نقص الكهرباء في إيران.. أزمة متنقلة بين ضغط الصيف وعجز الشتاء (مقال)

- القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في إيران تبلغ حاليًا نحو 32 غيغاواط
- توليد الكهرباء في إيران يُعاني من محدودية كميات الوقود المتاحة
- مصادر الطاقة المتجددة -بما في ذلك الكهرومائية والشمسية- تُسهم في إمداد الشبكة
- الأثر البيئي لحرق الوقود منخفض الجودة يزيد من مخاوف تلوث الهواء
يُعدّ نقص الكهرباء في إيران أزمة متنقلة بين حرّ الصيف وبرد الشتاء، حيث تتراجع وتتفاقم وفق توفُّر الوقود وازدياد الطلب وانخفاضه.
ويُعدّ انقطاع التيار الكهربائي الحادّ الذي عانت منه إيران خلال صيف عام 2025 تحذيرًا صارخًا من أزمة كهرباء أشد صعوبة تقترب هذا الشتاء.
وعلى الرغم من أن حرارة الصيف الشديدة دفعت شبكة الكهرباء في إيران إلى تجاوز حدودها، يُضيف الشتاء ضغوطًا جديدة، بما في ذلك زيادة الطلب على التدفئة وارتفاع عامّ في استهلاك الكهرباء.
وتبلغ القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في إيران حاليًا نحو 32 غيغاواط، وهي غير كافية لتلبية الطلب المستقر والمتزايد المتوقع عند 42 غيغاواط.
فجوة توليد الكهرباء في إيران
تعكس فجوة توليد الكهرباء في إيران اليومية المستمرة التي تتراوح بين 10 و12 غيغاواط تقريبًا - أي نحو 25% من إجمالي الطلب - مشكلات نظامية عميقة الجذور، بما في ذلك محدودية توافر الوقود المحلي، وضعف أداء المحطات الكهروحرارية، ونقص الاستثمار المزمن في البنية التحتية.
وتشمل موارد الوقود المتاحة في إيران الغاز الطبيعي، القادر على توليد نحو 15.5 غيغاواط من إمدادات يومية تبلغ 110 ملايين متر مكعب.
ويوفر الوقود السائل ما يقرب من 6.7 غيغاواط من 50 مليون لتر يوميًا، والوقود السائل المخزّن يبلغ إجماليه 3.2 مليار لتر، وهو ما يكفي لمدة 90 يومًا من التشغيل، أي ما يعادل نحو 4.9 غيغاواط؛ والطاقة الكهرومائية الشتوية تسهم بنحو 5 غيغاواط.
وحتى عند تجميعها، يبلغ الحدّ الأقصى لهذه المصادر نحو 32 غيغاواط، ما يسبب عجزًا هيكليًا نسبيًا مقارنة بالطلب.

ومع تشغيل محطات الكهروحرارية بكفاءة متوسطة تبلغ 32% فقط، فإن ذروة الشتاء ستفاقم نقص الوقود، ما يزيد من خطر انقطاع الكهرباء المتكرر، وتقليص النشاط الصناعي، والضغط على إمدادات الكهرباء المنزلية.
ويعني اعتماد البلاد على الغاز الطبيعي والوقود السائل المحدود أنه من دون زيادة الواردات، والتحسينات التشغيلية، والنشر السريع للطاقة المتجددة، ما يزال من المحتمل حدوث اضطرابات مستمرة في القطاعات السكنية والتجارية والصناعية.
إزاء ذلك، يمكن لبرامج التخفيف الحكومية، مثل "تدريب الشتاء"، التي تهدف إلى إدارة الأحمال وخفض الاستهلاك، أن تخفف الفجوة جزئيًا، ولكنها غير كافية لتعويض العجز الهيكلي بالكامل.
قيود الوقود وتوليد الكهرباء في إيران
يُعاني توليد الكهرباء في إيران من محدودية كميات الوقود المتاحة، بالإضافة إلى كفاءة المحطات وقيود البنية التحتية. يدعم الغاز الطبيعي، وهو المصدر الرئيس للكهرباء، نحو 15.5 غيغاواط، ولكنه يواجه قيودًا ناجمة عن قيود الإنتاج، واختناقات خطوط الأنابيب، وعدم كفاءة التوزيع.
في المقابل، يُسهم الوقود السائل، بما في ذلك منتجات النفط المكرر، بنحو 6.7 غيغاواط، مع احتياطيات مخزّنة تكفي لنحو 4.9 غيغاواط على مدار 90 يومًا في ظل التشغيل العادي.
وتُضيف الطاقة الكهرومائية الموسمية نحو 5 غيغاواط، مع أن الإنتاج يعتمد بشكل كبير على تقلبات الطقس، وينخفض خلال فصل الشتاء.
وتُنتج هذه المصادر مجتمعةً قدرة توليد إجمالية أقل بكثير من ذروة الطلب، ما يُسبِّب عجزًا هيكليًا لا يُمكن سدّه إلّا باستيراد الوقود، أو تحسين الكفاءة، أو إدارة الاستهلاك بشكل مُستهدف.
الآثار المتوقعة لضغط شبكة الكهرباء في إيران
خلال أشهر الشتاء، ستتعرض شبكة الكهرباء في إيران لضغط شديد، مع احتمال كبير لانقطاعات متكررة في حال استمرار النقص.
وتُعدّ القطاعات الصناعية أكثر عرضة للخطر، إذ يُقلل نقص الكهرباء من القدرة التشغيلية، ما يُهدد الناتج الاقتصادي وفرص العمل.
بدورهم، سيواجه مستعمِلو الكهرباء في المنازل انقطاعات متكررة، تُعرقل الأنشطة اليومية، وتُعطّل أنظمة التدفئة، والخدمات الأساسية.
لذلك، أعلنت السلطات برامج "تدريب الشتاء" لتطبيق تخفيف الأحمال الكهربائية وتشجيع كفاءة الطاقة. وتُشير التجارب السابقة إلى أن حالات انقطاع التيار أدت إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل، واحتجاجات عامة، وتفاقم الاضطرابات الاجتماعية.
من ناحية ثانية، فإن الاعتماد على أنواع وقود رديئة الجودة، مثل زيت الوقود، خلال فترات الانقطاع يُفاقم تلوث الهواء، ويُشكّل مخاطر إضافية على الصحة العامة.

الاعتبارات الهيكلية والإستراتيجية
يُفاقم اعتماد إيران الكبير على الوقود الأحفوري والمحطات الكهروحرارية منخفضة الكفاءة -بمتوسط 32%- صعوبة تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بشكل مستدام.
وتُسهم مصادر الطاقة المتجددة -بما في ذلك الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية- في إمداد الشبكة، إلّا أن تقلباتها الموسمية وقدرتها المحدودة تمنعها من تعويض النقص في فصل الشتاء بشكل كامل.
ومن دون تدخلات شاملة، تُواجه البلاد خطر أزمات كهرباء متكررة، لا سيما في المناطق الشمالية والمراكز الحضرية ذات الاحتياجات العالية للتدفئة.
ويُشير مزيج من قيود الوقود، وتقادم البنية التحتية، وعدم كفاءة توليد الكهرباء، إلى أن التدابير التشغيلية قصيرة الأجل وحدها لا تكفي لسدّ العجز الهيكلي.
تقدير احتياجات الوقود لتغطية العجز الشتوي
لتحديد كمية واردات الوقود اللازمة لسدّ عجز إيران الشتوي الذي يتراوح بين 10 و12 غيغاواط، يجب أولًا حساب العجز اليومي في الكهرباء بالغيغاواط/ساعة.
ويُعادل العجز بمقدار 10 غيغاواط على مدار 24 ساعة 240 غيغاواط/ساعة يوميًا، بينما يُعادل العجز بمقدار 12 غيغاواط 288 غيغاواط/ساعة يوميًا.
ومع مراعاة متوسط كفاءة المحطة الكهروحرارية البالغ 32%، يتطلب إنتاج 240 غيغاواط/ساعة من الكهرباء ما يقارب 750 غيغاواط/ساعة من طاقة الوقود، بينما يتطلب إنتاج 288 غيغاواط/ساعة ما يقارب 900 غيغاواط/ساعة من طاقة الوقود، ما يعكس خسائر التحويل الفعلية.
وعند تحويل الطاقة إلى كميات وقود مادية، يتطلب الغاز الطبيعي -الذي يحتوي على طاقة تبلغ 10.55 كيلوواط/ساعة لكل متر مكعب- ما بين 71 و85.3 مليون متر مكعب يوميًا.
ويتطلب زيت الوقود، بمحتواه الطاقي البالغ 11.63 كيلوواط/ساعة لكل لتر، ما بين 64.5 و77.4 مليون لتر يوميًا.
وعلى مدار 90 يومًا شتاءً، ستحتاج إيران إلى ما بين 6.4 و7.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أو ما بين 5.8 و7.0 مليار لتر من الوقود السائل.
ويعتمد حجم الواردات بدقّة على إمكانات البنية التحتية، وتوافر الوقود، والتسعير، والخدمات اللوجستية، ومن دون هذه الواردات أو اتخاذ تدابير صارمة لخفض الطلب، لا مفرّ من انقطاعات واسعة النطاق للتيار الكهربائي.
تدابير قصيرة الأجل
لمعالجة العجز الحادّ المتوقع في الكهرباء هذا الشتاء، يمكن لإيران تنفيذ مجموعة متنوعة من الإجراءات التكتيكية قصيرة الأجل تركّز على الحدّ من الاستهلاك وتعزيز التوليد المحدود.
ويرتكز هذا النهج على مبادرة "تدريب الشتاء"، التي تُعطي الأولوية للتحكم في أحمال الشبكة وتعديل الاستجابة للطلب من خلال عمليات انقطاع انتقائية للكهرباء، وتحويل أنشطة المصانع إلى فترات انخفاض الطلب، وتشجيع ممارسات التقنين في المنازل والشركات.
وتهدف هذه الإجراءات إلى تخفيف الضغط على الشبكة خلال أوقات الذروة، مع الحفاظ على الوظائف الحيوية والحدّ من الآثار المجتمعية.
في الوقت نفسه، قد تعزز إيران الإنتاج من خلال إستراتيجيات مدروسة للوقود.
فزيادة شحنات الغاز الطبيعي أو بدائل السوائل قد تُخفّف من اختناقات الإنتاج مؤقتًا، بينما يُمثّل التحول إلى أنواع وقود بديلة -مثل زيت الوقود المُخزّن- حلًا بديلًا لنقص الغاز، على الرغم من أنه ينطوي على عيوب بيئية.
ومن شأن دعم هذه الخطوات، والإصلاحات العاجلة، وتحسينات الأداء في المحطات الكهروحرارية القديمة، أن يزيد من إنتاج الأصول الحالية، ما يُعزز موثوقية الشبكة على المدى القريب.
ومن شأن دمج ضوابط الاستهلاك مع تعزيزات الوقود والتقنين أن يمكّن إيران من تقليل العجز الموسمي في التوليد والحدّ من مخاطر انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.

إستراتيجيات الطاقة متوسطة وطويلة الأجل
لتحقيق استقرار مستدام في شبكة الكهرباء وتعزيز استقلال الطاقة، ينبغي على إيران تطبيق خطة شاملة تتجاوز بكثير الحلول الفورية.
ومن الركائز الأساسية لهذه الإستراتيجية توسيع نطاق مزيج الطاقة، مع السعي نحو الطرح السريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى خيارات متجددة أخرى، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوفير إنتاج كهرباء أكثر كفاءةً وصديقةً للبيئة.
بالمثل، يمكن لتوسيع نطاق موارد الطاقة الكهرومائية ودمج تقنيات التخزين -مثل أنظمة تخزين الكهرباء بالبطاريات (BESS) أو التخزين الحراري- أن يُسهم في مواجهة التغيرات الموسمية، وموازنة تفاوت العرض والطلب في أوقات الأحمال العالية، وتعزيز متانة الشبكة عمومًا.
وفي الوقت نفسه، يُعدّ تحديث شبكات النقل والتوزيع أمرًا حيويًا للحدّ من الهدر، وتسهيل دمج الطاقة المتجددة بسلاسة، وضمان تدفّق مستمر للكهرباء على مستوى البلاد.
ويظل إصلاح هياكل التسعير وتعديل الدعم أمرًا بالغ الأهمية، من خلال مواءمة الأسعار مع النفقات الفعلية لتعزيز الحفاظ على الطاقة وحماية السلامة الاقتصادية لمزوّدي الكهرباء.
إن تعزيز الحوكمة والأنظمة القائمة على القوانين يدعم الرقابة الموحدة على مصادر الوقود وإنتاجه واستعماله، ما يُوفر طريقة منهجية لتجنُّب العجز المتكرر وتعزيز الاستدامة.
وتُرسي هذه الخطوات مجتمعةً الأساس لقطاع كهرباء أكثر خضرةً وانسيابًا وتحصينًا، مُهيًأ لتلبية احتياجات إيران المتزايدة.
نهج متكامل وتوقعات طويلة المدى
من خلال الجمع بين تدابير الطوارئ قصيرة المدى والمبادرات الإستراتيجية متوسطة وطويلة المدى، يمكن لإيران معالجة النقص الفوري في الكهرباء، مع إرساء أمن واستدامة الطاقة على المدى الطويل.
ويمكن لواردات الوقود المنسّقة، ورفع كفاءة الطاقة، ونشر الطاقة المتجددة، وتحديث الشبكة، والإصلاح التنظيمي، أن تُسهم في استقرار نظام الكهرباء، وتقليل الانقطاعات، ودعم النمو الاقتصادي.
ومع مرور الوقت، تُقلل هذه السياسات المتكاملة من التعرض لتقلّبات العرض الموسمية، وتُحسّن من القدرة على التكيف مع الظروف الجوية القاسية، وتضع إيران على مسار مستدام للطاقة.
ويمكن لأنظمة الطاقة الهجينة، مثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية مع تخزين البطاريات في القطاعات السكنية والتجارية والصناعية، أن تُخفف من ضغوط ذروة الطلب.
من جهتها، فإن الاستثمارات في التقنيات الموفرة للطاقة، والعدّادات الذكية، والتحكم الآلي في الأحمال تُحسّن الاستهلاك بشكل أكبر، وتُكمَل التوليد التقليدي.
وتُقلل هذه التدابير من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتدعم إنتاج كهرباء أنظف وأكثر استدامة.
وينطوي نقص الكهرباء على آثار واسعة النطاق، فقد يتباطأ الإنتاج الصناعي، وقد تنخفض الإيرادات، وقد تزداد حالات تسريح العمال.
وتتعرض العمليات الزراعية التي تعتمد على الكهرباء للريّ والمعالجة للخطر.
وتواجه الأسر تحديات في التدفئة، وقد يتعطل التعليم، ويزيد الاعتماد على المولدات الاحتياطية من التكاليف والتلوث.
ويزيد الأثر البيئي لحرق الوقود منخفض الجودة من مخاوف تلوث الهواء، وتؤكد هذه العواقب الحاجة إلى سياسات شاملة لإدارة الطاقة.
الخلاصة
يتجاوز الطلب على الكهرباء في إيران، البالغ 42 غيغاواط، أو 1008 غيغاواط ساعة يوميًا، القدرة الفعلية لمصادر التوليد المحلية، التي يبلغ مجموعها نحو 32 غيغاواط، بما في ذلك الغاز الطبيعي والوقود السائل والاحتياطيات المخزّنة والطاقة الكهرومائية.
ويعكس العجز اليومي -الذي يتراوح بين 10 و12 غيغاواط- عدم الكفاءة، والتقلبات الموسمية، وقلة توفر الوقود.
ومن دون واردات وقود إستراتيجية، أو إدارة الطلب، أو تحسينات في الكفاءة، فإن انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة أمر لا مفر منه.
وتُعدّ التدابير التشغيلية الفورية، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية متوسطة وطويلة الأجل -بما في ذلك توسيع نطاق الطاقة المتجددة، وتحديث الشبكة، والاستعمال الأمثل للطاقة- أمرًا بالغ الأهمية لضمان إمدادات كهرباء موثوقة، وتخفيف الآثار الاجتماعية والاقتصادية.
ومن شأن ذلك تعزيز أمن الطاقة في إيران بمواجهة الطلب المتزايد والتقلبات المناخية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أزمة الكهرباء في إيران.. كيف تتخطى طهران مشكلاتها الهيكلية طويلة الأمد؟ (مقال)
- أسعار الكهرباء في إيران.. هل يحفّز انخفاضها تعدين العملات المشفرة؟ (مقال)
- أزمة الكهرباء في إيران تدفع المزارعين إلى الألواح الشمسية
اقرأ أيضًا..
- الطاقة المتجددة في الأردن تسجّل قفزة نوعية.. كيف تطورت خلال 5 سنوات؟
- تطورات التنقيب البحري عن النفط والغاز في 6 دول عربية
- إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا.. قصة 1.22 مليار دولار تجنيها موسكو (مقال)