مراكز البيانات في أوروبا تحتاج إلى شبكات كهرباء مستقرة جنوب القارة (تقرير)
نوار صبح

- المناطق الصناعية المهجورة في جنوب أوروبا تبرز ملاذات غير متوقعة لمراكز البيانات المتعطشة للكهرباء
- أوقات الربط بالشبكة في المراكز التقليدية مثل فرانكفورت ولندن وأمستردام تمتد إلى 13 عامًا
- الطلب العالمي على الكهرباء من مراكز البيانات سيتضاعف بحلول عام 2030
- في أوروبا استهلكت مراكز البيانات 96 تيراواط/ساعة من الكهرباء عام 2024
يتطلع مطورو مراكز البيانات في أوروبا إلى شبكات الكهرباء المستقرة جنوب القارة العجوز بسبب طول مدة الربط بالشبكة الذي قد يستغرق أكثر من 10 سنوات.
وبحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لتحديثات القطاع، تبرز المناطق الصناعية المهجورة في جنوب أوروبا ملاذاتٍ غير متوقعة لمراكز البيانات المتعطشة للكهرباء، نظرًا للازدحام الشبكات في الشمال.
وتمتد أوقات الربط بالشبكة في المراكز التقليدية مثل فرانكفورت ولندن وأمستردام إلى 13 عامًا، ما يفرض إعادة تفكير جذرية في الإستراتيجية الجغرافية لصناعة مراكز البيانات في أوروبا، التي تُقدَّر قيمتها الآن بنحو 44 مليار يورو (50.78 مليار دولار).
(يورو = 1.15 دولارًا أميركيًا)
في المقابل، يواجه القطاع أزمةً حقيقية، إذ من المتوقع أن يتضاعف الطلب بأكثر من الضعف بحلول عام 2035، مع احتمال تضخم القيمة السوقية إلى 90 مليار يورو بحلول عام 2030، وفقًا لمؤسسة أبحاث الطاقة إمبر.
الاستهلاك الكبير للكهرباء
يشير تشغيل البيانات الرقمية وتخزينها إلى أن مراكز البيانات تستهلك كمية كبيرة من الكهرباء.
وتضم هذه المرافق وتشغّل آلافًا، وأحيانًا ملايين، من خوادم الحاسوب ومعدّات الشبكات على مدار الساعة. من ناحية ثانية، تُولّد الخوادم قدرًا كبيرًا من الحرارة، وإذا لم تُبرّد بشكل صحيح، فقد ترتفع حرارتها وتتعطل.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، سيتضاعف الطلب العالمي على الكهرباء من مراكز البيانات بحلول عام 2030، ليصل إلى نحو 945 تيراواط/ساعة.
وهذا يُعدّ أكثر بقليل من إجمالي استهلاك الكهرباء في اليابان، ويُعدّ الذكاء الاصطناعي المحرك الرئيس لهذه الزيادة.

في أوروبا، استهلكت مراكز البيانات 96 تيراواط/ساعة من الكهرباء في عام 2024، أي ما يعادل 3% من إجمالي الطلب في القارة.
ووفقًا لشركة أبحاث الطاقة "إمبر"، سيرتفع الطلب بشكل كبير إلى 168 تيراواط/ساعة بحلول عام 2030 و236 تيراواط/ساعة بحلول عام 2035، أي أكثر من استهلاك الكهرباء الحالي في دول مثل إسبانيا أو إيطاليا.
شبكات الكهرباء الأوروبية
تواجه شبكات الكهرباء الأوروبية، المصممة للأحمال الصناعية المتوقعة، صعوبة في استيعاب الطلب الهائل والمركّز لمراكز البيانات.
بدورها، تستهلك مراكز البيانات حاليًا 21% من كهرباء أيرلندا، ومن المتوقع أن تصل إلى 30% بحلول عام 2030، وفقًا للرئيس التنفيذي لجمعية الكهرباء في أيرلندا، لدارا لينوت.
وتشهد مدن أمستردام ولندن وفرانكفورت مساهمة مراكز البيانات بنسبة تتراوح بين 33% و42% من الاستهلاك المحلي للكهرباء.
ويوجد نحو ثلثي سعة مراكز البيانات الأوروبية في فرانكفورت ولندن وأمستردام وباريس ودبلن، وهي أسواق تُعرف باسم أسواق "إف إل إيه بي-دي،" وفق تحديثات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة.
وتواجه مراكز الكهرباء الأولية هذه اختناقات في الوصول إلى الشبكة، ما يُجبر مطوري مراكز البيانات على السعي إلى التنوع الجغرافي.
وتعتقد شركة أبحاث الطاقة "إمبر" أن حصة سوق فرانكفورت ولندن وأمستردام وباريس ودبلن FLAP-D ستنخفض إلى 55% بحلول عام 2030، و51% بحلول عام 2035.
ودعا رئيس الرابطة الأوروبية لمراكز البيانات، ليكس كورز، إلى تنويع استثمارات مراكز البيانات بعيدًا عن التجمعات الحضرية الكبرى، حيث "تشهد المراكز الكبرى -فرانكفورت وأمستردام ودبلن- ازدحامًا خانقًا".
وأضاف: "لا يُمكن الانتظار عقدًا من الزمن لتوفير الربط الكهربائي بينما يتضاعف الطلب على الذكاء الاصطناعي".

تجاوز الاختناقات
يُجسّد الرئيس التنفيذي لشركة "ميديتيرا" (Mediterra) -مُطوّرة مراكز البيانات-، إيمانويل بيكر، هذا التحوّل الجغرافي.
وقد خصّصت الشركة، المدعومة من صندوق مؤسسي تسيطر عليه أغلبية مجموعة "دويتشه بنك" المصرفية، 250 مليون يورو لتطوير مراكز بيانات في إيطاليا، مع تخصيص 60% منها للمدن والبلدات الجنوبية.
ويُشير بيكر إلى أن مراكز البيانات في المدن الكبرى مثل باريس وميلانو ومدريد يجب أن تتنافس على الوصول إلى الشبكة مع قطاعات أخرى تحتاج إلى الكهرباء، مثل السيارات الكهربائية والإنتاج الصناعي وتبريد المنازل الخاصة.
ويقول، إن "ميديتيرا" تستثمر في مناطق "لا تعاني فيها الشبكة من مستوى الضغط نفسه، وتتميز بإنتاج محلي أكبر للطاقة الخضراء".
وتكشف إستراتيجية "ميديتيرا" كيف يتغلب المطورون على اختناقات الشبكة من خلال الابتكار التقني.
وبدلًا من الربط بشبكات نقل الجهد العالي التي تسيطر عليها شركات نقل الكهرباء -حيث يتراوح متوسط التأخير، حاليًا، بين 7 و10 سنوات، ويبلغ ذروته عند 13 عامًا في بعض مناطق الطلب عالية الكثافة في أوروبا-، تستهدف الشركة شبكات توزيع الجهد المتوسط التي يديرها مشغّلون محلّيون.
ونظرًا لأهمية الجدول الزمني لمستثمري مراكز البيانات، يوضح بيكر أن "إستراتيجية ميديتيرا تتلخص في العمل على الجهد المتوسط، "لذا لدينا قيود قليلة"، مشيرًا إلى مخاوفه من أن "عمليات التصاريح والتراخيص قد تؤدي أحيانًا إلى تأخيرات تعوق جدوى أعمالنا".
ووفقًا لبيكر، فإن نهج "ميديتيرا" يُمكّنها من تجنُّب طوابير الانتظار على مستوى النقل التي تُشلّ حركة المنافسين الأكبر حجمًا.
في إيطاليا وحدها، تمتلك شركة تشغيل نظام نقل الكهرباء "تي إس أوه تيرنا" (TSO Terna) نحو 40 غيغاواط من مشروعات مراكز البيانات في قائمة انتظار الربط لديها، وهو ما يعادل 70% من ذروة الطلب في البلاد في عام 2024.
وتعاني أسواق رئيسة أخرى من اختناقات مماثلة، حيث طبّقت شركة تشغيل نظام نقل الكهرباء الأيرلندية "أير غريد" (EirGrid) وقفًا فعليًا على خطوط الربط دبلن الجديدة حتى عام 2028.
وتسعى شركات تشغيل نظام نقل الكهرباء في شمال أوروبا جاهدة للتكيف، إذ بدأت شركة "إنرجينت" الدنماركية (Energinet) في وضع البلاد مركزًا لمراكز البيانات في عام 2017، حيث قامت ببناء محطات فرعية عالية الجهد استعدادًا لذلك.
من جهتها، تتوقع شركة "ستاتنت" النرويجية (Statnett) أن يتضاعف الطلب على الكهرباء في مراكز البيانات بحلول عام 2030، ليصل إلى 15 تيراواط/ساعة بحلول عام 2050.
وفي الوقت نفسه، يتأخر تطوير البنية التحتية لسنوات عن نمو الطلب، وينتهي الأمر بالمستعمِل النهائي بدفع التكلفة.
على سبيل المثال، في ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ارتفعت تكاليف إعادة التوزيع -المدفوعات لإدارة ازدحام الشبكة- من 113 مليون يورو في عام 2013 إلى 2.7 مليار يورو في عام 2022، على الرغم من أنها انخفضت منذ ذلك الحين إلى 1.6 مليار يورو في عام 2024.

التحديات في الجنوب
على الرغم من توجُّه مراكز البيانات نحو جنوب أوروبا، فإن الصورة ليست مشرقة.
على سبيل المثال، في البرتغال، تتلقى شركة "إي دي بي" (EDP) للمرافق طلبات ربط "تعادل ذروة الحمل في البلاد" في مدينة واحدة، وفقًا لكبيرة مسؤولي الهيدروجين ومراكز البيانات لدى شركة الكهرباء، آنا كويلهاس.
في حديثها خلال مؤتمر عقده مؤخرًا اتحاد "يوريلكرتيك" ( Eurelectric) -وهو اتحاد لصناعة الكهرباء في أوروبا- قالت كويلهاس: إن "إسبانيا تواجه ضغوطًا مماثلة، حيث تتجاوز الطلبات على مستويات النقل والتوزيع ذروة الحمل في البلاد".
ويرى بعض محامي قطاع الطاقة لدى شركة تطوير مراكز البيانات، "ميديتيرا"، فرصًا استثمارية لتطوير مراكز البيانات في جنوب أوروبا، حيث يمكن للتقنيات الجديدة أن تساعد في التغلب على تحديات التبريد خلال أوقات ذروة الحمل، وعادةً خلال فصل الصيف عندما يرتفع الطلب على التبريد.
موضوعات متعلقة..
- الطلب على الكهرباء من مراكز البيانات في أوروبا قد يرتفع 150%
- سوق الكهرباء في أوروبا تحت ضغط السياسات والأسعار.. ما دور حلول التخزين؟
- استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات.. كم تبلغ حصة الشرق الأوسط وأفريقيا؟
اقرأ أيضًا..
- دولة أفريقية تُعزز صادرات الغاز المسال إلى أعلى مستوى منذ 2022
- مخاطر تخزين الهيدروجين الطبيعي تكشفها 3 تفاعلات خفية
- الكهرباء في 100 عام.. كيف تحولت إلى عصب قطاع الطاقة العالمي؟
المصدر..