين الحراري.
مواد نانوية فاعلة
أوضحت المدرسة بكلية الهندسة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الدكتورة مي شتا، أن فريقها البحثي اتجه إلى تحسين خصائص البارافين الحرارية بطريقة مبتكرة ومستدامة، من خلال إدخال النانوجرافين المستخلص من المخلفات البلاستيكية إلى تركيبه.
وأشارت الدكتورة مي -خلال تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- إلى أن النانوجرافين المستخلص من المخلفات البلاستيكية -مثل زجاجات الـPET (وهي زجاجات المياه والعصائر المصنوعة من بولي إيثيلين تيرفثالات)- يُعد أحد البدائل الواعدة لتحسين التوصيل الحراري للبارافين متبوعًا بالطحن الكروي الدقيق، وصولًا إلى نقاوة تبلغ نحو 98%.
ولا تقتصر هذه العملية على إنتاج مادة نانوية عالية الكفاءة في نقل الحرارة، بل تُسهم -أيضًا- في إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية وتحويلها إلى منتج ذي قيمة مضافة داخل منظومة الاقتصاد الدائري.
ولزيادة فاعلية النظام، جرى إدخال مواد الإطار الفلزي العضوي (MOFs) المحملة بعناصر مثل الألومنيوم والزنك ضمن المزيج النانوي.
وتتميز هذه المواد ببنيتها المسامية ومساحتها السطحية العالية، ما يتيح امتصاص الجرافين وتوزيعه بصورة متجانسة داخل مصفوفة البارافين، ويمنع تكتل الجسيمات في أثناء عمليات الانصهار والتصلب المتكررة، ما يعزّز الاستقرار البنيوي والحراري للمنظومة.
تقييم العينات
أبرزت الباحثة أن عملية التحضير جرت على عدة خطوات بدءًا بإذابة البارافين في حمام زيتي عند حرارة تتراوح بين 70 و80 درجة مئوية، ثم خلط النانوجرافين مع مواد الـMOF بنسبة 0.1–0.5% وزنًا باستعمال الموجات فوق الصوتية لمدة 30 دقيقة لضمان التجانس الكامل.
وأضافت الباحثة الخليط إلى البارافين المذاب مع التحريك المستمر ثم التبريد البطيء لتكوين مادة مركبة متجانسة.
وجرى تقييم العينات باستعمال تقنيات تحليل التوصيل الحراري (Hot Disk)، والتحليل الحراري الوزني (TGA)، وقياسات الانصهار والتبلور (DSC).
ويوضّح الإنفوغرافيك الآتي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- نهجًا مستدامًا لمواد تغيير الطور المدعّمة بالمواد النانوية:

نتائج واعدة
أظهرت النتائج أن إضافة 0.5% فقط من النانوجرافين النقي المحضر من المخلفات البلاستيكية أدت إلى تحسين التوصيل الحراري بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بالبارافين النقي.
كما ساعد إدخال مواد الـMOF المحملة بالألومنيوم والزنك في رفع الثبات الحراري بنسبة 45%، وتقليل الفقد الحراري في أثناء الدورات المتكررة.
وأوضحت الباحثة -في تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن وجود النانوجرافين ساعد في تحسين امتصاص الحرارة وتوزيعها داخل المادة؛ ما أدى إلى تسريع عملية الشحن والتفريغ الحراري للنظام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استعمال نفايات البلاستيك في إنتاج مواد نانوية فاعلة يُسهم في خفض البصمة الكربونية، ويعزّز توجه الاقتصاد الأخضر في تطبيقات تخزين الطاقة.
رفع كفاءة تخزين الطاقة
أكدت المدرسة بكلية الهندسة أن هذا البحث يمثّل خطوة مهمة نحو تطوير مواد تخزين الطاقة الحرارية بكفاءة عالية من خلال الدمج بين النانوجرافين المستخلص من المخلفات ومواد الإطار الفلزي العضوي.
وأضافت أن النتائج لا تُحسّن الأداء الحراري في تخزين الطاقة فحسب، بل تفتح -أيضًا- آفاقًا جديدة لاستعمال المخلفات بمثابة موارد ذات قيمة مضافة، بما يدعم مفهوم الاستدامة والاقتصاد الدائري.
وتوقعت الدكتورة مي شتا أن تُسهم هذه المواد المركبة في رفع كفاءة نظم تخزين الطاقة الشمسية وأنظمة إدارة الحرارة في الأبنية الذكية والمعدات الإلكترونية.

واختتمت الباحثة حديثها بتأكيد أهمية مواصلة البحث في تحسين نسب الإضافة وطرق التشتت، ودراسة الأداء طويل المدى للمواد تحت ظروف تشغيل واقعية، بما يضمن الوصول إلى حلول عملية ومستدامة لمستقبل الطاقة الحرارية النظيفة.
موضوعات متعلقة..
- تخزين الطاقة الحرارية تحت الأرض يوفّر التدفئة في المناطق شديدة البرودة (تقرير)
- تحذيرات من عودة تكاليف الطاقة الشمسية وأنظمة تخزين الكهرباء للارتفاع حتى 2026
- من المركبة إلى الشبكة.. تقنية تستعمل بطاريات السيارات الكهربائية لتخزين الطاقة
اقرأ أيضًا..
- 3 محركات لتحفيز الطلب على الهيدروجين.. وفرص التعاون بين دول الشرق الأوسط (حوار)
- أكبر الدول المصدرة للغاز المسال في أفريقيا خلال الربع الثالث من 2025
- قطاع الكهرباء وتحولاته في 8 دول عربية.. بلدان ناجحة وأخرى في خطر (حوار 1/2)
- عملاق الغاز العراقي حقل خور مور.. 8.2 تريليون قدم مكعبة في كردستان





