بعد فشل صفقة الغاز.. 4 حلول ذهبية يفرِّط فيها العراق (مقال)

قبل أيام، فشلت بشكل شبه رسمي صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق، بعد رفض الولايات المتحدة الأميركية استيراد بغداد للوقود من خلال إيران، أو استفادتها من أيّ أموال سيدفعها العراق نظير الصفقة.
هذا الفشل ليس مفاجأة على الإطلاق، بل كان متوقعًا، وحذّرنا منه مرارًا وتكرارًا سواء عبر مقالات رأي أو تقارير قائمة على معلومات خاصة، لكن الطرف الوحيد الذي تفاجأ من أمر بدهي هو العراق نفسه، الذي أصرّ على المخاطرة وتوقيع صفقة محكوم عليها بالفشل.
كان العراق يطمح لاستيراد 20 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز التركمانستاني عبر إيران، من خلال آلية ضخ الغاز التركمانستاني إلى الشمال الإيراني، ثم تحصل بغداد على الكمية نفسها من غاز إيران عبر الجنوب (نظرًا لعدم وجود خط أنابيب مباشر يمتد من تركمانستان إلى جنوب إيران).
هذه الصفقة التي تعود إلى 3 سنوات مضت، كان مقررًا لها بدء الضخ هذا الصيف، لكن مع إلغاء الإعفاء الأميركي الممنوح للعراق بالنسبة لاستيراد الطاقة عبر إيران، فقد رفضت وزارة الخزانة الأميركية أيّ تمديد جديد، وبناءً عليه، تستمر الأزمة كما هي.
ففي الوقت الحالي، تعتمد بغداد على الغاز الإيراني فقط، وهي كمية لا تتجاوز الآن 20 مليون متر مكعب يوميًا، لكنها هي الأخرى "في خطر"، وقد تتوقف في أيّ لحظة بناءً على قرار أميركي متوقع.. فماذا سيفعل العراق حينها، وهل هو جاهز لهذه الخطوة؟
الحقيقة أن العراق لم يفكر في هذه الخطوة بجدّية، أو ربما "بتعمُّد"، إذ تخلّى عن أمور بدهية في ضرورة تنويع مصادر إمدادات الطاقة، رافضًا التخلي عن الحليف الإستراتيجي "إيران" التي لم تقدّم شيئًا لصديقها سوى توريطه في أزمة غاز مستمرة.
حلول أزمة الغاز في العراق
تتوقف حلول أزمة الغاز في العراق على وجود إرادة حقيقية من قادة الدولة لما يلي: أولًا، التخلي عن واردات الطاقة الإيرانية، ثانيًا، البحث الفوري عن مصادر بديلة ومستدامة.
ومن وجهة نظرنا، فهذه 4 حلول لأزمة نقص الغاز أو الكهرباء في العراق، مع مراعاة الترتيب، وأن بعضها يستغرق تنفيذه عدّة سنوات، لكن يمثّل حلًا إستراتيجيًا على المدى الطويل:
- استيراد الغاز المسال.
- زيادة الاعتماد على محطات الديزل.
- التوسع في محطات كهرباء الدورة المركبة.
- خط الغاز العربي.
الخطوة الأولى والسريعة التي لا نعلم لماذا أضاع العراق الوقت في سبيل تنفيذها، هي خطوة استيراد الغاز المسال.
فقبل ثلاث سنوات ونصف السنة، وتحديدًا 7 فبراير/شباط من عام 2022، وقّع وزير الكهرباء حينها عادل كريم (يعمل حاليًا مستشارًا لرئيس الوزراء) اتفاقًا مع قطر لاستيراد الغاز المسال بكمية مبدئية تبلغ 1.5 مليون طن سنويًا.
لكن منذ ذلك الحين، لم يأخذ العراق الخطوة على محمل الجد، وتجاهَل المضي قدمًا في تجهيز البنية التحتية اللازمة للاستيراد، إلى أن بدأ التحرك في منتصف هذا العام (2025) من خلال تجهيزات في ميناء خور الزبير بمحافظة البصرة، وكان من المفترض الانتهاء منها واستيراد أول شحنة غاز مسال هذا الصيف.
والنتيجة الآن.. التجهيزات لم تكتمل، والعقود النهائية للاستيراد لم توقَّع.. لكن إذا أراد العراق بصدق حسم هذا الملف، فيمكنه خلال 3 شهور فقط وبحدّ أقصى، استيراد الغاز المسال، مع العلم أن هذه الخطوة لن تنهي الأزمة كاملة، فنتيجةَ قلة عدد محطات الكهرباء، استيراد أكثر من 1.5 مليار قدم مكعبة يوميًا.
هنا أيضًا نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن العراق أعلن سابقًا أنه سيستورد فقط في حدود 400 مليون قدم مكعبة يوميًا، وهذا لا يكفي سوى توفير 2000 ميغاواط من الكهرباء.
لكن إذا أردت بغداد الاستغناء الكامل عن واردات الغاز من إيران، فهي بحاجة إلى استيراد 1.5 مليار قدم مكعبة يوميًا من الغاز المسال.
الحل الثاني، هو زيادة الاعتماد على المحطات التي تعمل بالنفط/الديزل، فالعراق لديه قدرة إنتاجية ضخمة من النفط (تتجاوز 4 ملايين برميل يوميًا)، والأجدر به أن يستفيد منها سواء في زيادة تشغيل المحطات الحالية، أو بناء محطات جديدة تعمل بالديزل.. وحتى إذا بات هذا الحل مرفوضًا عالميًا في إطار الدعوة لخفض الانبعاثات، فإن توفير الكهرباء هو الأهم لملايين المحرومين منها.
وثالثًا، يأتي التوسع في محطات الدورة المركبة، التي تعمل بالغاز، وأيضًا تقوم على الاستفادة من الحرارة المُهدرة لتوليد المزيد من الكهرباء.
خط الغاز العربي
أرى أن الحل الرابع، وهو خط الغاز العربي، يمثّل فرصة ذهبية وإستراتيجية للعراق على المدى الطويل، وحقيقةً لا أعلم لماذا تجاهلت بغداد هذا الحل على مدار 21 عامًا، وتحديدًا 4 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2004، عندما وقّعت اتفاقًا للانضمام إلى هذا المشروع.
وحاليًا، يجمع خط الغاز العربي دول: مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان.
وعندما وقّع العراق هذا الاتفاق، كان يهدف إلى تصدير الغاز لأوروبا عبر خط الغاز العربي مرورًا بمصر، لكنه الآن بات في حاجة ماسّة لإعادة إحياء هذا المشروع الحيوي، ليتمكن بموجبه من استيراد الغاز الطبيعي من مصر أو الأردن، مرورًا بالأراضي السورية، أو الاستيراد من تركيا أيضًا عبر دمشق.
والأقرب الآن بالنسبة للعراق، هو بناء أنبوب يمتد من مدينة حمص السورية، وحتى أقرب نقطة للشبكة في العراق، أو الحصول على الغاز التركي عبر خط أنابيب يتصل بمدينة حلب السورية، ومنها إلى "كلس" التركية.
وهناك حل آخر نرى أنه الأفضل من حيث التكلفة، ويتمثل في بناء خط أنابيب يربط بين شرق العراق ومرافق الغاز في حقل الريشة الأردني (يقع بمحاذاة الحدود العراقية).
هذا الخط سيتصل بأنبوب الغاز العربي خلال سنوات قليلة، إذ يعمل الأردن حاليًا على بناء وصلة من حقل الريشة وحتى أقرب نقطة لخط أنابيب الغاز العربي، وذلك بعد اكتشافه احتياطيات كبيرة بالحقل خلال عام 2024.
الخريطة أدناه من منصة الطاقة، توضح مسار خط أنابيب الغاز العربي، وباللون الأحمر تظهر الوصلة التي سيبنيها الأردن، ويتضح أيضًا قرب المسافة بالحدود العراقية.
وسواء كان استيراد الغاز من مصر أو الأردن أو تركيا، فإنه سيكون عبارة عن "غاز مسال" سيتعاقد عليه العراق، ثم يخضع لإعادة التغويز (تحويله إلى صورته الطبيعية) في المرافق الموجودة حاليًا في الدول الثلاث.
وعلى سبيل المثال، فإن سوريا نجحت مؤخرًا في استيراد الغاز الأذربيجاني عبر تركيا من خلال خط أنابيب كلس، وقبلها تتبادل مصر والأردن الغاز عبر خط الغاز العربي، وكذلك يخطط لبنان للاستيراد عبر الخط نفسه.
الخلاصة..
الحلول السابقة كلّها حلول إستراتيجية، ونرى أنها واقعية، سواء على المدى القصير أو الطويل، مع مراعاة أن هناك خطوات أخرى ستسهم في الحل أيضًا، منها:
التوقف الفوري عن حرق الغاز المصاحب، والاستفادة منه في محطات الكهرباء، فالعراق يحرق سنويًا نحو 17.37 مليار متر مكعب من الغاز، بحسب أحدث بيانات وحدة أبحاث الطاقة لعام 2024.
تسريع خطوات بناء محطات الطاقة الشمسية، سواء المشروع الحالي في كربلاء، أو مشروع توتال إنرجي الفرنسية في محافظة البصرة.
*عبدالرحمن صلاح، مدير تحرير منصة الطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
نرشح لكم:
- تغطية خاصة لمستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية.
- ملف خاص عن مشروعات الطاقة الشمسية في الدول العربية.
- خريطة المناجم في الدول العربية.. كنوز واحتياطيات ضخمة