كيف تسهم تجارة النفط بين روسيا والهند في استقرار أسواق الطاقة؟ (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

- بحلول نهاية عام 2024 رسّخت الهند مكانتها بصفتها ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.
- روسيا توفر أكثر من ثلث إجمالي واردات الهند من النفط الخام.
- طفرة الطلب الهندي على الطاقة تمثل تحوطًا ضد العزلة الناجمة عن العقوبات الغربية.
- الشركات الخاصة الهندية العملاقة تُعيد تصدير النفط الخام الروسي المُكرّر إلى أوروبا وأسواق أخرى.
تُسهِم تجارة النفط بين روسيا والهند في استقرار أسواق الطاقة العالمية، خصوصًا بعد غزو موسكو لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
ونتيجة لاستمرار تصدع علاقات الطاقة العالمية تحت وطأة الخلافات الجيوسياسية، أصبحت تجارة النفط بين روسيا والهند واحدة من أكثر العلاقات الثنائية أهمية وتعقيدًا وإثارة للجدل في مرحلة ما بعد عام 2022.
وبحلول نهاية عام 2024، رسّخت الهند مكانتها بصفتها ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، مسجلةً استهلاكًا يوميًا بلغ 5.6 مليون برميل يوميًا، بزيادة قدرها 3.1% على أساس سنوي، وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA) ومنظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" (OPEC).
وفي الوقت نفسه، برزت روسيا بصفتها أكبر مورد للنفط إلى الهند؛ إذ تُمثل ما يقرب من مليوني برميل يوميًا، أو أكثر من ثلث إجمالي واردات الهند من النفط الخام، بحسب ما أكّد وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري، في ندوة أوبك الدولية التي عُقدت في فيينا خلال يوليو/تموز 2025.
التفاهم في مجال الطاقة
يأتي التفاهم في مجال الطاقة بين روسيا والهند نتيجة لاضطراب الأسواق الناجم عن العقوبات.
واضطرت موسكو إلى إعادة هيكلة أسواق صادراتها بعد أن أدى غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 إلى فرض عقوبات شاملة من الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الـ7 وحلفائها من الاقتصادات الغربية.
ويشمل ذلك حظرًا على مستوى الاتحاد الأوروبي على النفط الخام الروسي المنقول بحرًا وتحديد سقف سعر نفط من جانب مجموعة الدول الـ7.
وانتهزت الهند، إلى جانب الصين، الفرصة لتأمين خام الأورال بأسعار مخفضة، محققةً بذلك فوائد اقتصادية مع الحفاظ على الحياد الدبلوماسي الرسمي.
في عام 2021، كانت صادرات النفط الروسية إلى الهند ضئيلة، وبحلول عام 2024، أصبحت الهند أكبر مشترٍ للنفط الخام من روسيا، متجاوزةً الصين في أشهر معينة.
الطلب الهندي على الطاقة
من وجهة نظر موسكو؛ فإن طفرة الطلب الهندي على الطاقة -المتوقع أن يصل إلى 11 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2045، وفقًا لوزير النفط هارديب سينغ بوري- تمثل تحوطًا ضد العزلة الناجمة عن العقوبات الغربية.
رغم ذلك؛ فإن هذا الشريان الحيوي هش؛ إذ تفتقر روسيا إلى قدرة إنتاجية احتياطية كبيرة، ولا سيما بالمقارنة مع المملكة العربية السعودية، وقد أدّت تخفيضات إنتاج تحالف أوبك+ -طوعية أم لا- إلى إخفاء جزئي لاستثماراتها المتناقصة في الاستكشاف والإنتاج والخدمات المتعثرة.
ودون استثمار موثوق في الاستكشاف والإنتاج أو الوصول إلى التقنيات الغربية، قد تكافح روسيا لتلبية نمو الطلب الهندي المستقبلي.
من ناحية ثانية، كان التحول المتسارع تجاريًا ومثل تقاربًا إستراتيجيًا بين دولتيْن متوسطتين رئيستين تعملان في عالم متعدد الأقطاب.
بالنسبة للهند، كان الدافع الرئيس هو القدرة على تحمل تكاليف الطاقة وأمن الإمدادات.
وبالنسبة لروسيا، أصبحت العلاقة شريان حياة اقتصادي؛ ما يوفر طلبًا مستقرًا وأرباحًا من العملة الصعبة وسط فك الارتباط الغربي.
العلاقة التجارية بين روسيا والهند
تُعد العلاقة التجارية بين البلدين بعيدة كل البعد عن التناسق؛ ففي عام 2024، صدّرت روسيا سلعًا إلى الهند بقيمة تزيد على 30 مليار دولار، معظمها على شكل نفط خام ومنتجات بترولية وأسمدة وفحم.
في المقابل، قُدّرت صادرات الهند إلى روسيا بما يتراوح بين 6 و7 مليارات دولار فقط، وشملت الأدوية والآلات والمأكولات البحرية والشاي والمنسوجات.
ويُعدّ الاختلال التجاري الخماسي الحلقة الضعيفة الهيكلية في العلاقة؛ فقد أحبط محاولات تطوير آلية دفع بالروبية الهندية؛ نظرًا إلى مشكلات قابلية تحويل العملات ومحدودية حجم صادرات الهند لاستيعاب الروبل.
وتعثرت جهود التداول بالعملات المحلية؛ بما في ذلك التجارب في بورصة موسكو.

وعلى عكس نظام اقتران الروبل باليوان، الذي ازداد حجمه بفضل التوازن التجاري بين روسيا والصين، لا تزال البنوك الهندية حذرة من انتهاك العقوبات الثانوية الأميركية.
ولم يأذن بنك الاحتياطي الهندي بتحويل الروبية إلى روبل على نطاق واسع، وتشكو الشركات الهندية بشكل روتيني من تأخير الدفع والعقبات البيروقراطية وبروتوكولات الامتثال غير الواضحة للمؤسسات المالية الخاضعة للعقوبات.
إضافة إلى ذلك، تزيد قيود الإمدادات من الصعوبات، وعلى الرغم من أن نوفوروسيسك لا يزال الميناء الروسي الرئيس الذي يستقبل البضائع الهندية؛ فإن متوسط أوقات الشحن يتراوح بين 28 و40 يومًا، ما يقلل من كفاءة التجارة.
ويوفر الممر البحري الشرقي، الذي يربط تشيناي بفلاديفوستوك، بديلًا محتملًا لمدة 23 يومًا، في حين يعد ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC) عبر إيران بخفض أوقات التسليم إلى 15-18 يومًا.
رغم ذلك، فإن كلا الطريقين يواجه اختناقات في البنية التحتية ونقص الاستثمار ونقاط ضعف جيوسياسية؛ خصوصًا الجزء الإيراني، الذي يخضع لعقوبات ثانوية أميركية وعدم كفاءة الخدمات في ملتقيات الطرق الرئيسة مثل ميناءي بندر عباس في إيران وأستراخان.
الضعف المؤسسي وتداعيات العقوبات
يُعد غياب اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي عاملًا مقيدًا إضافيًا.
وبدأت المفاوضات عام 2017، إلا أن الجمود السياسي، وهياكل الرسوم الجمركية المعقدة، والمخاطر الجيوسياسية الخارجية -خصوصًا التدقيق الأميركي المتزايد- عاقت التقدم.
وتشير التقارير إلى أنه بحلول منتصف عام 2025، من المتوقع أن تتكثف المحادثات، إلا أن الحواجز غير الجمركية، مثل عدم تطابق الشهادات، وقوانين الصحة النباتية، والتنسيق الجمركي، لا تزال تعوق الصادرات الهندية من الأدوية والمأكولات البحرية والسلع الزراعية إلى روسيا.
من جهة ثانية، يزيد الضغط المتصاعد من الولايات المتحدة من تعقيد الأمور؛ إذ اقترح السيناتور ليندسي غراهام وغيره من كبار المشرعين فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على جميع الواردات من الدول التي لا تزال تشتري الطاقة الروسية.
وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين يرون أن هذا الاقتراح تكتيك ضغط سياسي -أشبه بـ"دبلوماسية الرسوم الجمركية" التي انتهجها ترمب مع الصين- فإن تأثيره المُثبط المحتمل في المُصدّرين الهنود حقيقي.
وفُرضت عقوبات ثانوية على أكثر من 100 شركة هندية بسبب معاملاتها الجارية مع كيانات روسية. وبالنسبة لنيودلهي؛ فإن الموازنة الإستراتيجية بين تعميق التجارة مع موسكو والحفاظ على الوصول الحيوي إلى الممر التجاري الأميركي الذي تبلغ قيمته 129 مليار دولار تزداد صعوبة.
صادرات النفط الروسي
بالنسبة لموسكو، تُعدّ العلاقة مع الهند سلاحًا ذا حدين؛ وعلى الرغم من أنها تُوفّر منفذًا حيويًا لصادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا -لا سيما مع انخفاض الإنتاج بنسبة 3% في عام 2024، وفقًا لكلٍّ من إي آي وأوبك- فإنها تُقيّد أيضًا قدرة موسكو على تحديد الأسعار.
ونتيجة لتضييق قاعدة المشترين، التي تقتصر إلى حد كبير على الهند والصين، اللتين تعانيان فائضًا هيكليًا في العرض وحساسية للتكاليف، تُجبر روسيا على تقديم خصومات كبيرة، غالبًا ما تصل إلى 15-25 دولارًا للبرميل دون سعر خام برنت، للحفاظ على حصتها السوقية.
ووفّرت الخصومات على أسعار صادرات النفط الروسي مكاسب غير متوقعة لمصافي النفط الهندية، خصوصًا شركات القطاع الخاص العملاقة مثل ريلاينس (Reliance) ونايارا (Nayara)، التي تُعيد تصدير النفط الخام الروسي المُكرّر إلى أوروبا وأسواق أخرى.
وتُعَد استدامة المراجحة على المدى الطويل موضع شك؛ حيث يواجه قطاع الاستكشاف والإنتاج في روسيا نقصًا مزمنًا في الاستثمار، ومحدودية في الوصول إلى التكنولوجيا الغربية، واعتمادًا متزايدًا على سلاسل لوجستية تتجاوز العقوبات؛ بما في ذلك ناقلات النفط القديمة وترتيبات التأمين عالية التكلفة.

إلى جانب ذلك؛ فإن الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لروسيا ضئيلة، على عكس المملكة العربية السعودية، التي تحتفظ بالمرونة في رفع أو خفض الإنتاج ضمن معايير تحالف أوبك+.
وعلى الرغم من محاولات موسكو لتأطير تخفيضات الإنتاج بوصفها امتثالًا إستراتيجيًا لقرارات تحالف أوبك+؛ فمن المفهوم على نطاق واسع أن التراجع الهيكلي والضغط اللوجستي هما عاملان أساسيان مهمان.
في هذا السياق، يُعد الطلب المتزايد في الهند نعمة ونقمة في آن واحد؛ فهو يوفر شراءً مستقرًا ولكنه يؤكد هشاشة نموذج روسيا المعتمد على التصدير.
وشكّلت إيرادات النفط والغاز 30% من الموازنة الروسية في عام 2024، و21.5% في توقعات عام 2025؛ ما يُسلِّط الضوء على المخاطر المالية لأي انقطاع في التدفقات المتجهة إلى الهند.
الدوافع السياسية
سياسيًا، استثمرت الدولتان في خطابات الاستقلال الإستراتيجي، وقد حافظت الهند على رفضها الانضمام إلى أنظمة العقوبات الغربية، ووسّعت في الوقت نفسه علاقاتها مع الولايات المتحدة وفرنسا واقتصادات مجموعة الـ7 الأخرى.
ولا تزال الهند عضوًا محوريًا في مجموعة "الحوار الأمني الرباعي"، وفاعلًا عالميًا صاعدًا في مجموعة بريكس+، ومجموعة الـ20، ودول الجنوب العالمي.
من جانبها، تبنّت روسيا موقفًا حضاريًا معاديًا للغرب، متحالفةً بشكل أكثر انفتاحًا مع الصين وإيران وكوريا الشمالية في تكتل إصلاحي يُطلق عليه المحللون الغربيون اسم "محور التنين والدب".
في المقابل، ورغم هذا الاختلاف الأيديولوجي؛ فإن دلهي وموسكو تشتركان في إرث من عدم الانحياز، والتعاون الدفاعي، والتفكير الاقتصادي بقيادة الدولة.
وتستند تجارة النفط بين روسيا والهند، وإن كانت انتهازية، إلى عقود من العلاقات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
وفي الوقت نفسه؛ فإن الافتقار إلى الدعم المؤسسي -معاهدات حماية الاستثمار الرسمية، وآليات التحكيم، ومنصات حل النزاعات- يجعل العلاقة عرضة للصدمات الخارجية والتقلبات السياسية.
ما وراء تجارة النفط بين روسيا والهند
في محاولة لتوطيد العلاقات، اقترحت روسيا استقدام ما يصل إلى مليون عامل هندي مهاجر، لسد النقص في القوى العاملة الصناعية في ظل الحرب المطولة في أوكرانيا.
وسيُنشَر هؤلاء العمال في قطاعات المعادن والهندسة والتصنيع بمناطق مثل منطقة سفيردلوفسك.
رغم ذلك؛ فإنه تلوح في الأفق تساؤلات بشأن الرقابة التنظيمية وحقوق العمال والرؤية السياسية، ولا سيما في ظل كراهية الأجانب في روسيا ودبلوماسية الشتات الهندية العالمية.
وفي الوقت نفسه، دعت شركات هندية مثل سولتكس (Soltex) إلى زيادة البعثات التجارية والمشاركة الإقليمية، مشددةً على أن المشاركة الاقتصادية الروسية لا تزال متمركزة بشكل كبير حول موسكو.
ولا تربط سوى نسبة ضئيلة من المناطق الروسية روابط اقتصادية مباشرة بالهند، وغالبًا ما تواجه الشركات الهندية تأخيرات بيروقراطية وتحديات جمركية وغموضًا في السوق عند محاولة توسيع نطاق عملياتها في الاتحاد الروسي.
ويظل هدف التجارة الثنائية البالغ 100 مليار دولار، الذي نوقش لمدة طويلة، طموحًا ما لم يُتَوسع نطاق التجارة غير النفطية، وتنفيذ إصلاحات مؤسسية، وإعادة هيكلة البنية اللوجستية والمالية.
الأهم من ذلك، أنه لا يوجد بديل حقيقي لروسيا إذا خفّضت الهند وارداتها؛ فالأسواق الأخرى ببساطة لا تستطيع استيعاب الكميات المُصدّرة حاليًا إلى الهند.
ومن ثم يتزايد اعتماد موسكو على نيودلهي ويصبح غير متكافئ إلى حد كبير.

خلفيات علاقة تجارة النفط بين روسيا والهند
تُجسّد علاقة تجارة النفط بين روسيا والهند التناقضات الإستراتيجية للنظام متعدد الأقطاب في القرن الـ21.
وتُعد العلاقة مدفوعة بالطلب الهيكلي في دولة وعزلة جيوسياسية في دولة أخرى، لكنها مُقيّدة باختلالات التجارة، ومخاطر العقوبات، وغياب التماسك المؤسسي.
ومع استمرار ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة وركود نمو العرض، ستبقى حسابات الطاقة الهندية متجذرة في التنويع، ولكن ليس في الانفصال.
ويكمن الخطر الأكبر في روسيا: إذا تعرضت الهند لضغوط أميركية متزايدة أو واجهت تحولات اقتصادية محلية؛ فإن اعتماد موسكو المفرط على الهند بوصفها مُشتريًا قد يكشف عن ثغرة خطيرة.
في الوقت نفسه، قد تُطلق أي محاولة جادة من جانب واشنطن لفرض عقوبات طاقة تتجاوز حدودها الإقليمية سلسلة من ردود الفعل الجيوسياسية؛ ما يحفز المواءمة داخل مجموعة البريكس+، ويزعزع استقرار سلاسل التوريد العالمية، ويرفع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل.
في مثل هذا السيناريو، قد تصبح علاقات الطاقة بين روسيا والهند نقطة ساخنة في المنافسة الأكبر على النظام العالمي، وحوكمة التجارة والاستقلال الإستراتيجي.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- مستقبل التعاون النفطي بين الهند وروسيا (مقال)
- آثار خطيرة لارتفاع أسعار النفط في الهند.. ما علاقة السعودية وروسيا؟
- روسيا تهيمن على واردات الهند من النفط.. وبيانات عالمية تُنصِف الحجي
اقرأ أيضًا..
- أوبك ترفع توقعات الطلب على النفط إلى 123 مليون برميل يوميًا بحلول 2050
- 5 مشروعات تدعم انتعاش الغاز في ليبيا
- أكبر 10 دول أوروبية في قدرة الطاقة الكهرومائية.. النرويج وتركيا بالمقدمة