النفط الروسي إلى الهند يواصل التدفق.. ماذا حدث للضغوط الأميركية لإيقافه؟ (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

- ترمب ادّعى أنه حصل شخصيًا على التزام مودي بوقف مشتريات النفط الروسي
- واردات الهند من النفط تعتمد على مصافي تكرير خاصة تعمل بمنأى عن توجيهات الحكومة
- الهند وفّرت 12.6 مليار دولار طوال السنوات الـ3 الماضية بفضل الخام الروسي مخفض السعر
- التوقف التام لواردات النفط الروسي سيزيد فاتورة الواردات السنوية للهند بمقدار 4 - 6.5 مليار دولار
يستمر النفط الروسي في التدفق إلى الهند رغم الضغوط الأميركية لإيقافه بإجراءات متعددة أهمها فرض رسوم جمركية.
ويُشير ذلك إلى صدع كبير في منظومة الطاقة والتجارة العالمية المتغيرة؛ إذ أكد نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، في 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن "كل شيء مستمر"، في إشارة إلى إمدادات النفط من روسيا إلى الهند.
وجاء تصريحه -الذي أدلى به عبر وكالة تاس الروسية- مُناقضًا مباشرة لمزاعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قد وعد بوقف شراء الطاقة الروسية.
ويُبرز هذا الجدل كيف أصبحت تجارة الطاقة بين موسكو ونيودلهي نقطة ضغط جيوسياسية في النزاع الأوسع بين الولايات المتحدة ومحور "الدب والتنين" (القوة الناعمة) المكوّن من روسيا والصين.
إستراتيجية الهند المتوازنة
تتسم إستراتيجية الهند المتوازنة بحزم متزايد وتتصف بالواقعية، وحساسية الأسعار، والاستقلالية الإستراتيجية بدلًا من الانحياز إلى أي تكتل قوى واحد.
وتشير تقارير حديثة إلى أن العلاقات التجارية بين الهند والولايات المتحدة قد تكون على أعتاب إعادة ضبط شاملة.
ووفقًا لمصادر متعددة، تستعد الولايات المتحدة لخفض الرسوم الجمركية على السلع الهندية من نحو 50% إلى نحو 15-16% بموجب اتفاق مقترح يُتوقع إعلانه في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) المقبلة.
في المقابل، من المتوقع أن تلتزم الهند بزيادة وارداتها من الطاقة الأميركية، بما في ذلك النفط والغاز المسال والمنتجات ذات الصلة، ما يُساعد على تخفيف اعتمادها على الإمدادات الروسية.
ويشمل الاتفاق الزراعة؛ إذ تفتح الهند سوقها أمام مزيد من الذرة وعلف الصويا الأميركي غير المعدل وراثيًا، وتضع الحكومتان آليات منتظمة لمراجعة مستويات الرسوم الجمركية والوصول إلى الأسواق.

التزام مودي بوقف مشتريات النفط الروسي
بدأت المناورة بتصريحات الرئيس ترمب على متن طائرة الرئاسة في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عندما ادّعى أنه حصل شخصيًا على التزام مودي بوقف مشتريات النفط الروسي.
وصرّح ترمب للصحفيين: "تحدثتُ إلى رئيس الوزراء الهندي مودي، وقال إنه لن يتدخل في شؤون النفط الروسي"، مضيفًا أن عدم الامتثال سيؤدي إلى "رسوم جمركية ضخمة".
في اليوم التالي، أعلن البيت الأبيض أن الهند خفّضت وارداتها من النفط الروسي بنسبة 50% بعد "مناقشات مثمرة" مع واشنطن.
من ناحيتها، نفت وزارة الخارجية الهندية ذلك بشدة بعد ساعات، مؤكدةً أنه لم تُجرَ أي مكالمة هاتفية من هذا القبيل، وأن الحكومة "ستواصل حماية مصالح المستهلكين الهنود من خلال ضمان استقرار الأسعار وإمدادات موثوقة".
وردّ ترمب بمضاعفة جهوده، وقال للصحفيين: "إذا أرادوا قول ذلك، فإنهم سيستمرون في دفع رسوم جمركية ضخمة، وهم لا يريدون فعل ذلك"، واصفًا القضية بأنها اختبار لولاء الهند في مواجهته الاقتصادية الأوسع مع موسكو وبكين.
في أغسطس/آب الماضي، فرض ترمب رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على الصادرات الهندية، ليصل إجمالي الرسوم إلى 50%، ويُعدّ جزءًا من سياسته "إعادة التوازن التجاري المتبادل".
وبرر هذه الخطوة بزعم أن الهند "تستورد النفط من روسيا بصورة مباشرة أو غير مباشرة".
وأثرت الرسوم الجمركية بشدة في صادرات الأدوية والمنسوجات والسيارات الهندية، وهي قطاعات تمثّل حصة كبيرة من صادرات الهند السنوية البالغة 87 مليار دولار إلى الولايات المتحدة.
ووفقًا لوكالة بلومبرغ، فإن التأثير التراكمي لإجراءات ترمب قد يخفّض الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة بنسبة 52%، ويخفّض الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة 0.8% على المدى المتوسط.
وفي الوقت نفسه، كانت التداعيات السياسية في نيودلهي طفيفة؛ إذ أكد المسؤولون العمق الهيكلي لاعتماد الهند على الطاقة والحاجة إلى الواردات بأسعار معقولة لدعم النمو المحلي.
حسابات الطاقة الهندية: الخصومات والطلب والاعتماد
تستورد الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، أكثر من 85% من وارداتها النفطية من الخارج. ومنذ عام 2022، أصبحت موسكو المورد الرئيس لها؛ إذ تُمثل ما يقرب من 35 إلى 40% من إجمالي وارداتها، لتحل محل شركاء تقليديين في الشرق الأوسط مثل العراق والمملكة العربية السعودية.
ووفقًا لشركة تحليلات الطاقة "كبلر"، تسارعت تدفقات النفط الروسي مجددًا في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2025، مُعاكسة بذلك انخفاضًا قصير الأمد في الصيف ناجمًا عن إعلانات ترمب بشأن الرسوم الجمركية.
وفي السنة المالية المنتهية في مارس/آذار 2025، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الهند وروسيا رقمًا قياسيًا بلغ 68.7 مليار دولار، مرتفعًا من 13 مليار دولار فقط قبل حرب أوكرانيا.
من هذا المبلغ، بلغت الصادرات الروسية 63.8 مليار دولار -معظمها من النفط والفحم والأسمدة والمعدات الدفاعية- في حين بلغت الصادرات الهندية إلى روسيا 4.9 مليار دولار.
وأوضح محلل الطاقة لدى معهد الطاقة والمالية، أليكسي بيلوغورييف، أن "واردات الهند من النفط تعتمد بصفة أساسية على مصافي تكرير خاصة تعمل بمنأى عن توجيهات الحكومة، ولا تملك الدولة أي آلية قانونية أو مالية لإجبارها على التوقف عن شراء النفط الروسي".

وتُعدّ الحسابات المالية واضحة: تشتري مصافي التكرير الهندية، مثل ريلاينس إندستريز ونايارا إنرجي (المملوكة جزئيًا لشركة روسنفط الروسية (Rosneft)، خامَي أورال وسوكول بخصومات تتراوح بين 5 و10 دولارات للبرميل مقارنة بخام برنت.
وتُكرّر هذه البراميل مخفضة السعر محليًا، ويُعاد تصديرها بوصفها منتجات بترولية -خصوصًا الديزل- إلى أوروبا، التي حظرت الواردات الروسية المباشرة في عام 2023.
ووفقًا لصحيفة "إنديان إكسبريس"، وفّرت الهند 12.6 مليار دولار على مدى السنوات الـ3 الماضية بفضل الخام الروسي مخفض السعر، ما سمح لها باستقرار أسعار الوقود المحلية مع الاستفادة من صادرات النفط المكرر.
وتُقدّر شركة "ستاندرد تشارترد بي إل سي" أن التوقف التام لواردات النفط الروسي سيزيد فاتورة الواردات السنوية للهند بمقدار 4 - 6.5 مليار دولار، في حين قد ترتفع أسعار الوقود المحلية بنسبة 15-20%.
بالنسبة إلى دولة يبلغ عدد مستهلكيها 1.4 مليار نسمة، وجمهورها الناخب شديد الحساسية للتضخم، فإن هذا السيناريو غير مقبول سياسيًا.
المحور الإستراتيجي لموسكو: النفط من أجل النفوذ
تمثّل الهند بالنسبة إلى موسكو شريان حياة اقتصاديًا وأداة تحوط جيوسياسية. ومن المتوقع أن يصل إنتاج النفط الروسي إلى 510 ملايين طن في عام 2025، وفقًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتستهلك الهند نحو 89 مليون طن سنويًا.
ولا تزال إيرادات صادرات النفط بالغة الأهمية لاقتصاد الحرب الروسي؛ إذ أفادت وزارة المالية بتحقيق 5.73 تريليون روبل من إيرادات ضرائب استخراج المعادن للفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2025.
وحذّر بوتين، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن الهند ستتكبد خسائر تتراوح بين 9 و10 مليارات دولار إذا تخلت عن الطاقة الروسية، وهو تصريح يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه ذريعة اقتصادية وإشارة سياسية.
بدوره، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن "موسكو تسترشد بالتصريحات الرسمية لنيودلهي"، رافضًا ضمنيًا مزاعم ترمب بوصفها مسرحية سياسية.
وينظر الكرملين إلى رسوم ترمب الجمركية على أنها محاولة لكسر تحالف الطاقة غير الغربي الذي يدعم صموده.
وما تزال الصين أكبر شريك للطاقة لروسيا، في حين أصبحت تركيا وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية وسطاء في شبكة إعادة تصدير معقدة تُخفي أصل النفط الروسي.
وحسبما صرّح محلل الطاقة فلاديمير بوبيليف: "يمكن لتركيا شراء المنتجات البترولية الروسية، وإعادة تسميتها باسم شركة بوتاش (BOTAŞ)، وإعادة بيعها على أنها تركية".
وأضاف: "كما ينطبق الأمر نفسه على إندونيسيا والمملكة العربية السعودية. هذه الخطط قانونية تمامًا في ظل إطار العقوبات الحالي".
وعندما خفّضت الهند وارداتها لفترة وجيزة في منتصف عام 2025، اشترت الصين على الفور الكميات المتاحة، ما عزّز التناغم الاقتصادي لـ "الصيني-الروسي".
وتضمن هذه التوجهات أن الضغط الغربي على مشترٍ ما غالبًا ما يُعزز علاقات موسكو مع مشترٍ آخر، ما يخلق حلقة مفرغة ذاتية التعزيز داخل التكتل التجاري الأوراسي الناشئ.

معضلة واشنطن: بين العقوبات والإستراتيجية
من وجهة نظر واشنطن، لا تزال علاقات الطاقة بين الهند وروسيا تُقوّض نظام العقوبات المُصمّم لإضعاف اقتصاد موسكو الحربي.
ويرى المسؤولون الأميركيون أن النفط الروسي مُخفّض السعر، حتى عند تكريره وإعادة تصديره من الهند، يُحافظ فعليًا على إيرادات الكرملين ويُقوّض مصداقية العقوبات الغربية.
ورغم ذلك، فقد كشف استمرار الرئيسَيْن الأميركييْن السابق بايدن والحالي ترمب في سياسة الإكراه التجاري الأميركية عن حدود نفوذ واشنطن على نيودلهي.
وعلى الرغم من أن الهند لا تزال أكبر شريك تجاري لأميركا وثقلًا موازنًا رئيسًا للصين في منطقة المحيطَيْن الهندي والهادئ، فإن واقعيتها الاقتصادية وعدم انحيازها الإستراتيجي يُقيّدان قدرة واشنطن على فرض الامتثال.
وقد هدّدت دبلوماسية ترمب المُركّزة على الرسوم الجمركية -برفع هذه الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية إلى 50% في البداية- بعزل نيودلهي، في الوقت الذي سعت فيه الولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقات الدفاعية والتكنولوجية ضمن إطار التعاون الرباعي إلى جانب اليابان وأستراليا.
ونتيجة لتراجعٍ كبيرٍ في السياسات، أفادت التقارير بأن واشنطن ونيودلهي تتجهان نحو اتفاقيةٍ لخفض الرسوم الجمركية من شأنها خفض الرسوم الجمركية على السلع الهندية إلى 15-16%، مقابل التزام الهند بتوسيع وارداتها من منتجات الطاقة الأميركية مثل النفط والغاز المسال والوقود المكرر.
وتتضمّن الاتفاقية المرتقبة، المتوقع إعلانها خلال قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، أحكامًا لتعزيز التجارة الزراعية وآلية مراجعة ثنائية لضمان استقرار الوصول إلى الأسواق.
بالنسبة إلى الهند، يمثّل هذا الترتيب إعادة تقييم عملية بدلًا من الابتعاد عن روسيا.
ومن خلال تنويع موردي الطاقة، تهدف نيودلهي إلى التحوط من تقلبات الرسوم الجمركية المستقبلية، مع إظهار حسن النية تجاه واشنطن دون المساس بتدفقاتها الروسية المخفضة.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فتعكس هذه المبادرة تحولًا من الرسوم العقابية إلى المشاركة المحفزة، وهو اعترافٌ بأن أمن الطاقة في الهند لا يمكن إملاؤه، بل التفاوض عليه فقط.
من ناحية ثانية، لا تزال هناك قيود هيكلية؛ فأنظمة التكرير الهندية لا تزال مُهيّأة لاستيعاب الأصناف الروسية والشرق أوسطية. كما أن البنية التحتية للموانئ لا تزال غير كافية لشحنات الغاز المسال الأميركي واسعة النطاق.
ونتيجةً لذلك، ستُكمّل الهيدروكربونات الأميركية النفط الروسي في مزيج الطاقة الهندي، ولن تحل محله، على الأقل في المستقبل المنظور.
المسار الموازي لأوروبا: التخلي الإستراتيجي عن الطاقة الروسية
اتخذ الاتحاد الأوروبي مسارًا مختلفًا جذريًا؛ ففي 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على حظر تدريجي لجميع واردات الغاز الروسي بحلول عام 2028، ووقف فوري لعقود النفط الجديدة عبر خطوط الأنابيب.
وتهدف بروكسل إلى حظر شحنات الغاز المسال الروسي عبر البحر، ووصف مفوض الطاقة الأوروبي دان يورغنسن، الاتفاق بأنه "قرار تاريخي"، مؤكدًا أنه "حتى بعد تحقيق السلام، يجب ألا نستورد ولو ذرة واحدة من الطاقة الروسية".
رغم ذلك، لا تزال هناك ثغرات، إذ يستمر الغاز الروسي في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب "ترك ستريم"، حيث يتدفق عبر تركيا واليونان وبلغاريا إلى صربيا والمجر وسلوفاكيا.
ويشير المحللون إلى أنه بمجرد خلط هذا الغاز في المراكز التركية، يصبح "منشأه غامضًا"، ما يسمح باستمرار الواردات تحت غطاء قانوني مختلف.
ومنعت المجر وسلوفاكيا -اللتان تعتمدان بصورة كبيرة على الغاز الروسي- في البداية فرض عقوبات جديدة، قبل أن تعرض بروكسل تعويضًا، الذي تم إلغاؤه لاحقًا.
ويؤكد التوتر السياسي الناتج عن ذلك داخل الاتحاد الأوروبي هشاشة وحدة تحول الطاقة في أوروبا في ظل الاعتماد المستمر والمصالح الوطنية المتباينة.
التوازن الإستراتيجي الهندي
بالنسبة إلى الهند، يُجسّد هذا النزاع جوهر عقيدة سياستها الخارجية: الاستقلال الإستراتيجي. موقف نيودلهي ليس مؤيدًا لروسيا، بل مؤيد لها بقوة، فهي تسعى إلى تنويع مصادرها من الموردين مع ضمان استقرار الطاقة وقدرتها على تحمل التكاليف.
ويعكس توسّعها المتزامن في التعاون مع كل من الولايات المتحدة (في مجال الغاز المسال والدفاع) وروسيا (في مشروعات النفط والطاقة النووية) هذه الإستراتيجية ذات المسارَيْن.
وغالبًا ما يصف صانعو السياسات الهنود موقفهم بأنه "متعدد التوجهات"، ما يجعل الهند قوةً محوريةً متوسطةً تتعامل مع الحرب الباردة الثانية بين أميركا و"الصين وروسيا".
ومن خلال رفضها الرضوخ لضغوط الرسوم الجمركية الأميركية، مع مواصلة تعميق شراكاتها المُختارة مع واشنطن، تهدف نيودلهي إلى تعظيم نفوذ كلا المعسكرَيْن.

استعمال الطاقة سلاحًا
يُظهر استمرار تدفق النفط الروسي إلى الهند واقعًا أوسع نطاقًا: أصبحت الطاقة العملةَ الأساسية للقوة في عالم ما بعد العولمة.
ويعكس استعمال ترمب للرسوم الجمركية سلاحًا، والحظر التنظيمي الأوروبي، وتلاعب روسيا بالإمدادات؛ اندماج عوامل الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية في منطق واحد قائم على المعاملات.
والنتيجة هي عالمٌ من مجالات الطاقة المُجزأة، إذ تُعاد هيكلة سلاسل التوريد وفق أسس سياسية، وتتغلّب المصالح الوطنية على كفاءة السوق.
وبالنسبة إلى بلدان الجنوب العالمي، يُوفر هذا التشرذم مخاطر وفرصًا في آنٍ واحد، ومساحة للمناورة، ولكنه يُعرضه للتقلبات.
الآفاق المستقبلية
يُمثّل تحدي الهند نقطة تحول في التوازن العالمي بين الاستقلال الإستراتيجي والإكراه الاقتصادي.
وبمواصلتها استيراد النفط الروسي رغم الرسوم الجمركية الأميركية، رفضت نيودلهي عمليًا المنطق الثنائي "معنا أو ضدنا".
ويُشير موقفها إلى صعود فئة جديدة من القوى المتوسطة المعاملاتية؛ وهي دول قادرة على استغلال المنافسة الممنهجة بين القوى العظمى لتحقيق غاياتها الخاصة.
بالنسبة إلى واشنطن، يُمثّل هذا تذكيرًا مُلِحًّا بأن الرسوم الجمركية أحادية الجانب لا يُمكنها إعادة تشكيل نظام طاقة متعدد الأقطاب.
وبالنسبة إلى موسكو، يُوفر استمرار الطلب الهندي على النفط الشرعية السياسية في ظل العزلة الغربية.
أما بالنسبة إلى بكين، فيُعزز هذا قدرة "الصين وروسيا" على ترسيخ مجال اقتصادي غير غربي من خلال شبكات تجارية بديلة.
في نهاية المطاف، لا تقتصر المواجهة بشأن النفط الروسي على البراميل والرسوم الجمركية، بل تتعلق بمن يضع قوانين النظام العالمي في القرن الـ21.
وتُسهم واقعية الهند، ومرونة روسيا، والاقتصاد القسري الأميركي، في كتابة فصل جديد في المنحى الجيوسياسي للطاقة، إذ يُصبح الحياد في حد ذاته بمثابة عمل من أعمال التحدي الإستراتيجي.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- النفط الروسي إلى الهند.. صفقة جديدة تتوّج علاقات الطاقة بين البلدين (مقال)
- النفط الروسي إلى الهند.. واردات نيودلهي تعزز مكانتها مركزًا للتكرير (مقال)
- إمدادات النفط الروسي إلى الهند.. التحولات الإستراتيجية والتداعيات الاقتصادية (مقال)
اقرأ أيضًا..
- الغاز الصخري في الجزائر يستفيد من تجربة حوض برميان.. ما القصة؟
- اكتشاف نفطي في أفريقيا يقترب من صفقة.. احتياطياته 10 مليارات برميل
- أكبر الدول المصدرة للغاز المسال في أفريقيا خلال الربع الثالث من 2025




