المقالاترئيسيةمقالات منوعةمنوعات

المعادن الأرضية النادرة في تركيا.. هل تقلل الاكتشافات الجديدة هيمنة الصين؟ (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • منجم للمعادن الأرضية النادرة في تركيا يحتوي على السيريوم والبراسيوديميوم والنيوديميوم واللانثانوم والباريت والفلوريت
  • الاحتياطيات القابلة للاستخلاص تُقدّر بنحو 12.5 مليون طن من أكاسيد المعادن الأرضية النادرة
  • بكين تُمثّل نحو 70% من عمليات الاستخلاص و90% من عمليات التكرير
  • موقع تركيا الإستراتيجي بصفته جسرًا يربط أوروبا بالمناطق الغنية بالطاقة يزيد من نفوذها

تعززت موارد المعادن الأرضية النادرة في تركيا باكتشاف منجم ضخم يضم تشكيلة متنوعة وكميات كبيرة، ما يعزز دور البلاد في سلاسل التوريد العالمية.

في هذا الإطار، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، اكتشاف منجم ضخم للمعادن النادرة في مقاطعة بيليكوفا بمحافظة إسكي شهير وسط الأناضول، ما يجعله ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد منجم بايان أوبو الصيني.

ويحتوي هذا الاكتشاف، الذي يعتمد على استكشافات تعود إلى عام 2022، على ما يُقدَّر بـ 694 مليون طن من الموارد المعدنية، تشمل 10 من أصل 17 عنصرًا أرضيًا نادرًا معروفًا، مثل السيريوم والبراسيوديميوم والنيوديميوم واللانثانوم وغيرها، إلى جانب الباريت والفلوريت.

وتُظهر التحاليل الأولية أن الخام يحتوي على أكثر من 1% من أكاسيد المعادن الأرضية النادرة في تركيا وزنًا، ما يُشير إلى جدوى اقتصادية.

أكاسيد المعادن الأرضية النادرة في تركيا

يدرس الخبراء الجودة الإجمالية والاحتياطيات القابلة للاستخلاص، المُقدَّرة بنحو 12.5 مليون طن من أكاسيد المعادن الأرضية النادرة في تركيا، بانتظار مزيد من التحقق.

وقد أطلقت شركة "إيتي مادن" التركية (Eti Maden) المملوكة للدولة منشأة معالجة تجريبية في الموقع، قادرة على إنتاج 1200 طن من أكاسيد المعادن الأرضية النادرة سنويًا، مع طموحات للتوسع إلى المستويات الصناعية والحصول على شهادة "جيه أوه آر سي كود" JORC Code للاعتماد العالمي.

وفي حال التحقق من جدوى المكامن بالكامل، فقد يرفع تركيا إلى واحدة من أكبر 5 دول منتجة للمعادن الأرضية النادرة عالميًا، ما يدرّ إيرادات كبيرة مع تلبية شريحة من الطلب العالمي على هذه المعادن في السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، وأنظمة الدفاع، والرقائق، وغيرها من التطبيقات عالية التقنية.

ويكمل ذلك نقاط القوة الحالية لتركيا في البورون والليثيوم، التي تُعزز معًا دورها الناشئ في قطاع المعادن الحيوية.

ويأتي هذا الإعلان في لحظة حاسمة، إذ يتزامن مع تصاعد التنافس العالمي على هذه المواد الحيوية، التي تؤدي دورًا أساسيًا في التحول نحو الطاقة المستدامة والتقدم العسكري المتطور.

مصنع تجريبي لمعالجة المعادن الأرضية النادرة في تركيا
مصنع تجريبي لمعالجة المعادن الأرضية النادرة في تركيا – الصورة من يتكين ريبورت

دور الصين في استخلاص وتكرير المعادن

تتمتع الصين بمكانة رائدة في استخلاص وتكرير المعادن، حيث تُمثّل نحو 70% من عمليات استخلاص و90% من عمليات التكرير، ما يُعرّض الدول الأخرى لمخاطر النقص وتقلبات السوق.

من ناحيتها، تسعى أنقرة لبناء بُنيتها التحتية المستقلة للاستخلاص والتنقية، إلى جانب تعاونها العالمي الهادف -خصوصًا مع واشنطن- لكسر هذا الاعتماد.

من خلال تحديد معايير عالمية صارمة، مثل شهادة "جيه أوه آر سي كود"، تعتزم تركيا تعزيز الثقة بين المستثمرين وترسيخ سمعتها الدولية.

وإلى جانب تحقيق مكاسب مالية من خلال نمو الوظائف، وزيادة الشحنات إلى الخارج، وتقليل الاعتماد على الإمدادات الأجنبية للقطاعات المحلية مثل الكيماويات والطاقة المستدامة، تُسلّط هذه الإستراتيجية الضوء على دفعة أكبر نحو الاعتماد على الذات في التصنيع والابتكار.

على الصعيد الدولي، يبرز اكتشاف المعادن الأرضية النادرة في تركيا في خضمّ تنافس محتدم على الموارد الأساسية، ما يُرسّخ مكانة البلاد قوةَ موازنة حيوية في مواجهة تحكّم الصين بالإمدادات.

وقد انهارت المفاوضات المبكرة مع الصين قرب نهاية عام 2024 وسط اشتراطات شحن المواد الخام غير المُعالجة إلى الخارج دون تبادل المعرفة أو اعتماد المعالجة في الموقع، وهو نموذج كان من شأنه أن يُنزل تركيا إلى مراكز الربح المحدود.

من ناحية ثانية، واجهت التبادلات المماثلة مع موسكو عقبات بسبب نقص المستلزمات التقنية والاحتكاكات المستمرة.

التعاون بين تركيا وأميركا

في هذه المرحلة الحاسمة، تسعى تركيا الآن إلى مشروعات تعاونية مع أميركا، تشمل تطوير المصانع في بيليكوفا، وتبادل المعرفة، والتنقيب المشترك، وهي جهود تتوافق بسلاسة مع البرامج التي تقودها الولايات المتحدة مثل شراكة أمن المعادن.

ويمتد هذا التعاون الناشئ إلى ما هو أبعد من توسيع طرق الإمداد للغرب؛ فهو يعزز الوحدة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ظل الظروف الصعبة، كل ذلك مع تنشيط التدافع المعاصر على الموارد.

من جهة ثانية، فإن موارد المعادن الأرضية النادرة في تركيا وموقع البلاد الإستراتيجي، بصفته جسرًا يربط أوروبا بالمناطق الغنية بالطاقة، يزيد من نفوذها ويُمكّنها من توسيع هيمنتها السياسية والاقتصادية في المنطقة.

ومن خلال تعزيز خبرتها في معالجة المعادن الأرضية النادرة، قد تتطور أنقرة لتصبح مركزًا حيويًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وسلاسل توريد أوسع، ما يُغيّر مشهد التكنولوجيا والدفاع والطاقة.

وقد تُصبح تركيا لاعبًا محوريًا في محاولات إضعاف هيمنة الصين من خلال مصادر عالمية أكثر انفتاحًا واستدامة، حيث يُظهر هذا التوجّه براعتها في الموازنة بين علاقاتها الشرقية مع الصين وروسيا والتزاماتها الغربية تجاه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

منشأة إنتاج الليثيوم التابعة لشركة (إيتي مادن) بمدينة إسكي شهير وسط تركيا
منشأة إنتاج الليثيوم التابعة لشركة (إيتي مادن) بمدينة إسكي شهير وسط تركيا – الصورة من وكالة الأناضول

وإلى جانب تعزيز المرونة الاقتصادية وترسيخ مكانة تركيا في قطاعي تكنولوجيا المعلومات والأمن، قد يُسرّع هذا الاكتشاف من اتفاقيات الطاقة مع الاتحاد الأوروبي، ويُوازن النفوذ الروسي من خلال معاملات المعادن مقابل الطاقة.

في المقابل، فإن إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للمعادن الأرضية النادرة في تركيا يتجاوز بكثير الاستخلاص الأولي، فهو يتطلب خبرة في التنقية والمعالجة اللاحقة، وهي مجالات تحتفظ فيها الصين بريادة حاسمة.

ويمثّل المصنع التجريبي التركي خطوة أولى مشجعة، إلّا أن تحقيق إنجازات طموحة -مثل التوسع من 1200 طن سنويًا بحلول عام 2027 إلى 500 ألف طن من المواد المكررة بحلول عام 2030- سيعتمد على مبادرات بحثية منظمة، وتعاون بين الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال، واتفاقيات تبادل المعرفة مع الشركاء.

وقد تُسهم هذه الجهود في تحقيق اختراقات بتقنيات الاسترداد الصديقة للبيئة للتطبيقات العسكرية والمستدامة، بهدف تحويل 50% من الإنتاج إلى مواد مغناطيسية بحلول عام 2030، والحصول على 25% عبر استخلاص مكونات النفايات الإلكترونية بحلول عام 2035.

عزل المعادن الأرضية النادرة في تركيا

تُشكّل العمليات المعقّدة المستعمَلة لعزل المعادن الأرضية النادرة في تركيا عقبات هائلة، نظرًا لضعف الكفاءة التقنية في البلاد وتخلُّف مرافق المعالجة لديها، ما قد يؤدي إلى انتكاسات في غياب مساعدة خارجية قوية.

من منظور اقتصادي، قد يؤدي التقدم لمراحل ذات قيمة أعلى إلى زيادة قيمة الخام غير المكرر بمقدار 10 أضعاف، ما يؤدي إلى نمو التجارة، وفرص العمل، واستقلال الموارد.

على صعيد آخر، فإن التهديد المتمثل في حافة التسعير الصينية، والتقلبات في توافر الموارد، واحتياجات رأس المال الكبيرة للتنمية، يلقي بظلاله الثقيلة، خصوصًا في ظل تحديات الموازنة المستمرة التي تواجه تركيا.

من الناحية الجيوسياسية، يُتيح وضع تركيا داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) وموقعها الفريد الممتد عبر القارات فرصًا مثالية لدمج مشروع بيليكوفا في الإستراتيجيات الغربية الأوسع نطاقًا لتنويع الإمدادات، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، مع تحدّي الحواجز التجارية لبكين.

وقد يدفع هذا أنقرة إلى صدارة النقاشات العالمية حول الابتكار والدفاع.

وفي الوقت نفسه، ما يزال شبح صراعات القوى الكبرى قائمًا، ويهدد باستغلال الموارد، وتداعيات فشل الاتفاقيات مع الصين وروسيا، وانسحاب التحالفات المتعارضة، ما يستدعي سياسة خارجية مرنة لتجنُّب الخلافات في الشراكات أو التلاعب بالنتائج.

جانب من حفل توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال المعادن الأرضية النادرة بين الصين وتركيا
جانب من حفل توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال المعادن الأرضية النادرة بين الصين وتركيا – الصورة من وكالة الأناضول

الخلاصة

يجمع مستقبل البيئة بين المخاطر والإمكانات، وقد يُسهم تبنّي ممارسات مستدامة وإعادة التدوير من مصادر ثانوية في وضع تركيا بصفتها شركة رائدة في مجال المعادن الأرضية النادرة "الخضراء"، بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي، ويُقلل من النفايات في مصادر الطاقة المتجددة للحصول على اعتماد دولي.

من ناحية أخرى، تُعدّ القوانين والرقابة الصارمة أمرًا ضروريًا نظرًا للمخاطر الكامنة في العمليات، التي تشمل تلوث التربة والمياه، بالإضافة إلى المخلّفات المشعّة، مثل الثوريوم.

وتبرز أهمية الشفافية لمنع ردود الفعل العكسية من خلال الدروس المستفادة من حالات التدهور السابقة في أماكن أخرى.

وعلى الرغم من المخاوف المستمرة بشأن درجات الخام والتدخل الأجنبي، أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكنز المعادن الأرضية النادرة في بيليكوفا بتركيا بصفته عامل تغيير جذري، ما يشير إلى تحول كبير في ملف موارد البلاد من مُصدّر هامشي إلى مُبتكر مستقل.

بالمثل، تُرسي أنقرة موطئ قدم في الأسواق المضطربة من خلال رفض اتفاقيات المواد الخام الجشعة والمضي قدمًا في عمليات التحقق التجريبية لضروريات الدفاع والسيارات الكهربائية.

وتتمتع هذه الثروة المفاجئة بالقدرة على تغيير المعادلات متعددة الأقطاب وتعزيز نفوذ تركيا في الاستقلال التكنولوجي والتغييرات الخضراء، شريطة التعامل معها بمهارة من خلال التوسع بحلول عام 2030، وتكامل شراكة أمن المعادن، والمبادرات التكنولوجية والبيئية والدبلوماسية السلمية.

ويُعدّ الاكتشاف أكثر من مجرد حدث جيولوجي متميز، فهو يُشير إلى مواءمة جريئة للترابط العالمي، ما يضع تركيا لاعبًا حيويًا في تحديد المستقبل الإستراتيجي.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق