6 دول تتنافس على دعم قطاع الطاقة السوري
سامر أبووردة

يشهد قطاع الطاقة السوري في الآونة الأخيرة سباقًا متصاعدًا بين 6 دول إقليمية ودولية، تسعى لتعزيز حضورها في مشهد إعادة الإعمار، من خلال استثمارات مباشرة، وصفقات في الكهرباء والغاز والنفط، فضلًا عن منح نفطية ومشروعات متجددة.
ووفق بيانات قطاع الطاقة في سوريا لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يأتي هذا التنافس خلال وقت تواجه فيه دمشق فجوة كبيرة بين الإنتاج والطلب؛ إذ لا يتجاوز إنتاج الكهرباء 1.6 غيغاواط، مقارنةً بـ9.5 غيغاواط قبل عام 2011، في ظل تراجع إنتاج النفط المحلي وتضرر البنية التحتية بفعل الحرب.
ويتركّز الدعم الخارجي لقطاع الطاقة السوري على مشروعات توليد الكهرباء والربط الإقليمي، وتوفير الغاز والنفط، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة.
وتبرز قطر وتركيا والسعودية في مقدمة الداعمين عبر صفقات مليارية، في حين تسعى أميركا وروسيا والأردن إلى تعزيز حضورها بوسائل مختلفة؛ ما يجعل قطاع الطاقة في سوريا ساحة لتقاطع المصالح الإستراتيجية في المنطقة.
الدعم القطري لقطاع الطاقة السوري
تقدّمت قطر الصفوف عبر تمويل أكبر صفقة كهرباء في تاريخ سوريا، بقيمة 7 مليارات دولار أميركي، من خلال مجموعة "أورباكون" (يو سي سي القابضة).
وتتضمن المشروعات إنشاء 4 محطات توربينات غازية بطاقة 4 آلاف ميغاواط في دير الزور، ومحردة، وزيزون بريف حماة، وتريفاوي بريف حمص، إضافة إلى محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط في وديان الربيع.
وتُقدَّر الطاقة الإنتاجية لهذه المشروعات بنحو 5 آلاف ميغاواط، بما يقلّص العجز الكبير، ويخلق 50 ألف وظيفة مباشرة وربع مليون وظيفة غير مباشرة.
كما برز الدور القطري في تمويل صفقة الغاز الأذربيجاني، التي دخلت حيّز التنفيذ مطلع أغسطس/آب 2025، ووفرت 3.4 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز لسوريا، بما يتيح إنتاج 750 ميغاواط إضافية وزيادة ساعات التغذية اليومية بنحو 4 ساعات.
ودعمت الدوحة أيضًا واردات الغاز عبر الأردن، بكمية مبدئية 2 مليون متر مكعب يوميًا منذ مارس/آذار 2025، قبل أن تتوقف لاحقًا بسبب تغييرات في عمليات التغويز، مع مفاوضات لمضاعفتها إلى 4 ملايين متر مكعب بعد استئنافها.
وتُموَّل هذه المبادرات عبر صندوق قطر للتنمية ضمن برنامج "إحياء الكهرباء في سوريا".

الدعم التركي لقطاع الطاقة السوري
بالتوازي مع الدوحة، كثّفت أنقرة جهودها لتعزيز قطاع الطاقة السوري. فقد أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، رفع صادرات الكهرباء إلى سوريا من 281 ميغاواط إلى 360 ميغاواط خلال أسابيع، مع خطة للوصول إلى 900 ميغاواط في الربع الأول من العام المقبل (2026).
وتعتمد هذه الخطط على اتفاقية وُقّعت في مايو/أيار 2025، تشمل تزويد سوريا بـ6 ملايين متر مكعب يوميًا من الغاز، وتوفير 1000 ميغاواط من الكهرباء عبر خط مباشر بين مدينة كلّس التركية وحلب.
ويُنتظر تشغيل خط الربط الكهربائي بجهد 400 كيلوفولت قبل نهاية 2025، بما يتيح نقل الكهرباء بكفاءة إلى الداخل السوري.
وتُظهر التقديرات أن إمدادات الغاز التركي قادرة على توليد نحو 1200 ميغاواط، تكفي لتلبية احتياجات 5 ملايين أسرة.
وتؤكد أنقرة أن هذا التعاون يهدف إلى استقرار الإمدادات وتسريع إعادة الإعمار، ما يعكس تحوّلًا إستراتيجيًا في العلاقة بين البلدين.

الدعم السعودي لقطاع الطاقة السوري
عزّزت السعودية حضورها عبر صفقات ومنح نفطية؛ ففي أغسطس/آب 2025، شهد معرض دمشق الدولي توقيع اتفاقية و6 مذكرات تفاهم مع وزارة الطاقة السورية، لتطوير الكهرباء والنفط والغاز.
وشملت الصفقات التعاون في محطات الكهرباء والنقل والتوزيع، وخدمات الحقول النفطية وحفر الآبار وصيانتها، بالإضافة إلى إعداد دراسات لمحطات شمسية بقدرة 1000 ميغاواط، ومزارع رياح تصل إلى 1500 ميغاواط.
كما وقّعت شركات سعودية أخرى اتفاقيات في الاستكشاف والإنتاج ومعالجة الغاز، إلى جانب برامج تدريبية لتعزيز القدرات الفنية المحلية.
وفي 11 سبتمبر/أيلول 2025، قدّمت الرياض منحة نفطية ضخمة عبر الصندوق السعودي للتنمية، بلغت 1.65 مليون برميل من الخام مجانًا لدمشق، لتلبية جزء من احتياجات المواطنين وضمان تشغيل محطات الكهرباء.
وتأتي هذه الخطوات في حين تسعى سوريا لاستيراد 7 ملايين برميل من الخام لتغطية الطلب؛ ما يجعل الدعم السعودي عنصرًا مهمًا في موازنة السوق المحلية.

الدعم الأميركي لقطاع الطاقة السوري
شهدت العلاقات الأميركية-السورية تحوّلًا بعد رفع العقوبات في يونيو/حزيران 2025؛ إذ أعلنت شركات بيكر هيوز وهانت إنرجي وأرجنت خطة شاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية للنفط والغاز والكهرباء، تشمل التنقيب والإنتاج ومحطات الدورة المركبة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت، جوناثان باس، إن الخطة تهدف إلى إنعاش القطاع بالتنسيق مع السلطات السورية، في ظل الحاجة إلى استثمارات بمليارات الدولارات لسد الفجوة بين الإنتاج والطلب.
وتزامن ذلك مع إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي بعد إزالتها من لوائح العقوبات الأميركية؛ ما فتح الباب أمام تدفقات بالدولار واستقطاب استثمارات أجنبية.
كما بحث وزير الطاقة السوري محمد البشير، مع نائب رئيس غرفة التجارة الأميركية فرص التعاون، وسط اهتمام متزايد من المستثمرين الأميركيين؛ ما يشير إلى دور متنامٍ لواشنطن في دعم قطاع الطاقة السوري مستقبلًا.
الدعم الروسي لقطاع الطاقة السوري
تسعى روسيا إلى استعادة دورها المفقود في دمشق بصفتها كانت أحد أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد؛ إذ زار نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، دمشق، في سبتمبر/أيلول 2025، وأعلن بحث مشروعات لإعادة تأهيل قطاع الطاقة السوري بالتعاون مع قطر.
كما واصلت موسكو تعزيز إمدادات الخام؛ إذ استقبلت سوريا منذ بداية 2025 حتى مايو/أيار نحو 350 ألف طن (2.6 مليون برميل) من النفط الروسي القادم من القطب الشمالي، بالإضافة إلى شحنات ديزل.
وأظهرت بيانات بورصات لندن تحميل الناقلة "ميتزل" 140 ألف طن من ميناء مورمانسك إلى بانياس، بعد شحنات من ناقلات أخرى مثل "سكينة" و"أكواتيكا".
وتأتي هذه الإمدادات لتعويض توقف النفط الإيراني الذي كان يغذي المصافي حتى نهاية 2024؛ ما أدى إلى إغلاق مؤقت لمصفاة بانياس.
واستأنفت المصفاة عملها في أبريل/نيسان 2025 بعد استلام الشحنات الروسية وإجراء إصلاحات فنية.
غير أن مصادر بوزارة الطاقة السورية أوضحت أن الشحنات لا تأتي ضمن اتفاق حكومي مباشر، بل عبر تجار وشركات.
الدعم الأردني لقطاع الطاقة السوري
توسّع التعاون بين عمّان ودمشق في مجال الكهرباء والغاز والطاقة المتجددة؛ إذ أعيد تفعيل الربط الكهربائي عند معبر نصيب عام 2024، وتدرس وزارة الطاقة الأردنية رفع قدرته إلى 300 ميغاواط، بدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
كما بحث الأردن تزويد سوريا بما يصل إلى 40 ألف أسطوانة غاز منزلي يوميًا خلال الصيف، عبر منشآت التكرير في الزرقاء.
ويقوم المشروع على استقبال الأسطوانات الفارغة وإعادة تعبئتها ثم إعادتها إلى سوريا، ما يساعد في تقليص أوقات الانتظار الطويلة.

واتفق الجانبان على زيادة كميات الغاز الموردة عبر الأردن من قطر، بكمية أولية 2 مليون متر مكعب يوميًا، مع مفاوضات لمضاعفتها إلى 4 ملايين متر مكعب، إذ ستُسهم هذه الكميات في توليد نحو 400 ميغاواط إضافية بتمويل قطري.
إلى جانب ذلك، تُبحث فرص استثمارية في الطاقة المتجددة، إذ تمتلك عمّان خبرة متقدمة، في حين وقّعت دمشق اتفاقيات لإقامة 4 محطات شمسية جديدة، مع فتح الباب أمام الشركات الأردنية للاستثمار في السوق المحلية.
الخلاصة:
بهذا المشهد، يبدو أن قطاع الطاقة السوري بات ساحة مفتوحة لتنافس 6 دول على إعادة الإعمار، خلال وقت تتزايد فيه حاجة دمشق إلى الدعم الخارجي لسد العجز الكبير في الكهرباء والوقود، وإعادة بناء شبكة الطاقة التي تضررت بشدة على مدار أكثر من عقد من الحرب.
موضوعات متعلقة..
- قطاع الطاقة في سوريا يُظهر معاناة 14 عامًا من الحرب.. ماذا بعد؟
- قطاع الكهرباء في سوريا يتلقى دعمًا جديدًا.. هل تُغير تركيا المشهد المأزوم؟ (تقرير)
- صفقة قطر لدعم قطاع الكهرباء في سوريا بـ7 مليارات دولار تواجه عدة تحديات
اقرأ أيضًا..
- أمين عام أوبك في الذكرى الـ65 لتأسيسها: سنظل ركيزة صناعة النفط.. وباقون لعقود
- الطاقة الشمسية في الدول العربية.. خبير يسلط الضوء على أبرز التطبيقات
- 4 مزايا لتصدير النفط العراقي عبر سلطنة عمان
المصادر:
- توقيع اتفاقية و6 مذكرات تفاهم في مجالات الطاقة المختلفة بين شركات سعودية ووزارة الطاقة السورية، من وزارة الطاقة السعودية.
- شركات أمريكية تعد خطة شاملة لقطاع الطاقة السوري بعد رفع ترمب للعقوبات، من "رويترز"