التقاريرأنسيات الطاقةتقارير التكنو طاقةتقارير الكهرباءتكنو طاقةسلايدر الرئيسيةكهرباء

كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الطلب على الكهرباء.. ومتى يكون "قاتلًا"؟ (تقرير)

أحمد بدر

خلال السنوات الأخيرة، شهد العالم قفزات هائلة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكذلك استهلاك الكهرباء، مدفوعة بعوامل تقنية واقتصادية واجتماعية متشابكة؛ إذ حدثت زيادة غير مسبوقة في الطلب العالمي على الكهرباء.

ووفقًا لمستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي؛ فإن من بين أهم الظواهر المؤثرة اليوم، برز الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية الحركة بصفتهما قوى دافعة جديدة لاستهلاك الطاقة على نطاق واسع.

وأوضح أن استهلاك هذه التقنيات للطاقة ضخم جدًا، والزيادة في الطلب الناتج عنها لن تتباطأ في المستقبل القريب، بل من المتوقع أن تتسارع.

وأشار الحجي إلى أن هذا التحول يتزامن مع واقع جديد؛ إذ تجاوز استهلاك الكهرباء في أكثر من 40 دولة -بينها دول عربية كالعراق ومصر والجزائر والأردن- أعلى مستويات تاريخية.

وأضاف: "الأمر لا يقتصر على النمو الاقتصادي أو تحسن المعيشة، بل يرتبط أيضًا بتطورات تقنية تضيف مستويات جديدة تمامًا من الطلب".

لكن ما يثير القلق، بحسب الحجي، هو أن هذه الطفرة في الاستهلاك تأتي خلال وقت تعاني فيه حتى بعض الولايات الأميركية المتطورة مثل تكساس وكاليفورنيا من احتمالية انقطاع الكهرباء في أي لحظة؛ ما يفتح الباب أمام أسئلة صعبة حول مستقبل الطاقة في عصر الاستهلاك الكثيف للتقنيات.

جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها الدكتور أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا) بعنوان "‏‏‏نمو الطلب العالمي المتزايد على الكهرباء وآثاره السياسية والاقتصادية".

الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية الحركة

قال أنس الحجي إن الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية الحركة أصبحا من أكبر مصادر زيادة الطلب على الكهرباء في الدول المتقدمة؛ إذ ظهر -خلال السنوات الأخيرة- أثر هذه التقنيات بوضوح؛ حيث رفعت استهلاك الطاقة إلى مستويات لم تُسجَّل من قبل، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه.

وأضاف: "هذه الظاهرة ليست محصورة في الاقتصادات الكبرى فحسب، بل امتدت عالميًا؛ فبيانات شهر أغسطس/آب 2025 الأخير أظهرت أن أكثر من 40 دولة، بينها دول عربية، وصلت إلى ذروة تاريخية في استهلاك الكهرباء؛ ما يعكس التأثير الواسع لهذه التقنيات في البنية التحتية للطاقة".

الذكاء الاصطناعي

وأوضح أنس الحجي أن التحدي هنا يكمن في السؤال البديهي: من أين تأتي هذه الدول بالكهرباء اللازمة لمواكبة هذه القفزات؟ حتى في مناطق متطورة مثل تكساس وكاليفورنيا، يظل خطر انقطاع الكهرباء قائمًا؛ ما يعكس هشاشة المنظومة أمام صدمات الطلب المتسارع.

وعلى المستوى العالمي، المشكلة أكثر تعقيدًا مما يتخيله كثيرون؛ فبجانب الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية الحركة، هناك عوامل اجتماعية وديموغرافية، مثل الهجرة من الريف إلى المدن، تضيف ضغوطًا هائلة على شبكات الكهرباء.

ولفت إلى أن تقديرات منظمة أوبك تشير إلى أن نحو 400 مليون شخص سينتقلون من الريف إلى المدن بحلول عام 2030، وهذا التحول الديموغرافي يعني انتقال مئات الملايين إلى بيئات أعلى بكثير في استهلاك الطاقة؛ ما يزيد العبء على الشبكات.

إلى جانب ذلك، يوضح الحجي أن تحسن الدخول في الاقتصادات النامية يؤدي عادة إلى زيادة أكبر في استهلاك الطاقة من نسبة الزيادة في الدخل، خاصة مع توجه الإنفاق نحو أنماط معيشية أكثر رفاهية.

وتابع: "الرفاهية هنا ليست فقط في المسكن أو السيارات، بل تمتد إلى التكييف الذي يستهلك الكهرباء بكثافة، وإلى السفر الذي يعد من أكبر مصادر استهلاك الطاقة؛ ما يفاقم الضغوط القائمة أصلًا".

من بيانات الطاقة إلى حقيقة الاستهلاك الصادم

يُسلط أنس الحجي الضوء على مسألة ارتفاع استهلاك الكهرباء إلى مستويات قياسية في أكثر من 40 دولة، مؤكدًا أن جزءًا كبيرًا من هذا الطلب يرتبط مباشرة بالذكاء الاصطناعي ونمو شركاته العملاقة.

أحد الأمثلة التي أوردها الحجي، كان منصة "جروك" المرتبطة بتويتر، القادرة على إنتاج فيديوهات متكاملة من مجرد أوامر نصية أو صور، مع إمكان تعديلها مرارًا؛ إذ إن كل تعديل يمثل عمليًا إنتاج فيديو جديد؛ ما يعني استهلاكًا إضافيًا ضخمًا للطاقة.

ولفت إلى أن هذه الأنشطة لم تكن موجودة سابقًا؛ ما يجعلها طلبًا جديدًا بالكامل على منظومات الطاقة، ومع انتشار هذه الخدمات، تتحول الصناعة التقنية نفسها إلى مولد رئيس للطلب، بدلًا من أن تكون مجرد مستهلك تابع.

وكالة الطاقة الدولية تتوقع نمو الطلب العالمي على الكهرباء

ففي الولايات المتحدة، تدرك شركات الطاقة تمامًا أن الطلب المستقبلي على الكهرباء لن تتمكن الشبكات الحالية من تلبيته؛ لذا تلجأ بعض شركات التكنولوجيا إلى بناء مشروعات طاقة خاصة بها، مثل المزارع الشمسية أو مزارع الرياح.

كما تتجه بعض هذه الشركات للتفكير في إنشاء مفاعلات نووية صغيرة مملوكة لها، لضمان تأمين احتياجاتها المستمرة من الطاقة، خاصة مع نمو تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات هائلة من الكهرباء.

الحل الآخر، وفق الحجي، هو توقيع عقود طويلة الأمد مع شركات الطاقة التقليدية، لتأمين حصص ثابتة من الكهرباء لعقود تصل إلى 30 عامًا؛ ما يوفر استقرارًا في الإمدادات حتى مع زيادة الطلب.

لكن المشكلة تظهر بوضوح عندما يزيد الطلب على الكهرباء بشكل كبير، ثم تنقطع الإمدادات في أوقات حر الصيف؛ ما يؤدي إلى وفيات بين السكان، فتتحول أصابع الاتهام إلى شركات الذكاء الاصطناعي التي استهلكت الحصة الكبرى.

عندما يصبح الاستهلاك خطرًا سياسيًا واقتصاديًا

حذر أنس الحجي من أن استمرار هذا الاتجاه قد يقود إلى أزمات سياسية واجتماعية، خاصة إذا ارتبط انقطاع الكهرباء بخسائر بشرية يمكن ربطها باستهلاك شركات التقنية الكبرى.

وأضاف: "في مثل هذه الحالات، يضغط الرأي العام على المسؤولين السياسيين لاتخاذ إجراءات صارمة، وهو ما قد يتضمن فرض قيود على أنشطة الذكاء الاصطناعي أو إجبار الشركات على تقليص استهلاكها للطاقة".

الطلب على الكهرباء من مراكز البيانات

ولفت مستشار تحرير منصة الطاقة إلى أن هذا الضغط السياسي ليس مجرد افتراض نظري، بل هو سيناريو محتمل في ظل تزايد شكاوى المواطنين وحرص السياسيين على كسب رضا الناخبين، وهو ما يجعل المصالح الاقتصادية للشركات مهددة بشكل مباشر.

وأوضح أن تقييد استهلاك الطاقة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تباطؤ في وتيرة الابتكار والنمو في هذا القطاع، خاصة إذا رُبطت هذه القيود بأهداف بيئية أو اعتبارات إنسانية ملحّة.

لكن في المقابل، وفق الحجي، تجاهل هذه المخاطر قد يقود إلى فقدان الثقة العامة بالسياسات الاقتصادية والتقنية، خصوصًا إذا شعر الناس بأن حياتهم مهددة من أجل استمرار أنشطة تجارية عالية الاستهلاك.

أما التحدي الحقيقي، بحسب الحجي، فيكمن في إيجاد توازن بين تمكين التقنيات الحديثة من التطور، وضمان أن تظل منظومات الطاقة قادرة على تلبية احتياجات جميع المستهلكين دون تمييز.

ويرى الحجي أن هذه المعضلة ستظل قائمة ما لم يتم التخطيط المسبق وتوسيع البنية التحتية للطاقة بما يتناسب مع الطفرة المتوقعة في الطلب، سواء جاء هذا الطلب من الأفراد أو من الذكاء الاصطناعي.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق