
تشهد سوريا تحولًا لافتًا في سياساتها الخاصة بتأمين مصادر الطاقة، بعد أن أبرمت 3 صفقات متتالية لاستيراد الغاز الطبيعي من قطر وتركيا وأذربيجان، في غضون أقل من 5 أشهر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول من عام 2024.
وتُعدّ هذه التحركات واحدة من أبرز مؤشرات الانفتاح الاقتصادي الإقليمي على الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، التي تسعى إلى معالجة أزمة الكهرباء الخانقة، وسط انهيار البنية التحتية وغياب الاستثمارات المحلية.
ورغم اختلاف الشروط التنفيذية والجهات الموردة، فإن جميع الصفقات تؤشر إلى تنامي الاعتماد على شراكات إقليمية لتمويل واردات الغاز الطبيعي، في محاولة لتثبيت استقرار الحد الأدنى من إنتاج الكهرباء.
ووفقًا لمتابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لقطاع الطاقة السوري، فإن هذه الصفقات تمثّل مسارًا إسعافيًا مؤقتًا لتجاوز الأزمة الحالية، وتشكّل في الوقت ذاته نواة شبكة إقليمية جديدة لإمدادات الطاقة إلى سوريا.
اتفاقية الغاز مع أذربيجان
في 12 يوليو/تموز 2025، وقّعت سوريا اتفاقًا مع شركة "سوكار" الأذربيجانية، يتضمن توريد الغاز الطبيعي عبر الأراضي التركية، بالإضافة إلى التعاون في مجال استكشاف النفط.
وخلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى باكو، أُبرمت مذكرة التفاهم مع الجانب الأذربيجاني، وسط تأكيدات من الجانبين على تسريع إجراءات التوريد.
لكن لم يُكشف حتى الآن عن كميات الغاز المتَّفق عليها، أو موعد بدء التنفيذ.
وأكد وزير الطاقة السوري محمد البشير أن الاتفاق "خطوة إستراتيجية لبناء شراكات طويلة الأمد تسهم في تعزيز أمن الطاقة في البلاد"، مشيرًا إلى أن المشروع يأتي ضمن توجُّه جديد لتوسيع قاعدة مورّدي الغاز في ظل ظروف العجز الحالية.
رافقت اليوم السيد الرئيس أحمد الشرع في زيارة رسمية إلى #أذربيجان، ناقشنا فيها سبل تعزيز التعاون في مجال #الغاز_الطبيعي لتأمين مستقبل الطاقة في #سوريا ووقِّعَ اتفاق مع شركة سوكار بخصوص توريد الغاز الطبيعي الى سوريا في خطوة نحو الاستقلال بالطاقة وبناء شراكات استراتيجية تخدم الوطن… pic.twitter.com/JKFCeI5c7a
— م. محمد البشير (@EMAlbasheir) July 12, 2025
الغاز في سوريا
يُشكّل الغاز في سوريا أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية، ما دفعها في مايو/أيار الماضي إلى توقيع اتفاق مهم مع تركيا لتوريد الغاز عبر خط النقل من ولاية كيليس إلى مدينة حلب.
وبموجب الاتفاق، تُزوَّد دمشق بـ6 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا، تُستعمَل في توليد 1200 إلى 1300 ميغاواط من الكهرباء.
وقال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، إن بلاده تخطط لتصدير ما يصل إلى ملياري متر مكعب من الغاز سنويًا إلى سوريا.
وقد اكتمل تنفيذ الخط، لكن بدء الضخ تأخَّر بسبب مشكلات فنية في الشبكة السورية، وفق ما أكده المهندس خالد أبو دي، مدير عام مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء السورية، في تصريحات إلى منصة الطاقة.

ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التوريد التجريبي خلال المدة المقبلة، بعد انتهاء أعمال الصيانة.
ويُعَدّ الاتفاق مع تركيا من أكثر الصفقات طموحًا من ناحية الحجم والزمن، ويتضمّن أيضًا إنشاء خط كهرباء بجهد 400 كيلوفولت بين البلدين، يُنتظر تشغيله بنهاية العام.
كما يجري النظر في مشروع ثانٍ لربط منطقة حارم شمال غرب سوريا بمدينة الريحانية التركية.
استئناف واردات الغاز القطري
بدأت سوريا في 13 مارس/آذار 2025 استيراد الغاز القطري بكمية مليوني متر مكعب يوميًا عبر الأردن، في أول صفقة توريد بعد سقوط النظام السابق، لكن الإمدادات توقفت مؤقتًا منذ أكثر من شهر لغياب سفينة تغويز كانت موجودة في ميناء العقبة.
وأعلن خالد أبو دي -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن عمليات التوريد ستُستأنف قريبًا، بعد أن جرت مناقشات لتحويل التغويز إلى مصر مؤقتًا، ريثما تُستكمل محطة التغويز الخاصة في الأردن.
ولفت إلى مفاوضات جارية لمضاعفة الكميات إلى 4 ملايين متر مكعب يوميًا، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي بعد.

وتُموَّل الصفقة من صندوق قطر للتنمية، وتهدف إلى دعم إنتاج الكهرباء في سوريا عبر الغاز المستورد.
وكانت الحكومة الأردنية قد بحثت مع نظيرتها السورية إمكان إطلاق تعاون ثلاثي مع قطر ومصر لضمان تدفُّق الغاز دون انقطاع.
ويمثّل التعاون القطري بعدًا إضافيًا بملف الغاز في سوريا، إذ يعكس انفتاحًا من الدوحة على إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية، مع دمشق الجديدة.

أزمة الطاقة في سوريا
رغم توقيع هذه الصفقات الثلاث، ما زالت دمشق تواجه عجزًا كهربائيًا يُقدَّر بـ80% من احتياجاتها اليومية، في ظل تدمير محطات توليد رئيسة وشبكات نقل حيوية خلال الحرب، فضلًا عن ضعف الاستثمار المحلي.
ويبدو أن الحكومة السورية الجديدة تسعى إلى تجاوز تلك التحديات عبر مزيج من اتفاقات الغاز الإقليمي، وربما تمهيد الطريق لاحقًا لمشروعات إنتاج محلي أو استثمارات دولية في البنية التحتية للطاقة.
ومن بين المقترحات البديلة التي طُرحت مؤخرًا، خيار الاعتماد على سفن توليد الكهرباء العائمة من تركيا، لكن مدير الكهرباء السوري أكد أن تكاليفها "مرتفعة جدًا"، وأن توريد الغاز عبر خطوط النقل يظل الخيار الأكثر جدوى على المدى القصير.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
- النفط والغاز في سلطنة عمان 2024.. تفاصيل مشروعات ضخمة لـ4 شركات
- إنتاج النفط في العراق ينتعش بزيادة جديدة من حقلي الناصرية والصبة
- أنبوب الغاز المغربي النيجيري يشهد تطورًا مهمًا
- العراق مستعد لتصدير نفط كردستان.. وخلاف حول 19 ألف برميل يعوق التنفيذ
المصادر:
- اتفاقية الغاز مع أذربيجان من "سانا"
- أحدث المستجدات حول واردات الغاز القطري والتركي إلى سوريا من منصة الطاقة المتخصصة