قطاع المحروقات في سوريا.. خط زمني من الفوضى إلى الاستقرار
سامر أبووردة

شهدت المحروقات في سوريا تحولات عاصفة منذ اندلاع الحرب عام 2011، إذ انتقل القطاع من حالة الانهيار والفوضى إلى مسار إصلاحي جديد بعد خلع نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، ليبدأ عهد إعادة التنظيم والبحث عن الاستقرار.
ووفقًا لتقرير مصور تابعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تدهورت البنية التحتية للمحطات وتفشّى التقنين المصطنع، في السنوات الأولى من الصراع، في حين سيطرت السوق السوداء على عمليات التوزيع، وتحولت المحروقات إلى أداة يستعملها نظام بشار الأسد للضغط السياسي والفساد المالي.
ومع فقدان النظام السيطرة على الحقول النفطية والغازية في شرق البلاد، دخلت قوى متعددة على خط الاستحواذ، بدءًا من الفصائل المحلية ثم تنظيم داعش، وصولًا إلى قوات سوريا الديمقراطية.
هذا التشابك أدى إلى فوضى غير مسبوقة في إدارة الموارد، مع استمرار معاناة الشعب السوري من أزمات خانقة.
ومثّلت مرحلة ما بعد سقوط النظام نقطة انعطاف مهمة في مسار القطاع، إذ انتقلت الأزمة من شحّ شديد إلى وفرة نسبية بفعل فتح قنوات استيراد جديدة والتعاون مع القطاع الخاص.
فقدان السيطرة وبروز السوق السوداء
يقول معاون وزير الطاقة لشؤون النفط، غياث دياب: "شهد قطاع النفط في سوريا تغيرات كبيرة مع اندلاع الثورة، إذ بدأ النظام يفقد السيطرة تدريجيًا على الحقول النفطية والغازية في دير الزور والرقة والحسكة، ثم تقاسمت السيطرة أطراف متعددة، بدءًا من الفصائل المحلية، قبل أن يستحوذ تنظيم داعش على النفط ليجعله سلاحًا اقتصاديًا".
وأضاف: "مع بروز قوات سوريا الديمقراطية، استُعملت الموارد النفطية في تلبية احتياجات محلية، بينما بيعَ جزء آخر في الأسواق السوداء، وسُلِّم جزء محدود للنظام".
وبحسب دياب، فإن النظام السابق كان يصطنع الأزمة متذرّعًا بالعقوبات، عبر توزيع كميات قليلة بسعر مدعوم، في حين يوجّه الكميات الأكبر إلى شركات مقرّبة تبيعها بأضعاف السعر، محققةً أرباحًا هائلة".
تحديات ما بعد التحرير
مع انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، واجهت السلطات الجديدة تحديًا معقّدًا في توفير المحروقات.
وفي هذا السياق، أوضح دياب، أن "غياب بيانات دقيقة عن الاستهلاك الحقيقي وصعوبة تأمين التوريدات في ظل العقوبات فرضا على الإدارة المؤقتة اللجوء إلى المخزون الاحتياطي"
وأضاف: "بدأنا من محافظة إدلب، ووزّعنا المواد حسب الأولويات من جيش وأمن وأفران ومستشفيات ومرافق عامة، ثم جرى التوسع ليشمل عموم المواطنين".
وبالتوازي، اتجهت الخطط إلى إيجاد مصادر بديلة عبر الاستيراد والتكرير، لضمان استمرار الإمدادات، وهو ما ساعد على استقرار نسبي في السوق وخلق بيئة تنافسية مع القطاع الخاص.

المحروقات في سوريا
في الشمال السوري المحرر، ظل السكان يعتمدون على النفط الوارد من الجزيرة، لكن انقطاعه المتكرر أجبرهم على اللجوء إلى التكرير البدائي عبر "الحرّاقات"، إذ وفرت هذه الوسائل منتجات غير مطابقة للمواصفات وتسببت بأضرار بيئية وصحية جسيمة.
ومع مرور الوقت، بدأت شراكات القطاع الخاص باستيراد المحروقات من تركيا، إلى جانب إنشاء مخزون إستراتيجي، ما أسهم في إنهاء حالة الفوضى وفتح الطريق أمام الاستثمار.
وأشار دياب إلى أن "الخطط الإستراتيجية شملت اقتراح تحويل الإدارة العامة للنفط إلى شركة قابضة تخضع للقانون التجاري، وهو ما لقي قبولًا واسعًا، ويمهد للتعاون مع شركات عالمية في إعادة تأهيل الحقول والمصافي وخطوط النقل".
تجربة إدلب وريف حلب
مع حلول عام 2025، انطلقت تجربة ناجحة في إدلب وريف حلب مع شركات مرخّصة لتشغيل محطات وقود حديثة ومعامل غاز محلية.
ووفرت هذه الخطوة استقرارًا في الأسعار، وأدخلت أنظمة مراقبة دقيقة للجودة والمخزون، ما جعلها نموذجًا وطنيًا لإنهاء فوضى السنوات السابقة.
وفي هذا السياق، قال المدير العام للشركة السورية لنقل وتوزيع المحروقات "سادكوب"، طارق عصفور: "مع وفرة المحروقات لم يعد للبطاقة الذكية أيّ دور يُذكر، بعدما ارتبطت في أذهان المواطنين بالتقنين والأزمات".
وتابع: "رغم استمرار ربط مادة الغاز بها حتى يوليو/تموز، فإن النتائج لم تكن مرضية".
وأضاف عصفور: "رغم التحديات، قطعت الشركة شوطًا مهمًا في إعادة تأهيل البنى التحتية، إذ جرى تأهيل خزانات بوقا وعدرا جزئيًا، وإعادة تأهيل أسطول النقل بنسبة 30%".
وأشار إلى رفع الطاقة الإنتاجية في وحدات تعبئة الغاز المنزلي بنسبة 25%، موضحًا أن هذه الجهود ساعدت على تأمين المادة بشكل مستقر في عموم البلاد.
وأضاف أن "شركة المحروقات تركّز اليوم على تنويع مصادر التوريد، عبر الاعتماد على مصفاتي حمص وبانياس، إلى جانب الغاز المنزلي من التوريد البحري، إضافة إلى كميات برّية محدودة من الدول المجاورة".
من الفوضى إلى التنظيم
بين فوضى الأمس واستقرار اليوم، قطع قطاع المحروقات في سوريا رحلة طويلة من الانهيار إلى التنظيم.. لم تعد الطوابير الطويلة مشهدًا مألوفًا، ولم تعد المحسوبية شرطًا للحصول على جرة غاز.
ورغم بقاء تحديات البنية التحتية والعقوبات، فإن التجربة الحالية تعكس قدرة القطاعات الحيوية على التحول من أدوات فساد وضغط سياسي إلى محركات استقرار وتنمية اقتصادية شاملة.
موضوعات متعلقة..
- بعد منحة النفط السعودي.. هذه تطورات مفاوضات سوريا مع 3 دول
- السعودية تدعم سوريا بـ1.6 مليون برميل نفط مجانًا (فيديو)
- سوريا تعيد إحياء أنبوب لنقل المشتقات النفطية.. بعد 14 عامًا من توقفه
اقرأ أيضًا..
- تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية في الصين تجذب السعودية
- خطة طموحة لتحويل النفايات إلى هيدروجين في سلطنة عمان بشراكة بريطانية
- إنتاج حقل الناصرية في العراق يرتفع إلى 85 ألف برميل يوميًا
المصدر: