هيدروجينتقارير الهيدروجينسلايدر الرئيسية

الهيدروجين الأخضر.. سوق متعثرة و"اختبار حاسم" في السعودية (تقرير)

دينا قدري

على الرغم من الارتفاع الهائل في استثمارات الهيدروجين الأخضر، فإن واقع السوق المتعثرة يثير العديد من الشكوك حول مدى موثوقية الاعتماد على هذا الوقود.

وطرح هذا الوضع تساؤلًا مهمًا: هل الهيدروجين جاهز حقًا للتوسع، أم أنه مجرد فقاعة طاقة أخرى؟

تُجسّد تجربة مارسيل كوتر -الذي انتقل من مناصب عليا في شركات بي بي وكاسترول وإكسون موبيل إلى تأسيس مركز هولندا للهيدروجين- الآفاق الواعدة لسوق الهيدروجين الأخضر ومخاطره في آنٍ واحد.

فبعد عقود قضاها في كبرى شركات الطاقة، انتقل "كوتر" من الوقود الأحفوري إلى الهيدروجين الأخضر؛ إذ يقود الآن مركز هولندا للهيدروجين، ويحاول ربط الطاقة الشمسية في صحاري الشرق الأوسط باحتياجات أوروبا من الوقود النظيف.

وفي تصريحات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يشرح كوتر لماذا تواجه مشروعات الهيدروجين مخاطر تكلفة عالية، ولماذا ما تزال شركات النفط هي الأقدر على تحقيق النجاح.

ارتفاع استثمارات الهيدروجين الأخضر.. ولكن!

سلّط مارسيل كوتر الضوء على ارتفاع الاستثمار العالمي في الهيدروجين الأخضر من 10 مليارات دولار في عام 2020 إلى 75 مليار دولار في 2024، وهو مسار يُفترض عادةً أنه يدلّ على زخم لا يُمكن إيقافه.

ومع ذلك، خلف تدفّق رؤوس الأموال، تتعثر المشروعات، وتظل الفجوات في التكاليف دون حل، وتُثار تساؤلات حول البنية التحتية التي تعوق طموح أوروبا في استيراد الهيدروجين على نطاق واسع.

وفي الوقت الحالي، تتراوح تكلفة الهيدروجين الأخضر بين 5 و8 دولارات للكيلوغرام، مقارنةً بأقل من دولارين للهيدروجين الرمادي، وفق أحدث البيانات لدى منصة الطاقة المتخصصة.

وتعتمد الجدوى الاقتصادية بشكل كبير على أسعار الكهرباء؛ إذ يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد نحو 50 كيلوواط ساعة من الكهرباء، ما يعني أن التكاليف تتفاوت بشكل كبير حسب الموقع.

وفي هولندا، يبلغ متوسط سعر الكهرباء الصناعية 15 سنتًا لكل كيلوواط ساعة، ما يُترجَم إلى نحو 7.50 دولارًا فقط في تكلفة الكهرباء.

في المقابل، سجلت مزادات الطاقة الشمسية في الخليج أسعارًا أقل من 0.02 دولار لكل كيلوواط ساعة، ما يتيح تكاليف إنتاج محتملة تتراوح بين دولار ودولارين للكيلوغرام.

وهذا التفاوت يدعم مفهوم "ممر الهيدروجين" من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وفق ما أكده كوتر في تصريحات نقلتها منصة "إنرجي نيوز" (Energy News).

ومع ذلك، أوضح كوتر أن تحقيق التكافؤ في الأسعار مع الوقود الأحفوري ما يزال بعيد المنال؛ فمشروع نيوم في السعودية، الذي تبلغ قيمته 8.4 مليارات دولار ويستهدف إنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا، أصبح بمثابة اختبار حاسم.

مارسيل كوتر
مارسيل كوتر - الصورة من الموقع الرسمي لمركز هولندا للهيدروجين

عقبات تعرقل نشر الهيدروجين

يرى مارسيل كوتر أن البنية التحتية تزيد من تعقيد المعادلة؛ إذ لا يُمكن إعادة استعمال شبكة الغاز الحالية في أوروبا، لأن صغر حجم جزيئات الهيدروجين يزيد من مخاطر التسرب، ما يتطلب إنشاء أجزاء كبيرة من خطوط الأنابيب الجديدة.

ولذلك، أطلقت هولندا -من خلال شركة الغاز الهولندية غاسوني (Gasunie) وشركاء آخرين- برامج مرحلية تربط المواني بالتجمعات الصناعية، مع دمج نهائي في مبادرة العمود الفقري للهيدروجين الأوروبي (EHB).

ومع ذلك، فإن الجداول الزمنية لهذا التوسع طويلة، في حين يظل الطلب الصناعي -وهو العامل الأكبر في ضمان التمويل- غير مؤكد، بحسب تصريحات كوتر التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وأشار كوتر إلى أن الشرق الأوسط يتمتع بمزايا واضحة:

  1. أراضٍ صحراوية وفيرة.
  2. سجلّ حافل في تصدير الطاقة على نطاق واسع.
  3. بعض أرخص الكهرباء المتجددة في العالم.

لكن الناقلات ما تزال غير مثبتة على نطاق واسع؛ إذ تهيمن الأمونيا على الإستراتيجيات الحالية، إلّا أن سُمّيتها وخسائر إعادة التحويل تثير القلق.

كما تُستكشف بدائل مثل ناقلات الهيدروجين العضوية السائلة (LOHC)، أو حتى مفاهيم الهيدروجين الصلب، لكن لم يُثبِت أيٌّ منها جدواه التجارية بعد.

وفي قطاع النقل، شدّد كوتر على أن السيارات الخاصة باتت تهيمن عليها الكهرباء عبر البطاريات، وحتى مؤيّدو الهيدروجين يعترفون بأن المعركة خُسرت في هذا القطاع.

وبدلًا من ذلك، يكمن مستقبل الهيدروجين في الحرارة الصناعية، والصلب الأخضر، وإنتاج الأسمدة، والنقل لمسافات طويلة، وهي قطاعات يصعب فيها استعمال الكهرباء من الناحية التقنية أو الاقتصادية.

الهيدروجين الأخضر في أوروبا

رهانات الهيدروجين الأخضر في أوروبا

بالنسبة لأوروبا، يرى مارسيل كوتر أن الرهانات إستراتيجية بقدر ما هي اقتصادية؛ إذ تتوقع هولندا وحدها استيراد 60–70% من احتياجاتها من الهيدروجين بحلول عام 2050، وهو اعتماد يجعل الدبلوماسية الطاقية بالأهمية نفسها التي يحظى بها نشر التقنية.

وأشار إلى أن تاريخ روتردام الطويل بوصفها مركزًا للنفط والغاز يضعها في موقع منطقي بصفتها بوابة مرور، إلّا أن الأسئلة ما تزال قائمة حول ما إذا كانت خبرة المواني والتخزين يُمكن أن تعوّض التحديات التقنية في التعامل مع وسائل النقل الجديدة.

كما أن المنافسة العالمية تزداد حدّة؛ فقد استثمرت الصين بكثافة في قدرات إنتاج الهيدروجين المحلية، في حين يوفر قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة إعفاءات ضريبية تقلل تكلفة الهيدروجين الأخضر بما يصل إلى 3 دولارات للكيلوغرام.

وتواجه أوروبا خطر الانضغاط بين هذين التسارعين المدفوعين بالسياسات، حتى خلال سعيها إلى تحقيق الاستقلال عبر شراكات مع منتجي الخليج.

أمّا بالنسبة للمستثمرين، فإن الرهان يقوم على الإيمان بأن الهيدروجين سيسلك مسار الطاقة الشمسية: تكاليف أولية مرتفعة تُعوّضها وفورات الحجم وتأثيرات التعلم.

لكن على عكس الطاقة الشمسية، يتطلب الهيدروجين نشرًا متزامنًا للإنتاج والنقل والأسواق النهائية، ودون تقدُّم متوازن عبر سلسلة القيمة، فإن طفرة الـ75 مليار دولار اليوم قد تبدو أقرب إلى فقاعة منها إلى أساس متين.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق