أنس الحجي: إرضاء ترمب هو هدف صفقة الـ750 مليارًا.. وهكذا يتأثر بها العرب
أحمد بدر

تحمل صفقة الطاقة الجديدة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والاتحاد الأوروبي، التي تبلغ قيمتها 750 مليار دولار، طابعًا سياسيًا بامتياز، يتجاوز الأرقام والمصالح الاقتصادية الظاهرة، لتكشف عن أبعاد تتعلق بإرضاء الرئيس الأميركي السابق وإعادة توجيه التحالفات الإستراتيجية.
وأوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن الصفقة تبدو في ظاهرها وكأنها امتداد طبيعي للعلاقة المتينة بين واشنطن وبروكسل في مجال الطاقة.
لكنها في الواقع، وفق الحجي، تتضمن وعودًا ضخمة تفتقر إلى المقومات الإنتاجية والاستهلاكية اللازمة لتحقيقها، إذ إن الاتفاق يهدف إلى استيراد طاقة بقيمة 250 مليار دولار سنويًا، لمدة 3 سنوات، ليصل المجموع إلى 750 مليار دولار، لكنه يثير تساؤلات تقنية وإستراتيجية حول واقعية الأرقام.
وقال إن الصفقة التي يرعاها ترمب، تطرح إشكالات جوهرية في البنية والجدوى، وتلقي بظلالها على صادرات الطاقة من الدول العربية والأفريقية، مؤكدًا أنها -إذا طُبِّقت حرفيًا- ستكون على حساب صادرات النفط والغاز من العالم العربي وأفريقيا، ما يثير القلق بشأن مستقبل الإمدادات والطاقة في المنطقة.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، تحت عنوان "هل الاتفاق التجاري بين ترمب والاتحاد الأوروبي على حساب العرب؟".
واردات أوروبا من أميركا وروسيا
قال أنس الحجي إن الاتحاد الأوروبي اعتمد في النصف الأول من العام الجاري على الولايات المتحدة لتأمين 54% من وارداته من الغاز المسال، وهي أعلى نسبة في التاريخ، إذ إن هذا الاعتماد يفوق أي علاقة أخرى في مجال الطاقة.
وبحسب الحجي، جاءت روسيا في المرتبة الثانية بنسبة 16%، تليها قطر بـ9%، والجزائر بـ5%، ونيجيريا بـ6%، والنرويج بـ2%، كما توزعت النسبة المتبقية على دول أخرى، في دلالة على تنوع المصادر ولكن بسيطرة أميركية واضحة.
ويوضح الرسم البياني التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، حجم واردات أوروبا من الغاز المسال على أساس ربع سنوي منذ 2023 حتى النصف الأول من 2025:
أما فيما يتعلق بالنفط، فقد بلغت حصة الولايات المتحدة من واردات الاتحاد الأوروبي نحو 15%، وهي النسبة الأعلى بين جميع الدول المصدرة، تليها قازاخستان بنسبة 14%، إلا أن الحجي أشار إلى أن كل النفط القازاخستاني يصل عبر الأراضي الروسية.
وتابع أنس الحجي أن النرويج تحتل المرتبة الثالثة بنسبة 13%، في حين تُصدّر تركيا نحو 4.5% من واردات أوروبا النفطية، رغم أن جزءًا من هذه الكميات مصدره روسيا أو أذربيجان، ويُعاد تصديره على أنه تركي.
واعتبر الحجي أن هذه الأرقام تكشف عن مدى الاعتماد الأوروبي غير المسبوق على الطاقة الأميركية، لافتًا إلى أن الصفقة الأخيرة بين ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية تهدف إلى مضاعفة هذا الاعتماد بشكل رسمي.
وأكد أن الإشكال الأكبر أن الاتفاق يتحدث عن مضاعفة الواردات إلى 250 مليار دولار سنويًا، في حين لم تتجاوز قيمة واردات الطاقة الأوروبية من الولايات المتحدة العام الماضي 80 مليار دولار فقط، وهو ما يطرح تساؤلات عن كيفية تحقيق هذه القفزة الهائلة.
خلل في الأرقام وإشكالات في التنفيذ
يقول أنس الحجي إن الاتفاق الموقع مع ترمب يعاني خللًا كبيرًا في الأرقام، إذ إن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع استهلاك كميات بهذا الحجم، ولا تمتلك الولايات المتحدة القدرة الإنتاجية لتغطيتها، ما يجعل الصفقة غير قابلة للتطبيق عمليًا.
وأضاف أن تفاصيل الاتفاق تنص على أن تشمل واردات الطاقة: النفط، والغاز المسال، والمفاعلات النووية الصغيرة، والوقود النووي، وهو ما يزيد من حجم الالتزامات، لكنه يصطدم بالواقع التقني والإنتاجي للطرفين.

وتساءل أنس الحجي: إذا كان من المستحيل على أوروبا استهلاك هذه الكميات، وعلى أميركا إنتاجها، فمن أين جاءت هذه الأرقام؟ معتبرًا أن الاتفاق أقرب إلى "رسالة سياسية" لإرضاء ترمب، أكثر من كونه خطة اقتصادية واقعية.
وأوضح أن المفاعلات النووية الصغيرة التي يشملها الاتفاق لم تدخل -حتى الآن- حيز الإنتاج، إذ من المتوقع إنتاج أول نموذج منها بحلول عام 2030، أي بعد انتهاء مدة الاتفاق التي تنتهي في 2028 أو بداية 2029.
كما أشار إلى أن أغلب الاتفاقات التي وُقّعت في عهد ترمب تمتد لـ3 سنوات، وهي مدة ولايته المحتملة، ما يعني أن الصفقة ليست إستراتيجية طويلة الأمد، بل خطوة مرحلية ذات طابع انتخابي أو تفاوضي ظرفي.
ورأى أن التركيز على القيمة المالية (250 مليار دولار سنويًا) يُعد أمرًا خطيرًا من حيث البناء الاقتصادي، إذ إن انخفاض أسعار النفط أو الغاز سيدفع الاتحاد الأوروبي لشراء كميات أكبر لتلبية القيمة المتفق عليها، وهو أمر غير عملي في ظل محدودية التخزين.
هل يتضرر العرب فعلًا من الصفقة؟
يرى أنس الحجي أن تأثير الصفقة بين ترمب وأوروبا في العرب يبقى في الجانب النظري، لأن تطبيق بنودها كما هي غير ممكن، لكن لو نُفذت بالكامل، فإن العالم العربي سيكون الخاسر الأكبر في مجال تصدير النفط والغاز.
وأوضح أن التخلص من واردات العالم العربي وأفريقيا هو السبيل الوحيد للاتحاد الأوروبي لتحقيق مستهدفات الصفقة، ما يعني وقف استيراد النفط من العراق والسعودية والكويت، والغاز من الجزائر ومصر وقطر وليبيا.
لكن خبير اقتصادات الطاقة عاد وأكد أن أوروبا لا تستطيع التخلي عن هذه المصادر، لا من الناحية الجغرافية، ولا من ناحية التكلفة، ولا حتى من الناحية اللوجستية، مشيرًا إلى أن تنوع مصادر الطاقة كان دائمًا أحد أعمدة أمن الطاقة الأوروبي.
وأشار إلى أن الاتفاق يتجاهل تمامًا الإمدادات التي تصل إلى أوروبا عبر الأنابيب، خصوصًا من الجزائر وليبيا، وهي إمدادات يصعب تعويضها عبر الغاز المسال، بالنظر إلى الطاقة الاستيعابية للمواني وخطوط النقل الأوروبية.
كما شكّك الحجي في قدرة السوق الأوروبية على التعامل مع كميات هائلة من الغاز والنفط الأميركي، خاصة في ظل البنية التحتية المحدودة وعدم وجود سعة تخزينية كافية للوفاء بكميات مضاعفة من الإمدادات.
وختم الحجي بالقول إن الاتفاق -رغم ما يثيره من قلق- لا يشكل تهديدًا مباشرًا على المدى القصير، لكنه يكشف عن نوايا لإعادة تشكيل خريطة الطاقة في العالم، ويجب على الدول العربية التعامل معه بوعي ومرونة وإستراتيجية دفاعية ذكية.
موضوعات متعلقة..
- الدول المستوردة للنفط الروسي مهددة برسوم ترمب الجمركية بنسبة 100% (مقال)
- مساعي ترمب لإنعاش دور الفحم في توليد الكهرباء مهددة بالفشل (تقرير)
- قرارات ترمب تهدد مشروعات طاقة الرياح البحرية.. كيف تأثرت أستراليا؟
اقرأ أيضًا..
- قطاع النفط والغاز في مصر.. إمكانات ضخمة ومستقبل واعد (مقال)
- حقل البرلس للغاز في مصر.. 5 تريليونات قدم مكعبة تحت التطوير (تقرير)
- توقعات مزيج الطاقة العالمي في 2050.. النفط والغاز لن يتركا الصدارة
- أكبر 10 دول في انبعاثات الكربون عام 2024.. دولة عربية ضمن القائمة (إنفوغرافيك)
المصدر..