التقاريرتقارير السياراترئيسيةسيارات

سر الارتفاع "الوهمي" لمبيعات السيارات الصينية.. الأسباب والتداعيات

آلاف المتعاملين في الصناعة يروّجون للسيارات الجديدة بوصفها "مستعملة"

هبة مصطفى

تلفت أرقام مبيعات السيارات الصينية الأنظار عامًا تلو الآخر، إذ أظهرت بيانات حكومية ارتفاعًا إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، ما فتح المجال لتساؤلات حول أسباب وكيفية حدوث هذه الطفرة.

وبدأت تتكشّف ملامح "سوق رمادية" تؤدي دورًا بالغ الأهمية في زيادة المبيعات، حسب تحليل حديث اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن) على تفاصيله.

وتدريجيًا، نما في السوق الصينية اتجاه لبيع السيارات الجديدة تحت مظلة "سيارات مستعملة"، والتوسع في تصديرها، ما يضيف إلى "عدّاد" المبيعات أرقامًا تبدو وهمية وزائفة.

ويأتي هذا رغم أن المُصدّرين يدركون جيدًا أن هذه السيارات خرجت من المصانع وخطوط الإنتاج للتو، ولا تزال عدّاداتها تسجّل أرقامًا صفرية أو مسافات لا تُذكر، التي عادة ما تُعرف باسم "سيارات دون أميال".

وفي هذا التقرير نستعرض تفاصيل أكثر عن السوق الرمادية للسيارات في الصين، وكيف يعزز الدعم الحكومي نموها بطريقة غير مباشرة؟ وتداعياتها على السوق المحلية والعالمية.

بيانات صادرات السيارات الصينية

قال مستشار جمعية تجار السيارات الصينية، وانغ مينغ، إن آلاف المتعاملين في الصناعة يروّجون للسيارات الجديدة بوصفها "مستعملة"، منذ سمحت بكين بتصديرها عام 2019.

وأضاف أن نسبة السيارات ذات العدادات الصفرية "الجديدة" تصل إلى 90% من إجمالي 436 ألف سيارة صُدّرت تحت تصنيف "مستعملة" خلال العام الماضي.

بي واي دي
سيارة بي واي دي كهربائية صينية الصنع في معرض باريس للسيارات – الصورة من وكالة الأناضول

وتحولت الصين إلى أكبر مُصدّر للسيارات الجديدة عام 2023، وصدرت 6.41 مليون سيارة العام الماضي.

وبالتوازي مع ذلك انتعشت العائدات أيضًا، ورصدت شركة "هاونيو أوتو" المعنية ببيع السيارات المستعملة ذلك في تقارير أدائها المالي لعامي 2022 و2023.

وجنت الشركة ربحًا بقيمة 10 آلاف يوان (1.400 دولارًا أميركيًا) لسيارة كهربائية سيدان، اشترتها من شركة صينية بقيمة 40 ألف يوان وباعتها "على أنها مستعملة" في آسيا الوسطى.

(اليوان الصيني = 0.14 دولارًا أميركيًا)

وتشمل بيانات صادرات السيارات الصينية المبلغ بها كلًا من: سيارات محرك الاحتراق الداخلي العاملة بالبنزين والديزل، والكهربائية أيضًا، استنادًا إلى تحليل أجرته رويترز.

المبالغة في مبيعات السيارات الصينية

تقدّر مبيعات السيارات الصينية بأرقام كبيرة، لكن يبدو أن المبالغة وتضخيم البيانات باتا السمة الرئيسة لصناعة أكبر الاقتصادات الآسيوية وسوقها الرمادية.

لتفسير ذلك، يمكن النظر إلى ممارسات عدد لا بأس به من التجار، ممن يلتقطون السيارات من خطوط الإنتاج والتجميع ويصدرونها وهي تحمل صفة "مستعملة" أو "سيارات صفرية الأميال".

وتتم هذه العملية وفق خطوات:

  • شراء السيارة "الجديدة" إما من الشركة المصنعة وإما من تجار ووكلاء يعملون بوصفهم وسطاء.
  • تسجيلها محليًا بلوحة أرقام وتعريف صينية، لإكسابها الصبغة المحلية.
  • طلب تصنيفها بوصفها "مستعملة"، ويمكن تصديرها بهذه الصفة.
  • تحتسب السيارة ضمن مبيعات وعائدات الشركة المنتجة.

وبالوقوف على الخطوة الرابعة والأخيرة نجد أنها مفتاح شرح "فقاعة" مبيعات السيارات الصينية؛ إذ في هذه الحالة تُضاف أرقام "مصطنعة" إلى بيانات المبيعات.

وقد يُشعرك هذا بأن كل سيارة مستعملة احتُسبت بطريقة مزدوجة (مرة لدى تسجيلها في السوق المحلية بصفتها وحدة جديدة، وأخرى بصفتها مركبة للتصدير).

وبذلك، تنفّذ الشركة معاملتَيْن لكل سيارة "شراء، ثم بيع أو تصدير"، ما يرفع القيمة الإجمالية للمعاملات إلى "الضعف".

ويتكرر ذلك في الصادرات إلى أكثر من سوق، من بينها: روسيا، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط.

أسباب الفقاعة الصفرية

وفق الترتيب السابق ذكره، تشارك كل سيارة في "فقاعة" إحصائيات الصناعة مرتيْن، عبر تضخيم بيانات المبيعات المحلية الجديدة والصادرات المستعملة.

وربما يفضّل عدد من الوسطاء والمُصدرين ذلك لأسباب عدة، نذكر منها:

  • الدعم الحكومي

من غير المنطقي أن يُعاد تصدير السيارات صفرية المسافة بوصفها "مستعملة" دون دعم حكومي يضمن استمرار الظاهرة، خاصة أن بيانات مبيعات السيارات الصينية خلال السنوات الأخيرة تحمل أرقامًا مرتفعة.

ويبدو أن العملية برمتها تتم بموافقة ودعم حكومات الولايات والمقاطعات، بدافع إظهار نمو "مصطنع" في الناتج المحلي الإجمالي.

وكشفت بيانات عن أن الحكومات المحلية تساعد في إنجاز تصاريح وموافقات السيارات، بالإضافة إلى دعم حصول بعض المصدرين على حصص إنتاجية من وحدات إضافية فوق الحد المتاح للتسجيل، وتوفير مواقع لتخزين السيارات قرب المواني والمنافذ الحدودية تمهيدًا لتصديرها.

كما روّجت حكومات بعض المقاطعات إلى منصات إلكترونية لبيع السيارات المستعملة.

ورصد تحليل رويترز تورط 12 حكومة محلية في كارثة تضخيم مبيعات السيارات الصينية، وتصدير الوحدات الجديدة ذات العدادات الصفرية بوصفها "مستعملة".

  • التخلص من "تخمة" المعروض

ترغب الشركات في استمرار تحقيق نمو إنتاجي، وحتى يستمر دوران عجلة السوق يتعيّن التخلص من المبيعات الفائضة أولًا بأول، وتلبي "الصادرات المستعملة" هذا الهدف، خاصة لبعض الطرازات التي لا تلقى قبولًا محليًا.

السيارات الكهربائية الصينية تتكدس في الموانئ في انتظار الشحن للخارج
سيارات صينية تتكدس في ميناء بانتظار الشحن للخارج - الصورة من Rest of world
  • المنافسة السعرية

يقول مؤسس شركة "سينو" لاستشارات السيارات، تو لي، إن سوق السيارات الصينية عانت من "حرب سعرية" على مدار 4 سنوات، وقد يرجع هذا إلى تزايد عدد المنتجين وانخفاض تكلفة سلاسل التوريد.

وأدت المنافسة بين المنتجين إلى انخفاض سعري واضح في السوق المحلية، ما دفع الشركات للبحث عن مبيعات وأرباح أعلى من التصدير.

  • التغلّب على الرسوم والحصص التصديرية

يسعى بعض التجار -من خلال تصدير السيارات الصينية تحت تصنيف "مستعملة"- إلى التغلّب على بعض التحديات، مثل: فتح أسواق جديدة في ظل قيود الرئيس الأميركي دونالد ترمب على سوق الولايات المتحدة والرسوم الجمركية.

وكذلك إلزام بعض الدول للموردين بحصة محددة من السيارات الجديدة، لإفساح مجال للإنتاج المحلي.

آثار استمرار المبالغة في مبيعات السيارات

ينعكس استمرار ظاهرة الفقاعة الصفرية، وتسجيل مبيعات السيارات الصينية بصورة مزدوجة "محليًا، وللتصدير" على الصناعة سلبًا وإيجابًا، لأسباب عدة:

  • مخاوف الإغراق

نستنتج من اندفاع التجار نحو التصدير استقرار السوق المحلية، وتجاوز الإنتاج لمعدل الطلب.

ويثير تزايد صادرات السيارات الصينية مخاوف الأسواق الخارجية من "خطر الإغراق"، باستقبال واردات ذات سعر ينخفض عن السعر المحلي.

وتنمو هذه المخاوف في ظل الدعم الحكومي الصيني لصناعة السيارات، ما يرفع عائدات المنتجين والشركات.

واتخذت روسيا إجراءات ضد هذه السيارات، إذ أقرت عام 2023 بحظر بيع الموزعين للسيارات المستعملة التي لم يسجل عدادها مسافات طويلة، وعقب ذلك روّجت هيئات رسمية إلى أن ذلك يشمل سيارات شركات صينية مثل: جيلي وغيرها.

كما يعيد الأردن صياغة تعريف "السيارات المستعملة" بين الواردات، باشتراط استقبال السيارات التي مضى على إنتاجها وترخيصها مدة زمنية طويلة.

  • انعدام الثقة

يخشى محللون من تسبّب هذه الظاهرة في الإضرار بسمعة العلامات الصينية في الأسواق الخارجية، ومنح المستثمرين الأجانب تقييمًا متشككًا للصناعة في بكين.

ويشمل ذلك إنشاء متاجر صغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وطرح السيارات الصينية المستعملة للبيع بأسعار تخفض عائدات المُصدرين.

  • توريط السيارات الكهربائية

شملت المبالغة في إحصاءات مبيعات السيارات الصينية التضخيم في مبيعات المركبات الكهربائية، رغم أن غالبية الصادرات المستعملة "ذات العدادات الصفرية" من الأنواع التقليدية العاملة بمحرك الاحتراق الداخلي، التي لا تلقى رواجًا في سوق بكين المحلية.

ونظرًا إلى نمو عدد الشركات المنتجة، تواجه سوق بكين فائضًا في معروض السيارات الكهربائية.

ونتيجة لذلك، تواجه السيارات الكهربائية أيضًا تهم المبالغة في تضخيم مبيعات السيارات الصينية، عبر اتجاه بعض التجار والشركات إلى تسجيل سيارات جديدة ضمن مبيعات السوق المحلية للحصول على الدعم الحكومي، ثم إعادة تصديرها بوصفها "مستعملة".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق