
تتجاوز أهمية جدوى التخزين الجوفي للغاز مجرد تأمين الإمدادات، إذ تحوّل هذا النمط من التخزين إلى أداة مالية فعالة تدرّ عوائد مجزية عند استغلاله في مواقيت مناسبة.
فمع ارتفاع تقلبات أسعار الغاز، بات التخزين الجوفي أحد أبرز أدوات إدارة المخاطر والمضاربة السعرية، إلى جانب كونه وسيلة إستراتيجية لتعزيز أمن الطاقة.
وبينما تُواصل أوروبا توسيع قدراتها التخزينية لمواجهة أزمات الإمداد، بدأت تظهر تجارب ناجحة تؤكد العائد الاقتصادي المرتفع لهذا النوع من المشروعات.
ووفقًا لدراسة صادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، أعدّها خبير الغاز المهندس وائل حامد عبدالمعطي، وحصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن بعض الشركات الأوروبية سجلت أرباحًا بملايين الدولارات خلال دورات تخزينية واحدة، مستفيدةً من الفجوة بين أسعار الشراء في الصيف وأسعار البيع في الشتاء، وهو ما يعكس إمكانات اقتصادية كبيرة لهذا القطاع.
وتُمكن منشآت التخزين المشغّلين من الاستفادة من الفروقات الموسمية للأسعار، وتحقيق أرباح من دون الارتباط المباشر بالإنتاج أو التوزيع.
الجدوى الاقتصادية للتخزين الجوفي
تُعزز تقلبات الأسعار العالمية من الجدوى الاقتصادية للتخزين الجوفي، إذ تتيح هذه الظروف للمستثمرين فرصًا أوسع لتحقيق أرباح، شريطة إدارة التوقيت والكميات إستراتيجيًا.
فمع تزايُد ارتباط أسعار الغاز بالعوامل الجيوسياسية والمناخية، باتت الفروقات بين الأسعار الصيفية والشتوية تصل إلى أكثر من 50%، وهو ما يُغري بتخزين كميات ضخمة في أشهر الركود، وبيعها لاحقًا بأسعار مرتفعة.
كما يُشير محللون إلى أن أسعار الغاز لن تعود إلى الاستقرار خلال الأعوام المقبلة، بسبب غياب التوازن بين العرض والطلب، واستمرار التغيرات المناخية التي تؤثّر بنمط الاستهلاك.
ومن ثم، فإن التخزين الجوفي مرشّح ليكون عنصرًا اقتصاديًا فاعلًا في إستراتيجيات الطاقة على المديين المتوسط والطويل.

نموذج سلوفاكيا
تُعدّ تجربة شركة "نافتا" (NAFTA) في سلوفاكيا نموذجًا واضحًا على الجدوى الاقتصادية للتخزين الجوفي، إذ خزّنت -خلال صيف 2024- الغاز في منشآت بسعة 100 مليون متر مكعب، بأسعار وصلت إلى 9.6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أي نحو 30 يورو لكل ميغاواط/ساعة.
ومع دخول الشتاء، ارتفعت أسعار الغاز في السوق الأوروبية بشكل حادّ، لتتجاوز 45 يورو (52.47 دولارًا) للميغاواط/ساعة، ما مكّن الشركة من بيع الكميات المخزَّنة، وتحقيق فارق سعري يُقدّر بنحو 30 مليون يورو في موسم واحد.
(اليورو = 1.17 دولارًا أميركيًا)
ووفق الدراسة، فإن العائدات -دون حسم تكاليف التشغيل- بلغت نحو 15 مليون يورو (17.49 مليون دولار)، وهو ما يعكس مدى قدرة التخزين الجوفي على تحقيق مكاسب مالية كبيرة في حال إدارة الدورة التخزينية بذكاء.
دور التخزين الجوفي في المضاربة السعرية
تُظهر تجارب السوق أن المستثمرين بدؤوا ينظرون إلى منشآت التخزين الجوفي بوصفها أدوات مالية، وليس فقط مرافق فنية، إذ تسمح هذه المنشآت بالشراء خلال أوقات انخفاض الأسعار، وتخزين الكميات حتى تتغير ظروف السوق، ثم البيع عند ارتفاع الأسعار، ما يتيح تحقيق أرباح مباشرة.
وفي الأسواق المحررة مثل أوروبا، يمكن للمشغّلين الاستفادة من آليات السوق الفورية، وتداول الغاز المخزّن وفقًا لأسعار البورصات، دون الحاجة إلى وجود عقود طويلة الأمد.

وقد سمحت هذه البيئة بتنمية نماذج استثمارية مرنة، تشمل أطرافًا غير منتجة للغاز.
كما توفّر منشآت التخزين الجوفي للغاز عنصرًا من عناصر التحكّم في السوق، إذ تُسهم في استقرار الأسعار، أو على العكس، تُستعمل أحيانًا للضغط على الأسعار في حالات العرض الزائد أو عند الحاجة إلى تصحيح سعري.
الفرق بين التخزين الجوفي والسطحي
رغم استعمال التخزين السطحي للغاز المسال في العديد من الأسواق، فإن الجدوى الاقتصادية للتخزين الجوفي تتفوق بوضوح في حالات الاستعمال طويل الأمد والمضاربة الموسمية.
ورغم ارتفاع تكلفته الرأسمالية مقارنةً بالتخزين السطحي، يُعدّ التخزين الجوفي أقل تكلفة من ناحية التشغيل على المدى الطويل، وأكثر مرونة من حيث السعة وإعادة السحب.
وفي المقابل، يتطلب التخزين السطحي استثمارات أعلى في البنى التحتية مثل خزانات الضغط والتبريد ومحطات الإسالة وإعادة التغويز، ما يرفع التكلفة الرأسمالية بشكل كبير.
كما أن التخزين الجوفي للغاز يمكن أن يستمر سنوات دون خسائر كبيرة في الكمية أو الجودة، في حين إن التخزين السطحي يتطلب مراقبة مستمرة، ويخضع لمخاطر تقنية وتكاليف صيانة مرتفعة.
التخزين المدفون تحت الأرض
في بعض الحالات، يُلجأ إلى تخزين الغاز الطبيعي المسال داخل صهاريج مدفونة تحت سطح الأرض (Inground Storage)، بدلًا من الصهاريج السطحية، إلا أن هذا الأسلوب لا يُصنَّف ضمن التخزين الجوفي للغاز.
وتعتمد عدة دول، تتقدمها اليابان، هذا النوع من التخزين نظرًا لما يوفره من مزايا متعلقة بالأمن والسلامة، من أبرزها:
- الحد من تأثيرات الزلازل على الصهاريج المدفونة مقارنة بالصهاريج السطحية.
- تقليص حجم التداعيات المحتملة في حال حدوث تسرب للمنتج.
- مساهمة التربة في الحفاظ على برودة الغاز الطبيعي المسال، والحد من تسرب الحرارة إلى داخل الصهاريج، وهو ما يقلل من الفاقد الناتج عن التبخر (Boiloff Gas, BOG).
ورغم ما توفره هذه النماذج من حلول للتخزين السطحي أو المدفون تحت الأرض، فضلًا عن سرعة الإمداد، فإنها لا تُعد خيارًا فعّالًا لتأمين الإمدادات على المدى الطويل، مثل فصل الشتاء، بسبب محدودية السعة التخزينية، إذ تكفي الكميات المخزنة عادة لبضعة أيام فقط.
في المقابل، يتميز التخزين الجوفي للغاز بقدرته على تلبية الطلب لمدة تصل إلى عدة أشهر، إذ يمكن أن يسهم وحده في تغطية ما بين 30% و40% من الاحتياجات اليومية للأسواق المستوردة خلال ذروة الاستهلاك.

ويتضمن الجدول التالي، مقارنة بين التخزين المدفون تحت الأرض، والتخزين السطحي، والتخزين الجوفي للغاز، وأبرز الفروق بينهم:
طريقة التخزين | التخزين الجوفي | التخزين السطحي | التخزين المدفون |
سعة التخزين | مرتفعة | منخفضة إلى متوسطة | منخفضة إلى متوسطة |
أنواع الخزانات | -الحقول المستنفدة -كهوف الملح -طبقات المياه الجوفية | -صهاريج سطحية -خطوط الأنابيب | صهاريج مدفونة تحت الأرض |
موقع التخزين | على عمق يصل إلى 3 آلاف متر | فوق سطح الأرض | في باطن الأرض، ويظهر منها سقف الصهريج |
المدى الزمني للتخزين | تخزين طويل الأجل يصل إلى عدّة شهور | تخزين قصير إلى متوسط الأجل | تخزين قصير إلى متوسط الأجل |
حالة الغاز عند التخزين | الحالة الغازية (تحت ضغط عال) | -الحالة الغازية (تحت ضغط مرتفع) -الحالة السائلة عند درجة حرارة -162 | -الحالة السائلة عند درجة حرارة -162 |
مستوى الأمان | عالٍ | يتطلب مراقبة دائمة | يتطلب مراقبة دائمة |
(المصدر: دراسة أوابك)
الخلاصة:
تُبرهن تجارب الأسواق على أن جدوى التخزين الجوفي للغاز اقتصاديًا تتجاوز بكثير حدود الاستعمال الفني أو الإستراتيجي، لتصبح أداة استثمارية ذات عوائد مباشرة.
وبينما تتسابق الدول الصناعية في تعظيم طاقاتها التخزينية، يبقى على الدول النامية –ومنها الدول العربية– تقييم جدوى الدخول في هذا المجال، ولا سيما أن العديد منها يمتلك خصائص جيولوجية مثالية ومواقع إستراتيجية تؤهّلها لتكون محاور تخزين إقليميًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
- احتياطيات الغاز في الجزائر.. ثروة ضخمة شبه مستقرة منذ 20 عامًا (تقرير)
-
القيمة السوقية لشركات النفط والغاز.. أرامكو في المركز الأول بقائمة الـ10 الكبار عالميًا (رسم بياني)
-
نتائج أعمال كهرباء دبي في النصف الأول 2025 تصعد بالأرباح 13%
المصدر: