التقاريرتقارير الغازرئيسيةغاز

التنقيب عن غاز شرق المتوسط يثير نزاعًا بين ليبيا واليونان.. ما دور تركيا؟

سامر أبووردة

أعادت مناقصة يونانية للتنقيب عن غاز شرق المتوسط التوتر إلى العلاقات بين أثينا وطرابلس، بعدما أعلنت ليبيا اعتراضها على بعض المناطق المطروحة ضمن العطاءات الدولية، وعدّتها انتهاكًا لحدودها البحرية.

تأتي هذه الخطوة خلال وقت تستعد فيه شركات دولية كبرى؛ من بينها شيفرون الأميركية، لدخول مناطق استكشاف جديدة جنوبي جزيرة كريت، وسط اهتمام متزايد من الدول الأوروبية بالاحتياطيات المحتملة في شرق البحر المتوسط.

ويكتسب هذا الملف أبعادًا جيوسياسية حساسة بسبب الخلفيات التاريخية المرتبطة بترسيم الحدود البحرية، فضلًا عن اتفاق بحري مثير للجدل أبرمته ليبيا مع تركيا قبل أعوام؛ ما يجعل النزاع الحالي امتدادًا لمواجهة إقليمية أوسع نطاقًا.

ووفقًا لبيان طالعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، حذّرت ليبيا من مغبة اتخاذ خطوات أحادية الجانب في مناطق متنازع عليها، مؤكدة أن التنقيب دون تفاهم قانوني يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق السيادة.

اعتراض ليبي على مناقصة يونانية

أعلنت وزارة الخارجية الليبية، في بيان رسمي، الخميس 19 يونيو/حزيران 2025، اعتراضها الكامل على إعلان اليونان دعوة دولية لتقديم عروض استكشاف الهيدروكربونات جنوب جزيرة كريت.

وقالت الوزارة إن جزءًا من المناطق المطروحة ضمن العطاءات يقع في نطاق بحري متنازع عليه مع ليبيا، مؤكدة أن أي عمليات تنقيب في هذه المساحات تمثّل انتهاكًا مباشرًا لسيادة الدولة الليبية.

ودعت الخارجية الليبية الحكومة اليونانية إلى تحكيم منطق الحوار والتفاوض، مشيرة إلى أن البحر المتوسط يجب أن يبقى فضاءً للتعاون والسلم، وليس ميدانًا للتجاذبات السياسية والاقتصادية.

وجاء هذا الاعتراض بعد أن طرحت السلطات اليونانية، الشهر الماضي، مناقصة للتنقيب عن غاز شرق المتوسط في المنطقة.

ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان يتيح زيادة عمليات التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط
صورة جوية لمنطقة شرق المتوسط

الموقف اليوناني

أكد وزير الخارجية اليوناني جورج جيرابتريتيس، أمام البرلمان، أن بلاده منفتحة على مناقشة ترسيم المناطق البحرية مع ليبيا، شريطة أن يكون ذلك "وفق القانون الدولي".

وكشف مسؤول بالخارجية اليونانية عن أن الوزير يعتزم زيارة طرابلس خلال الأسابيع المقبلة، في مسعى لتهدئة الأجواء المتوترة والتباحث بشأن سبل الحل الدبلوماسي للنزاع.

ويبدو أن أثينا تحاول الفصل بين مسار التفاوض السياسي ومسار الاستكشاف الاقتصادي، إذ لم تُبدِ حتى الآن أي نية لتجميد المناقصة أو إعادة النظر في نطاقها الجغرافي رغم التحفظ الليبي.

اتفاق بحري تركي ليبي

يرتبط النزاع الليبي-اليوناني باتفاقية ترسيم حدود بحرية مثير للجدل وقعته حكومة الوفاق الوطني الليبية مع تركيا في أواخر عام 2019، نصّ على إقامة منطقة اقتصادية خالصة تمتد من السواحل التركية إلى السواحل الليبية، متجاهلًا كليًا جزيرة كريت.

وأثار الاتفاق غضبًا في أثينا؛ إذ رفضته وعدّته مخالفًا للقانون الدولي ويستهدف توسيع النفوذ التركي على حساب حقوق الدول المجاورة في غاز شرق المتوسط، وقد تبعه تصعيد ميداني شمل إرسال أنقرة سفن تنقيب إلى مناطق متنازع عليها.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج - الصورة من "DW"

وتتهم اليونان تركيا باستغلال الوضع الليبي لترسيخ وجودها في البحر المتوسط، ويُعد الاتفاق بالنسبة لها بمثابة تقويض لجهود إرساء قواعد واضحة لتقاسم الموارد في المنطقة.

تفاصيل المناقصة اليونانية

في 2 مايو/أيار 2025، أعلنت وزارة الطاقة اليونانية فتح مناقصة للتنقيب في 4 مناطق بحرية، منها اثنتان جنوب جزيرة كريت، بعد اهتمام رسمي من شركتي شيفرون وهيلينيك للطاقة.

وأفادت الوزارة بأن تحالفًا تقوده إكسون موبيل أجرى تقييمات زلزالية سابقة في كتلتين قبالة كريت، ضمن جهود مستمرة لتعزيز أنشطة التنقيب عن الغاز في المنطقة.

وأشارت إلى أن المستثمرين أمامهم 90 يومًا لتقديم عروضهم بعد نشر العطاءات رسميًا في الاتحاد الأوروبي.

وتسعى اليونان إلى استكمال مراحل المناقصة بحلول أغسطس/آب المقبل، تمهيدًا لمصادقة البرلمان على الاتفاقات النهائية مع الفائزين بالعطاءات بنهاية العام الجاري.

حقل برينوس لإنتاج النفط والغاز، مقدونيا الشرقية، اليونان - الصورة من إنرجين أويل أند جاز
حقل برينوس لإنتاج النفط والغاز، مقدونيا الشرقية، اليونان - الصورة من إنرجين أويل أند جاز

نزاعات حول غاز شرق المتوسط

أدّى اكتشاف كميات كبيرة من الغاز قبالة السواحل المصرية والقبرصية إلى دفع العديد من دول المنطقة، وعلى رأسها اليونان، إلى تكثيف عمليات التنقيب في شرق المتوسط خلال الأعوام الماضية.

ويُعد غاز شرق المتوسط من الملفات الأكثر حساسية في علاقات الدول المطلة على البحر المتوسط؛ نظرًا إلى تضارب المصالح وتداخل مناطق النفوذ البحري.

وقد حاولت بعض الدول، مثل مصر وإسرائيل واليونان وقبرص، إنشاء أطر للتعاون، إلا أن النزاعات الثنائية ظلت تعوق هذا المسار.

وتأمل أثينا في أن يشكّل هذا المورد ركيزة لأمنها الطاقي واستقلالها عن واردات الغاز.

الموقف التركي

رغم عدم وجود موقف رسمي حديث من أنقرة بشأن المناقصة الأخيرة؛ فإن تركيا تبقى طرفًا حاضرًا بقوة في خلفية المشهد؛ نظرًا إلى اتفاقها السابق مع ليبيا، وسجلها الطويل من المواجهات البحرية مع اليونان.

وترى تركيا أن الاتفاق المبرم في 2019 يمنحها حق الوجود في مناطق تعدها اليونان ضمن نطاقها البحري، وتستند إلى تأويل خاص لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار رغم أنها لم تصادق عليها.

ومن غير المستبعد أن تعود تركيا إلى واجهة الأحداث إذا ما تصاعد الخلاف، أو إذا تطورت أعمال التنقيب إلى أنشطة تنفيذية قد تمس المصالح التي ترى أنقرة أنها تندرج ضمن نطاق تفاهمها مع ليبيا.

الخلاصة:

تعكس أزمة التنقيب عن غاز شرق المتوسط حجم التعقيد الذي يكتنف توزيع الثروات الطبيعية في المنطقة، وسط تداخل المصالح الإقليمية والدولية، وغياب تفاهمات قانونية شاملة.

وفي ظل استمرار الخطوات الأحادية، فإن الحوار الشامل يظل الطريق الوحيد لتجنّب صدامات جديدة في أحد أكثر بحار العالم توترًا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

  1. ليبيا تعترض على مناقصة يونانية للتنقيب عن الهيدروكربونات قبالة جزيرة كريت من "رويترز".
  2. بيان وزارة الخارجية الليبية.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق