التقاريرتقارير الطاقة المتجددةسلايدر الرئيسيةطاقة متجددة

الطاقات المتجددة في الجزائر.. قصة وزارة حائرة وصلاحيات غائبة

سامر أبووردة

قبل عدة سنوات، وتحديدًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، استُحدثت وزارة الطاقات المتجددة في الجزائر ضمن هيكلة حكومية جديدة، عكست آنذاك رغبة رسمية في تسريع الانتقال الطاقوي وتعزيز مصادر الكهرباء النظيفة.

غير أن الوزارة لم تعمّر طويلًا؛ إذ أُلغيت لاحقًا في تعديلات متكررة، قبل أن تعود مرة أخرى ضمن التشكيل الحكومي الذي أُعلن في 14 سبتمبر/أيلول 2025.

وبين العودة والإلغاء، ظلّت الطاقات المتجددة في الجزائر قطاعًا حائرًا لم يحقق قفزات تُذكر، رغم كثافة الخطط المعلنة وتعدد الأسماء التي تولّت الملف، سواء بصفة وزير أو كاتب دولة.

ووفقًا لتقديرات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)؛ فإن المعضلة الرئيسة تكمن في غياب رؤية مستقرة وصلاحيات واضحة، وهو ما انعكس على تعطّل المشروعات الإستراتيجية وعدم اتخاذ قرارات استثمارية حاسمة.

تأرجح وزارة الطاقات المتجددة في الجزائر

بدأت القصة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما أعلن الرئيس عبدالمجيد تبون تأسيس وزارة للانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، في إطار التزاماته في الحملة الانتخابية.

وكان الهدف المعلن هو تسريع مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، مع التركيز على مزيج متنوع ومستدام للكهرباء.

لكن التغييرات المتلاحقة أضعفت الزخم سريعًا، فبعد أشهر قليلة، خرج الوزير الأول شمس الدين شيتور من المنصب، وخلفه بن عتو زيان، في يوليو/تموز 2021.

وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة السابق بن عتو زيان
وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة السابق بن عتو زيان

لكن الأخير لم يستمر طويلًا، إذ أُلغي الكيان الوزاري نفسه في سبتمبر/أيلول 2022، ودُمجت اختصاصاته ضمن وزارة البيئة، لتصبح "وزارة البيئة والطاقات المتجددة"؛ إذ كُلّفت بها سامية موالفي، في حكومة أيمن بن عبدالرحمان.

وبعد عامين فقط، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أُعيد الملف مرة أخرى إلى وزارة الطاقة والمناجم، مع استحداث منصب "كاتب دولة" مكلّف لدى وزير الطاقة بشؤون الطاقة المتجددة، شغله المحافظ السابق للطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية نور الدين ياسع.

ورغم الآمال بأن يشكل هذا الترتيب إطارًا أكثر عملية؛ فإن الحصيلة بقيت محدودة، مع غياب قرارات استثمارية كبيرة.

إلغاء الوزارة بين التأييد والمعارضة

يرى بعض الخبراء أن إلغاء وزارة الطاقات المتجددة في الجزائر عام 2024 لم يكن بالضرورة انتكاسة، بل محاولة لإعادة تنظيم القطاع تحت مظلة واحدة هي وزارة الطاقة والمناجم.

وأكّد حينها الخبير الاقتصادي الجزائري مراد كواشي، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، أن القرار ساعد على خفض التكاليف الإدارية وتوحيد الصلاحيات، ولا سيما أن سونلغاز هي الجهة الفعلية المشرفة على المشروعات.

في المقابل، رأى آخرون أن الخطوة أضعفت استقلالية الملف، وأعادت الطاقات المتجددة في الجزائر إلى موقع ثانوي، بعد أن كان من المُفترض أن تتصدر أولويات الحكومة.

ويشير هؤلاء إلى أن غياب وزارة متخصصة أسهم في تفاقم التأخير بتنفيذ مشروعات مثل "سولار 1000".

الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور مراد كواشي

ويُعد مشروع "سولار 1000" أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في الجزائر، وكان من المقرر إطلاق إنتاجه الأولي منتصف 2023.

غير أن المشروع تعطّل مرارًا بسبب الضبابية حول الجهة الوصية عليه، بين وزارتي الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، قبل أن ينتهي به المطاف تحت إشراف سونلغاز في يونيو/حزيران 2023.

هذا التعثر، الذي جاء رغم وضوح أهميته الإستراتيجية، يعكس أزمة الحوكمة التي تواجه قطاع الطاقات المتجددة في الجزائر.

فالتأجيل المتكرر وفقدان البوصلة المؤسسية حالا دون استقطاب استثمارات كبرى، على الرغم من أن قدراته كانت تُقدر بأكثر من 1000 ميغاواط، ضمن برنامج وطني أوسع يستهدف 15 ألف ميغاواط من الطاقات النظيفة.

عودة الوزارة وتعيين مراد عجال

في 14 سبتمبر/أيلول 2025، قررت الحكومة إعادة إحياء وزارة الطاقات المتجددة في الجزائر، وأسندت حقيبتها إلى مراد عجال، الذي كان يشغل منصب الرئيس المدير العام لمجمع سونلغاز.

ويُنظر إلى عجال بوصفه شخصية بارزة في قطاع الطاقة؛ إذ يتملك خبرات طويلة في إدارة الكهرباء والغاز، وشارك في رسم إستراتيجيات إنتاج ونقل الكهرباء والغاز على مدى عقود.

ويأتي تعيينه في مرحلة يصفها مراقبون بأنها حاسمة، إذ تحتاج الجزائر إلى وضع سياسة وطنية واضحة تُسرّع الانتقال الطاقوي، مع موازنة الأمن الطاقي وتلبية الطلب المتنامي على الكهرباء.

لكن التحدي الأبرز أمامه، بحسب محللين، يتمثل في غياب تراكمات حقيقية للوزارة في نسخها السابقة، ما يجعله يبدأ من نقطة شبه صفرية.

وزير الطاقة المتجددة الجزائري الجديد مراد عجال
وزير الطاقة المتجددة الجزائري الجديد مراد عجال - الصورة من سونلغاز

تحديات أمام الوزير الجديد

اليوم، مع عودة وزارة الطاقات المتجددة وتعيين مراد عجال على رأسها، يبقى السؤال المطروح: هل ستكسر الجزائر حلقة الارتباك المؤسسي وتنجز تحولًا فعليًا رغم التحديات الكثيرة، ومن أبرزها:

  • جذب استثمارات ضخمة تواكب برنامج 15 ألف ميغاواط.
  • تحديث شبكات النقل والتوزيع لاستيعاب الإنتاج الجديد.
  • صياغة قوانين مرنة تمنح المستثمرين ثقة أكبر.
  • توطين التكنولوجيا وبناء قدرات محلية في التصنيع والتشغيل.

وبحسب باحثين في شؤون الطاقة؛ فإن سياسات الجزائر في هذا المجال تختلف عن دول أخرى، إذ لا يرتبط الانتقال الطاقوي فقط بخفض الانبعاثات أو تنويع المزيج الكهربائي، بل كذلك بالحفاظ على استدامة الغاز الطبيعي بوصفه موردًا رئيسًا للعملة الصعبة.

هذا البعد يجعل من الطاقات المتجددة أداة لدعم إستراتيجية الغاز أكثر من كونها مسارًا منفصلًا، وهو ما يفسر دمجها مرارًا مع وزارات الطاقة أو البيئة.

الخلاصة..

بعد 5 سنوات من التجارب المتكررة بين الاستحداث والإلغاء والدمج، تبدو وزارة الطاقات المتجددة في الجزائر كيانًا حائرًا أكثر من كونها أداة فاعلة.

وبينما تراهن الحكومة على الوزير الجديد مراد عجال لتغيير المعادلة، لا تخفي الوقائع أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات المؤسسية والمالية والتشريعية.

وبذلك، تظل قصة هذه وزارة الطاقات المتجددة في الجزائر مرآة لمعضلة أكبر تواجهها البلاد: كيف توازن بين إرثها بصفتها قوة غازية ونفطية كبرى، وبين طموحها المعلن للانتقال نحو الطاقة النظيفة؟

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق