
يبرز التخزين الجوفي للغاز بوصفه أداة رئيسة لتحقيق أمن الطاقة، في ظل التحوّلات المتسارعة بقطاع الطاقة العالمي، حيث تزداد الحاجة إلى حلول إستراتيجية تدعم أمن الإمدادات وتُعزّز مرونتها.
فبينما تتأرجح مستويات الطلب على الغاز وفقًا لعوامل موسمية وجيوسياسية، يوفر هذا النوع من التخزين قدرة فائقة على مواجهة التقلبات، وضمان استقرار منظومة الطاقة.
ووفقًا لدراسة صادرة عن منظمة الأقطار العرية المصدرة للبترول "أوابك" أعدّها خبير الغاز المهندس وائل حامد عبدالمعطي، فإن منشآت التخزين الجوفي للغاز تُمثّل مكونًا أساسيًا في سلسلة القيمة بصناعة الغاز، وتسهم في تأمين الإمدادات خلال حالات الطوارئ، مثل تعطُّل الإنتاج، أو نقص الواردات، أو تقلبات الأحوال الجوية المفاجئة.
ولهذا، تسعى عدّة دول إلى تطوير منشآت التخزين بوصفها وسيلة إستراتيجية لتحصين أمنها الطاقي.
وتقوم فكرة التخزين الجوفي للغاز على حقن الغاز في تكوينات جيولوجية تقع تحت سطح الأرض، خلال فترات انخفاض الطلب، ومن ثم سحبه عند الضرورة أو في أوقات الذروة، حسب الدراسة التي حصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وقد ساعد ذلك في معالجة تذبذب الطلب الموسمي، لا سيما في الأسواق التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في الاستهلاك خلال الشتاء، مثل السوق الأوروبية.
ولا يقتصر دور التخزين الجوفي للغاز على مواجهة التغيرات الموسمية، بل أصبح جزءًا مهمًا من منظومة الانتقال الطاقي، إذ يسهم في دعم تكامل الطاقة المتجددة التي تتّسم بعدم الانتظام، ويُوفر مرونة تشغيلية ضرورية للشبكات، ويُعزز استدامة منظومة الطاقة.
أنواع التخزين الجوفي للغاز
يُقسَّم التخزين الجوفي عالميًا إلى ثلاثة أنواع رئيسة:
- حقول النفط والغاز المستنفدة: تُعدّ الخيار الأكثر شيوعًا، نظرًا لتوافر البنية الجيولوجية المناسبة، وانخفاض التكلفة نسبيًا، مع قدرة تخزينية كبيرة.
- كهوف الملح: وهي تجاويف صناعية محفورة في طبقات ملحية، توفّر معدل إحكام مرتفعًا، وتُتيح عمليات حقن وسحب سريعة، رغم ارتفاع تكلفتها وانتشارها المحدود جغرافيًا.
- طبقات المياه الجوفية العميقة: تُشابه الحقول المستنفدة، لكنها تتطلب دراسات جيولوجية معقّدة وتكاليف رأسمالية أعلى، كما تستدعي تخزين ما يُعرف بـ"غاز الأساس" لضمان الحفاظ على ضغط المكمن.
ويُراعى في اختيار مواقع هذه المنشآت أن تكون قريبة من مراكز الطلب، لتقليل زمن النقل وضمان استجابة تشغيلية سريعة، وهو ما يُسهم في تعزيز كفاءة الشبكات وتلبية الطلب المتزايد.
تنامي أهمية التخزين الجوفي للغاز
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط من عام 2022، ازدادت أهمية التخزين الجوفي للغاز عالميًا، إذ سارعت الدول الأوروبية إلى سَنّ تشريعات جديدة تُلزم ببلوغ مستويات دنيا من المخزون قبل فصل الشتاء، تجنّبًا لحدوث أزمات في الإمدادات.
وأدى ذلك إلى توسُّع سريع في مشروعات التخزين وتطوير المنشآت القائمة، مع توجُّه الدول إلى بناء قدرات تخزينية تُسهم في تحصين أسواقها المحلية من تقلبات السوق العالمية.
وتشير البيانات إلى أن أكبر قدرات التخزين الجوفي تتوزع في أميركا الشمالية وأوروبا، إضافة إلى منطقة أوراسيا، ولا سيما في أوكرانيا.
أمّا في آسيا، فتقود الصين جهودًا لزيادة السعات التخزينية، ضمن خططها لتأمين الطلب المحلي وضمان استقرار الشبكة.

التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية
رغم أن العديد من الدول العربية يُعدّ من كبار منتجي الغاز الطبيعي، فإن التخزين الجوفي للغاز ما يزال محدودًا في المنطقة، ويقتصر حاليًا على منشآت في السعودية والإمارات.
وتعتمد معظم الدول الأخرى على أنظمة التخزين السطحي، مثل صهاريج الغاز الطبيعي المسال، أو تخزين الغاز المضغوط في خطوط الأنابيب.
ومع ذلك، تُشير الدراسة التي أعدّها المهندس وائل حامد، إلى وجود إمكانات كبيرة لتطوير هذا القطاع عربيًا، استنادًا إلى:
- توافر حقول نفط وغاز مستنفدة صالحة للتخزين.
- وفرة الموارد الغازية.
- بنية تحتية قوية تربط مراكز الإنتاج بمناطق الطلب.
- موقع جغرافي إستراتيجي يمكن أن يجعل من بعض الدول العربية مراكز إقليمية للتخزين.
وتُعدّ هذه العوامل مجتمعة قاعدة قوية لتطوير مشروعات تخزين جوفي إستراتيجية، تعزّز أمن الطاقة في المنطقة، وتُسهِم في استقرار الأسواق الإقليمية والعالمية.
دراسات ومشروعات قيد التنفيذ
تشير نتائج الدراسة التي وردت في التقرير إلى أن عددًا من الدول يواصل الاستثمار في مشروعات التخزين الجوفي للغاز، سواء عبر توسعة منشآت قائمة أو بناء مرافق جديدة.
كما تُشير إلى أن حجم الطاقة التخزينية العالمية مرشَّح للزيادة خلال السنوات المقبلة، بما يتماشى مع سياسات الدول الداعمة لأمن الإمدادات، وتنامي دور الغاز في مزيج الطاقة العالمي.
كما تتضمن الدراسة مراجعة للسياسات والتشريعات الدولية المُنظّمة لقطاع التخزين، مع توصيات بدعم التعاون الدولي وتبادل الخبرات، لا سيما بين الدول التي تملك خبرات طويلة، وتلك التي ما تزال في المراحل الأولى من تطوير قدراتها.

الخلاصة:
يمثّل التخزين الجوفي للغاز أحد أعمدة منظومة الطاقة الحديثة، ليس لقدرته على تلبية ذروات الطلب وتوفير احتياطي إستراتيجي فحسب، بل أيضًا لدوره المتنامي في دعم مزيج طاقة أكثر مرونة واستدامة.
وبينما تمضي الدول في خططها لتأمين إمداداتها، يبقى هذا الخيار أحد أبرز الأدوات لمواجهة التحديات الطاقية المقبلة، ويشكّل فرصة واعدة للدول العربية لتطوير قدراتها التخزينية والانخراط بشكل أكبر في سلاسل القيمة العالمية للغاز.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
- موعد توزيع أرباح أرامكو الربع الثاني 2025
- تصنيع خلايا وقود الهيدروجين يجذب أكبر شركة سيارات في العالم
- مخزونات النفط الأميركية تنخفض 3 ملايين برميل في أسبوع
المصدر: