منوعاترئيسيةمقالات منوعة

لماذا نجحت قمة مناخ في منع اللحم وفشلت أخرى في حظر الفحم؟ (مقال)

حياة حسين*

قال لي أحد الأشخاص من الذين اعتادوا قضاء عطلاتهم في شرم الشيخ المصرية غاضبًا: إن فنادق المدينة منعت اللحم المشوي على الفحم منذ استضافة قمة مناخ "كوب 27" في عام 2022.

وفي قمة المناخ السابقة لها (كوب 26)، التي انعقدت في غلاسكو الإسكتلندية عام 2021، فشلت رئاسة المناخ في تمرير بند في الوثيقة الختامية يقضي بالتخلص من الفحم تدريجيًا، إذ ضغطت كل من الهند والصين على رئيس القمة حينها ألوك شارما: لتعديل البند ليتحول الالتزام إلى الخفض التدريجي للفحم.

الحقيقة أن الهند والصين لديهما العذر الكافي لتعديل هذا البند، فالدولتان العملاقتان، اللتان يقطنهما ما يقارب من 3 مليارات نسمة، تعتمدان على الفحم مصدرًا رئيسًا للكهرباء؛ إذ تحصل الأولى على 70% من الكهرباء المستهلكة من محطات حرق الفحم، ولا تختلف الأخرى كثيرًا؛ إذ تزيد نسبة الكهرباء المولدة بالفحم لديها على 60%.

قد يستطيع زوار شرم الشيخ تحمل غياب قطع اللحم الشهية المشوية على الفحم، لكن غياب الفحم في الدولتَين سيترك أثرًا سلبيًا في مختلف جوانب الحياة، وسينعكس على معدلات التنمية وخلق الوظائف، ما يبرر الضغط على ألوك شارما لتعديل بند الفحم في قمة غلاسكو، وعدم التهاون في ذلك، أو الضعف أمام دموع رئيس القمة التي اقتربت من مغادرة عينيه عند إذاعة البيان الختامي.

الدولتان تسيران بخطى سريعة باتجاه الطاقة المتجددة، فقد صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، قبل أيام، بأن بلاده تستهدف الوصول بالقدرة المركبة من طاقة الشمس والرياح إلى 3 آلاف و600 غيغاواط بحلول 2035، وأكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أن هدف نيودلهي الوصول إلى 500 غيغاواط في 2030.

معدلات طاقة نظيفة تاريخية

نجحت كل من بكين ونيودلهي في زيادة معدلات توليد الطاقة النظيفة إلى مستويات تاريخية في 2025، غير أن الدولتين اللتَيْن تحتلان مركزَيْن متقدمَيْن في قائمة أكبر الدول اقتصاديًا (تحتل الصين المركز الثاني بعد أميركا، وقفزت الهند مؤخرًا إلى المركز الرابع بدلًا من السادس، وتطمح إلى الإطاحة بألمانيا من المركز الثالث لتأخذ مكانها) تطمحان إلى مزيد من التقدم والتنمية الاقتصادية، ولا تستطيعان المراهنة على الطاقة المتجددة غير الموثوقة في توفير احتياجات التنمية الطاقية.

فعلى الرغم من أن كهرباء الطاقة الشمسية والرياح رخيصة، فإن معدل توليدها سيظل رهنًا بظروف الطقس من قوة سطوع الشمس ومدته، وشدة هبوب الرياح، ما يعني الحاجة إلى بطاريات تخزين ضخمة، لكن مساعي الصناعة لذلك لم تفلح في إنتاج بطاريات بحجم يفي بهذا الغرض.

وتحتاج كهرباء الطاقة الشمسية والرياح أيضًا إلى مشروعات تطوير شبكات النقل لاستيعاب الفائض وتوزيعه إلى مناطق أخرى؛ لا تلائم ظروف الطقس توليد الكهرباء فيها في أوقات معينة، وتلك المشروعات تحتاج إلى استثمارات هائلة، يصعب توفيرها في الدول المتقدمة، فما بالنا بالوضع في الدول النامية.

حتى المصادر الأخرى للطاقة النظيفة مثل الكهرومائية (المولدة عبر السدود)، باتت مهددة بسبب موجات الجفاف المتكررة، كما حدث في البرازيل التي تستضيف قمة المناخ "كوب 30" في نوفمبر/تشرين الثاني المُقبل (2025).

جفاف وحرائق

تعرّضت البرازيل التي تعتمد على 70% من كهرباء السدود، خلال السنوات الأخيرة، إلى أسوأ موجات الجفاف في ما يقارب من 100 عام.

كما تواجه الدولة الأميركية الجنوبية حرائق غابات سنويًا تلتهم مساحات هائلة من غابات الأمازون، التي تزوّد العالم بنحو 20% من الأكسجين الذي يتنفسه سكانه.

ورغم تضرر دولة المحطة المقبلة لقمة المناخ "كوب 30" بشدة، وإصرارها على أن تكون بيليم في غابات الأمازون مقرًا للمشاركين في الحدث العالمي الأممي، رغبة منها في تسليط الضوء على أزمة تغير المناخ، فإنها تسعى إلى تنمية ثرواتها من النفط والغاز في أنحاء البلاد، حتى في غابات الأمازون نفسها.

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا - الصورة من فرانس 24

وتسبّبت مساعي شركة النفط المملوكة للدولة "بتروبراس" للحفر والتنقيب في حوض فوز دو أمازوناس الحساس بيئيًا بنهر الأمازون، في إثارة غضب راوني ميتوكتيري، الناشط البيئي المعترف به دوليًا لعقود (عمره 89 عامًا).

وكان الناشط من ضمن القليلين الذين دعاهم الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إلى دعمه عندما أدى اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثالثة في يناير/كانون الثاني 2023، ما يعني أنه يدرك حجم أزمة تغير المناخ، لكن هو نفسه الذي هاجم وكالة البيئة (إيباما) لتأخرها في منح الشركة ترخيصًا لاستكشاف النفط في الحوض.

دا سيلفا الذي خاض معارك سياسية كبيرة واقتصادية ضد الفقر، لا يستهين بغابات الأمازون المطيرة، أو بالبيئة، لكنه يدرك أن النهوض ببلاده، وتخفيف أعباء الواردات يحتاج إلى طاقة محلية، لذلك يدعم إنتاج الطاقة حتى إذا كانت من مصادر الوقود الأحفوري.

*حياة حسين - صحفية مصرية متخصصة في قضايا المناخ

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

نرشح لكم..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق