حقل ظهر.. قصة أكبر حقل غاز في مصر وماذا حدث للاحتياطي الضخم؟
أحمد بدر

في قلب البحر المتوسط، وعلى بعد مئات الكيلومترات من سواحل مصر، يقع حقل ظهر، وهو أحد أبرز الاكتشافات في تاريخ الطاقة المصرية، بل المنطقة بأكملها.
وبحسب بيانات حقول النفط والغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن الحقل العملاق لم يكن مجرد كشفٍ جيولوجي، بل قصة طموح مصري للتحول من مستورد إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز.
وعلى الرغم من التفاؤل الكبير لدى اكتشاف حقل ظهر قبل 10 سنوات، فإن الآمال المعلّقة عليه في تحويل مصر إلى نقطة تصدير إقليمية، تهتزّ خلال السنوات الأخيرة، مع تراجع مستويات الإنتاج، وانخفاض الاحتياطيات بشكل غير متوقع.
وفي هذا التقرير، ترصد منصة الطاقة أبرز المحطات في مشروع "ظهر" العملاق، بداية من لحظة الاكتشاف، ومرورًا بالتطوير والإنتاج، وصولًا إلى الأوضاع الحالية، مع انخفاض حجم إنتاجه بشكل سريع.
وللاطّلاع على الملف الخاص بحقول النفط والغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة، يمكنكم المتابعة عبر الضغط (هنا)، إذ يتضمّن معلومات وبيانات حصرية تغطي قطاعات الاستكشاف والإنتاج والاحتياطيات.
تاريخ اكتشاف حقل ظهر
يرجع تاريخ اكتشاف حقل ظهر إلى أغسطس/آب من عام 2015، عندما أعلنت شركة إيني الإيطالية وصولها إلى اكتشاف ضخم، يقع ضمن امتياز "شروق" في المياه الاقتصادية العميقة، على بعد نحو 190 كيلومترًا شمال مدينة بورسعيد، إذ أطلقت عليه اسم "ظُهر".
وبلغ عمق الاكتشاف البحري الجديدة -حينها- نحو 4100 متر تحت سطح البحر المتوسط، وسرعان ما انتشرت الأخبار بشأن زيادة حجم إنتاج مصر من الغاز، وارتفاع الصادرات بشكل كبير خلال سنوات قليلة.

وحينها، عُدَّ اكتشاف حقل ظهر نقطة تحول تاريخية في ملف الطاقة المصري، وبتقنيات حفر متقدمة وتعاون دولي واسع، دخل الحقل الخدمة الإنتاجية في وقت قياسي، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الرغم من الانتعاش الذي شهده الإنتاج المصري لنحو 8 سنوات كاملة، بدأ منحنى الإنتاج ينحدر منذ عام 2023، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى تبنّي خطة تطوير طموحة لمواجهة التراجع.
يشار إلى أن حقل ظهر يعدّ من أكبر اكتشافات الغاز في البحر المتوسط، إذ يوصف بأنه نقطة فارقة بخريطة الطاقة في مصر والمنطقة، نظرًا لضخامة احتياطاته، وتوقيته الحاسم في ظل أزمة طاقة كانت تعاني منها البلاد.
احتياطيات حقل ظهر
بحسب التقديرات الرسمية الأولية لاحتياطيات حقل ظهر وقت الاكتشاف، والتي وُضِعَت بالتعاون بين شركة إيني الإيطالية ووزارة البترول المصرية، فإن الحقل يحتوي على 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ما وضعه في صدارة الاكتشافات الغازية في الشرق الأوسط.
ولكن شركة إيني الإيطالية خرجت ببيانات خلال عام 2024، أكدت فيها أن الاحتياطيات القابلة للاستخراج، لا تتجاوز 10 تريليونات قدم مكعبة قياسية.
ومؤخرًا، فجّرت مصادر مصرية في تصريحات إلى منصة الطاقة، مفاجآت بشأن حجم الاحتياطيات القابلة للاستخراج، إذ وصل الاحتياطي المؤكد المتبقي من الحقل إلى 4.8 تريليون قدم مكعبة فقط بنهاية عام 2024.
وبحسب تقارير غير رسمية، فإن نسبة ما يمكن استخراجه لا تتجاوز 75% بحدّ أقصى من هذا الرقم، ما يعني أن الكمية القابلة للإنتاج قد تقلّ عن 3.6 تريليون قدم مكعبة.
إنتاج حقل ظهر
خلال سنواته الأولى، قفز إنتاج حقل ظهر إلى ذروته 2.7 مليار قدم مكعبة يوميًا، وهو ما شكّل حينها ما يقارب 40% من إنتاج مصر المحلي من الغاز الطبيعي.
لكن في عام 2024، بدأت ملامح التراجع تظهر بوضوح، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الحقل، إذ في ديسمبر/كانون الأول 2024، بلغ إنتاج حقل ظهر نحو 1.56 مليار قدم مكعبة يوميًا.
وفي الشهر التالي له، أي يناير/كانون الثاني 2025، تراجع الإنتاج إلى 1.49 مليار قدم مكعبة يوميًا، وهو ما انعكس على إجمالي إنتاج مصر من الغاز الذي هبط إلى أدنى مستوياته منذ 8 سنوات.
واستمر الانخفاض خلال فبراير/شباط 2025، ليصل الإنتاج إلى 1.40 مليار قدم مكعبة يوميًا، ثم هبط في مارس/آذار إلى 1.36 مليار قدم مكعبة، وفي أبريل/نيسان 2025 انخفض متوسط الإنتاج اليومي إلى 1.33 مليار قدم مكعبة فقط.
وخلال شهر يوليو/تموز 2025، ارتفع الإنتاج إلى 1.38 مليار متر مكعب، بينما تشير التقديرات إلى أن الإنتاج قد يرتفع إلى 1.48 مليار قدم مكعبة يوميًا بنهاية العام الجاري، إذا نجحت حملة الحفر والتطوير التي أطلقتها الحكومة بالتعاون مع شركة "إيني".
ولكن، في حالة فشل هذه الحملة، سيتواصل تراجع إنتاج حقل ظهر ليصل إلى 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، مما قد يشكّل ضغطًا كبيرًا على السوق المحلية.
ويرصد الرسم البياني التالي -بناءً على أرقام حصلت عليها منصة الطاقة- إنتاج حقل ظهر بداية من ديسمبر/كانون الأول 2024 حتى يوليو/تموز 2025، وتوقعاته بنهاية عام 2025:
مراحل تطوير حقل ظهر
بدأت أعمال التطوير مباشرة عقب الاكتشاف في 2015، وهو ما ساعد شركة إيني على بدء الإنتاج منه في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2017، وهو ما يعدّ وقتًا قياسيًا بالمعايير العالمية.
وفي مطلع عام 2025، عادت أعمال التطوير بوتيرة جديدة، عبر سفينة الحفر "سايبم 10000"، التي وصلت إلى الموقع في يناير/كانون الثاني الماضي، لحفر 3 آبار جديدة، هي: ظهر-13 وظهر-6 وظهر-9.

وفي سبيل إنجاز حفر هذه الآبار، تستعمل السفينة تقنية حفر مبتكرة وهي (Coiled Tubing)، التي تُستَعمَل لأول مرة عالميًا في المياه العميقة، إذ تأمل مصر أن تضيف هذه الأعمال نحو 200 مليون قدم مكعبة يوميًا.
يشار إلى أن حقل ظهر يُدار من خلال شراكة بين أطراف دولية ومحلية، تتصدّرها شركة "إيني" الإيطالية (المشغّل الرئيس)، إلى جانب شركة النفط البريطانية بي بي، وشركة روسنفط الروسية، ومبادلة الإماراتية، والهيئة المصرية العامة للبترول، وإيجاس.
وتعمل هذه الشركات العالمية معًا، ضمن إطار شراكة إنتاجية مع الحكومة المصرية، تسعى من خلالها إلى تأمين التمويل والتكنولوجيا والخبرات اللازمة لتطوير الحقل، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
إسهام حقل ظهر في الاقتصاد المصري
يسهم حقل ظهر -منذ بدء إنتاجه- في تحويل مصر من مستورد صافٍ للغاز إلى دولة مكتفية ذاتيًا، بل ومصدّرة عبر محطات الإسالة في إدكو ودمياط، إلّا أن تراجع الإنتاج اضطر القاهرة إلى الاستعانة بمصادر خارجية للغاز.
وفي ذروة إنتاجه، شكّل ظهر نحو 40% من إنتاج مصر المحلي من الغاز، مما وفر مليارات الدولارات كانت تُنفق على الاستيراد، كما عزز موقع مصر بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة، وعزز ثقة الشركات الأجنبية بالاستثمار في قطاع النفط المصري.
ومع التراجع الأخير، تتطلع الحكومة إلى استعادة زمام الأمور عبر ضخ 535 مليون دولار في أعمال تطوير الحقل خلال العام المالي الجاري 2025-2026، بجانب مفاوضات مع شركات مثل "بيكر هيوز" لحفر آبار إضافية باستثمارات تصل إلى 400 مليون دولار.
وعلى الرغم من تراجع إنتاجه، تظل قصة اكتشاف حقل ظهر وتطويره واستغلاله واحدة من أكثر قصص النجاح والاختبار تعقيدًا في قطاع الطاقة المصري، كما يظلّ الحقل ركيزة أساسية في منظومة الغاز الوطنية، ومفتاحًا لإعادة القاهرة إلى موقعها بصفتها مصدرًا للطاقة في الشرق الأوسط.
موضوعات متعلقة..
- حقل أبوماضي.. حكاية اكتشاف غاز في مصر عمره 57 عامًا
- أكثر 10 دول توليدًا للكهرباء بالغاز.. السعودية ومصر في القائمة (إنفوغرافيك)
- موعد بدء إنتاج الغاز من حقل ضخم في مصر (خاص)
المصادر..
- تقرير منشور في الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية
- بيانات احتياطيات وإنتاج الحقل، من "غلوبال إنرجي مونيتور"
- تقرير عن موقع الحقل، من البوابة الرسمية لبورسعيد
- تقرير عن بيانات الإنتاج والتطوير، من موقع شركة إيني الإيطالية