الفلوريت.. معدن حيوي "مُهمل" يتجاوز إنتاجه 9 ملايين طن
في عام 2024
دينا قدري

سلّط تقرير حديث الضوء على معدن أساس لتحوّل الطاقة، ولكنه غير معروف إعلاميًا، وسط تزايد الاهتمام بدور المعادن في ظل السباق العالمي لتوسيع نطاق مصادر الطاقة النظيفة.
بالمقارنة مع الليثيوم والنيكل والنحاس، يحظى الفلوريت بتغطية إعلامية محدودة نسبيًا، إلّا أنه أساس في عمليات تحول الطاقة، بوصفه مصدرًا رئيسًا للمواد الكيميائية المستعملة في مختلف التقنيات الخضراء.
على سبيل المثال، قد يتطلب إنتاج بطارية سيارة كهربائية كمية من الفلوريت تصل إلى 10 أضعاف كمية الليثيوم، في حين تُستعمل المواد الكيميائية القائمة على الفلوريت في طلاء الألواح الشمسية، ما يوفر الحماية من درجات الحرارة العالية والتآكل، بالإضافة إلى عزل دوائرها الكهربائية وتحسين كفاءتها.
وفي عام 2023، أدرج الاتحاد الأوروبي الفلوريت، المعروف تجاريًا باسم الفلورسبار، ضمن قائمته التي تضم 34 مادة خام أساسية، في حين عَدَّته الولايات المتحدة معدنًا ذا أولوية منذ عام 2022، وفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
إنتاج الفلوريت.. ودور مهم للمكسيك
في عام 2024، بلغ إنتاج الفلوريت عالميًا 9.5 مليون طن، كان إسهام المكسيك فيها 1.51 طن -وهو رقم قياسي للبلاد، ويُصدّر ما يقرب من نصف هذا الإنتاج مواد خامًا، معظمها إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، تمتلك المكسيك 3 مناجم فلوريت بارزة، تقع في ولايات سان لويس بوتوسي ودورانغو وكواهويلا الشمالية.
ويُعدّ منجم لاس كويفاس في سان لويس بوتوسي الأكبر في العالم، ويعمل منذ خمسينيات القرن الماضي، وهو مملوك لشركة فلوريتا دي مكسيكو (Fluorito de México)، وهي شركة تابعة لشركة كورا (Koura)، التابعة لشركة أوربيا أدفانس كوربوريشن (Orbia Advance Corporation).
على الرغم من أهمية الفلوريت في السوق العالمية، وتطبيقاته الواسعة التي تتجاوز مجرد التقنيات النظيفة، فقد أبرزت الدراسات افتقار المكسيك إلى سياسات في قطاع التعدين تضمن عدم إلحاق الضرر بالبيئة أو بالسكان المحيطين بها.
ويُستخرج الفلوريت من مناجم مفتوحة، ويُسحق، ويُعالَج كيميائيًا لتركيزه وتنقيته، وهي أنشطة قد تُغيّر المناظر الطبيعية وتُخلّف آثارًا بيئية جسيمة.

ترى الباحثة في مجال التنمية ومديرة منظمة إنجينيرا (Engenera) غير الحكومية المعنية بالطاقة والتعدين والبيئة، بياتريس أوليفيرا، أنه يتعين على المكسيك وضع لوائح واضحة وشاملة.
وأشارت أوليفيرا إلى الغموض حول إصلاح قانون التعدين في البلاد عام 2023، الذي يسعى إلى تنظيم القطاع وحماية البيئة من خلال حظر أنشطة التعدين في المناطق الطبيعية المحمية، وإعطاء الأولوية للمياه للاستهلاك البشري، وإلزام النفايات بعدم الإضرار بالسكان أو النظم البيئية أو المناطق الإنتاجية.
ومع ذلك، شددت على غياب إنفاذ القانون ووضع إرشادات واضحة لتطبيقه في السنوات التي تلت ذلك، وغياب الإرادة السياسية لتطبيقه، في ظل التحديات القانونية.
تقول أوليفيرا: "صُدِّر القانون عام 2023، لكن مجموعة من ممثلي المعارضة تقدّمت باستئناف لوقفه"، رُفض الاستئناف، لكن أوليفيرا أضافت أنه لا توجد حتى الآن أيّ خطط لتطبيق القانون الجديد، وأن القطاع ما يزال يُقاوم التغييرات.
مخاطر تعدين الفلوريت
تشمل الآثار البيئية المرتبطة بتعدين الفلوريت أشكالًا مختلفة من التلوث، وتغيرًا في المناظر الطبيعية بسبب التعدين المفتوح، وتخصيص مساحات شاسعة لسدود مخلّفات التعدين، بحسب ما أورده تقرير نشرته منصة "دايلوغ إيرث" (Dialogue Earth).
وحذّر المعهد المكسيكي للمياه من احتمال تسرُّب النفايات، ما يُشكّل خطرًا على النظم البيئية وصحة الإنسان.
ويضم مجمع لاس كويفاس للتعدين 7 سدود لمخلّفات التعدين، بسعة تزيد على 2.1 مليون طن من النفايات: 4 منها خاملة و3 نشطة، وجميعها معرّضة للانسكابات، وقد ربطتها بعض الدراسات بتلوث خطير للنظم البيئية المحيطة.
ويقول الدكتور في الكيمياء والتكنولوجيا البيئية من جامعة نويفو ليون، ماثيوس جيغانتي: "لقد أدى التعدين إلى تلويث المياه والتربة.. إذا استُعملت هذه المياه للري، فإنها تزيد من تركيز الفلورايد في التربة، وقد تُحرِّك ملوثات أخرى".
وقد يكون لاستعمال الفلورايد -وهو المركب الكيميائي الموجود في الفلوريت- آثار إيجابية وسلبية.
ففي العديد من دول العالم، تُعدّ إضافة الفلورايد إلى مياه الشرب بشكل مُتحكّم فيه أمرًا شائعًا، إذ يُساعد ذلك على الحدّ من تسوّس الأسنان؛ إلّا انه في حالة التعرض المُطوّل وغير المُتحكّم فيه، يُمكن أن يُسبب الفلورايد تسممًا بالفلور في الهيكل العظمي والأسنان، ما قد يُضعف العظام.

وخلال السنوات الـ25 الماضية، سجّل المدّعي العام الفيدرالي لحماية البيئة في المكسيك ما لا يقل عن 66 حالة تسرب من مرافق التخلص من النفايات، كان آخرها في 30 يونيو/حزيران 2025، عندما تسبَّب سد نفايات تابع لشركة ميتاليس روسميكس للتعدين (Metales Rosmex) في تسرب أكثر من 19 ألف متر مكعب من نفايات التعدين في ولاية سينالوا الشمالية.
وأدى هذا التسرب إلى تلويث الجداول والغابات المنخفضة، مخلّفًا آثارًا بيئية وصحية جسيمة، ما أسفر عن إغلاق المنجم، وحذّرت السلطات من خطر تدفُّق المزيد من المياه إلى مصادر المياه بسبب أمطار الموسم.
منذ عام 2006، كشفت التحقيقات أيضًا وجود معادن ثقيلة مثل الرصاص والزرنيخ والزنك في الهواء داخل مدينة سان لويس بوتوسي ومحيطها، بالإضافة إلى ملوثات فلوريد الكالسيوم، وهي منتجات تُعزى مباشرةً إلى ارتفاع مستوى أنشطة التعدين التي تطورت بالقرب من المدينة، كما وُجِد أن المياه الجوفية تحتوي على الزرنيخ والفلوريد نتيجةً لحفر الآبار المكثف.
بالإضافة إلى المخاطر التي تُشكّلها على المناظر الطبيعية والمياه، يُمكن أن يكون للانبعاثات الناتجة عن إنتاج الفلوريت تأثير كبير.
وفي تقريرها للاستدامة لعام 2024، أفادت شركة "أوربيا" أن الانبعاثات المباشرة من عمليات إنتاج الفلوريت التابعة لشركة "كورا" في لاس كويفاس تعادل 16 ألفًا و590 طنًا من ثاني أكسيد الكربون، في حين بلغ إجمالي الانبعاثات غير المباشرة من استهلاكها للكهرباء 19 ألف طن.
وللمقارنة، يُمكن أن يُصدِر إنتاج طن واحد من النحاس في تشيلي ما يصل إلى 7 أطنان من ثاني أكسيد الكربون، في حين يُمكن أن يُنتج إنتاج طن واحد من مركز الفلوريت ما يصل إلى 174 كيلوغرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
موضوعات متعلقة..
- الساماريوم.. معدن حيوي لتحول الطاقة في قبضة الصين يهدّد الجيوش الغربية
- الموارد المعدنية في أفريقيا.. هل تصمد أمام سباق تحول الطاقة؟
- سياسات تحول الطاقة في أوروبا تهدّد بزيادة الانقسام الداخلي (دراسة)
اقرأ أيضًا..
- قصة حقل الزبير العراقي وماذا حدث منذ اكتشاف 4 مليارات برميل نفط
- صادرات الغاز المسال العربية تهبط في 3 أشهر.. ما الدولة الأكثر انخفاضًا؟
- خريطة مواقع الهيدروجين الطبيعي في تكساس قد ترى النور خلال 2025
- نموذج لشحن السيارات الكهربائية.. دراسة لباحثين من 3 دول عربية
المصدر: