المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

طريق إعمار سوريا يبدأ من النفط (مقال)

أحمد بدر

منذ اندلاع الثورة في سوريا في عام 2011، شهد قطاع النفط تراجعًا حادًا، مثّلَ أحد أبرز تجليات الانهيار الاقتصادي الذي عاشته البلاد.

فقد كان النفط يشكّل ركيزة رئيسة في تمويل موازنات الدولة، وتوفير المشتقات الحيوية للسكان، قبل أن تتحول الحقول إلى ساحات صراع وتخريب ممنهج.

قبل الثورة، بلغ إنتاج سوريا من النفط مستويات مستقرة مكّنت الحكومة من تصدير كميات مُقَدَّرة، وتوفير حاجة السوق المحلية نسبيًا.

غير أن الحرب -وما تبعها من انسحاب الدولة من مناطق واسعة تضم الثروات الباطنية- قلبت المعادلة رأسًا على عقب.

ومع خروج معظم حقول النفط عن سيطرة الدولة، انخفض الإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة، في حين تصاعدت الحاجة إلى الاستيراد في ظل انقطاع الطرق والتمويل.

تدمير البنية التحتية للنفط

أدت سنوات النزاع إلى تدمير البنية التحتية الحيوية للنفط، وفي قطاع الطاقة عمومًا، لا سيما في الشمال الشرقي، إذ يتركز أغلب الحقول.

ومع مغادرة الرئيس الهارب بشار الأسد فعليًا لمواقع القرار التنفيذي، وتشتُّت مراكز السلطة، وبرغم تفاقم التدهور في هذا القطاع، وسط غياب الاستثمار أو الصيانة أو حتى السيطرة التنظيمية، ففي الأفق تلوح بوادر انفراجة.

حقل التنك
حقل التنك النفطي في سوريا

وعلى الرغم من هذا الواقع المعقّد، فإن بوادر التعافي تبدأ من حيث انتهى التدمير: النفط، إذ يمثّل قطاع الطاقة مفتاحًا حاسمًا لأيّ عملية إعادة إعمار فعلية، نظرًا لقدرته على توليد الدخل، وتحريك عجلة الصناعة والخدمات، وتوفير الوقود اللازم لحياة المدنيين.

وفي هذا الإطار، تظهر المصافي السورية بصفتها ركائز دفاعية، تحاول تعويض جزء من العجز، وسط ضبابية سياسية واقتصادية.

وعليه، فإن فهم واقع النفط السوري اليوم، من حيث الإنتاج والمصافي ومستقبل القطاع، أمر لا غنى عنه لرسم معالم الخروج من النفق الطويل.

حجم إنتاج النفط في سوريا

تشير أحدث البيانات إلى أن حجم إنتاج النفط في سوريا لا يتجاوز 46 ألفًا و800 برميل أسبوعيًا (6600 برميل يوميًا)، وهو رقم متواضع جدًا مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، التي كانت تقارب 385 ألف برميل يوميًا في عام 2010.

هذا الانخفاض الحادّ يعكس حجم التحديات البنيوية والسياسية التي تعاني منها البلاد، سواء من حيث فقدان السيطرة على الحقول، أو غياب الاستثمارات، أو تضرُّر البنى التحتية.

فخلال المدة السابقة للحرب، حقّق قطاع النفط في سوريا أداءً لافتًا، إذ بلغ الإنتاج ذروته عام 2000، متجاوزًا 500 ألف برميل يوميًا، واستمر بمعدلات مرتفعة حتى عام 2010، وفقًا لبيانات صادرة عن شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.

قطاع النفط في سوريا

ولكن بالرغم من سيطرة نظام الأسد بالكامل على القطاع خلال هذه المدة، سرعان ما تراجع الإنتاج، تدريجيًا، في الأشهر الأولى من الحرب التي اندلعت في عام 2011.

وتكفي نظرة واحدة على تقارير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) -التي تنفرد بها قبل أيّ وسائل إعلام أخرى، حتى السورية منها- لمعرفة حجم الأزمة، إذ كشفت أنه خلال المدة بين 2013 و2023 تراوحَ إنتاج النفط في سوريا بين 70 و40 ألف برميل يوميًا، قبل أن يرتفع إلى 89 ألف برميل يوميًا في 2024.

وبالرغم من هذا الارتفاع، أصبحت الدولة حاليًا -بعد هروب الأسد ونظامه- في مواجهة قاسية مع واقع مرير، خاصة مع تراجع الإنتاج، إلى ما يعادل 6600 برميل يوميًا، وهو ما لا يكفي لإنارة قرية لمدة 24 ساعة.

في المقابل، تبلغ واردات سوريا من النفط 985 ألفًا و400 برميل أسبوعيًا (نحو 141 ألف برميل يوميًا)، ما يضع ضغوطًا كبيرة على الموازنة العامة، ومع هذه الضغوط، تتزايد المخاوف من تبعية الاقتصاد للتمويل الخارجي، سواء من الحلفاء أو من السوق السوداء.

حقول النفط في سوريا

تتركز غالبية حقول النفط السورية في المناطق الشمالية الشرقية، وتحديدًا في محافظتي دير الزور والحسكة، إلّا أن هذه الحقول تقع بمعظمها خارج سيطرة الحكومة المركزية.

وتخضع أعداد كبيرة من الحقول المنتجة، وكذلك الحقول التي يمكن أن تعاود الإنتاج من جديد، لجهات محلية أو لقوى أجنبية، ما يجعل إعادة تأهيلها واستثمارها أمرًا شديد التعقيد.

وكانت منصة الطاقة قد أعدّت ملفًا خاصًا عن حقول النفط والغاز في سوريا، التي تَصدَّرها حقل العمر النفطي، الذي يمثّل طوق نجاة للدولة، وكذلك حقل الورد، الذي كان من أهم دعائم إنتاج الخام في سوريا قبل عام 2011، وحقول كونكو والسويدية.

كما تضمَّن الملف بيانات تفصيلية ونادرة، مدعومة بالأرقام والتواريخ، عن حقول التنك ونيشان والتيم والشاعر، وتوينان وجحار، بما يبرز أهمية هذا القطاع العربي الواعد، بالرغم من الدمار الذي لحق به لسنوات.

وعلى الرغم من محاولات الإدارة السورية الجديدة بسط نفوذها على كل المناطق، فإن الفراغ السيادي في بعض هذه المناطق حالَ دون تنفيذ مشروعات إصلاح أو تطوير في مرحلة ما قبل التحرير.

في الوقت نفسه، هُرِّبَت كميات كبيرة من النفط خلال سنوات النزاع، دون أن تعود عائداتها على الدولة أو السكان المحليين. ومع استمرار هذا الواقع، يبقى الاعتماد على المصافي المتبقية في الداخل هو الخيار المتاح.

حقول النفط والغاز في سوريا

مستقبل إنتاج النفط السوري

على الرغم من التحديات الراهنة، فإن مستقبل إنتاج النفط السوري يرتبط بمدى القدرة على استعادة الحقول بكامل السيادة عليها، وإعادة تشغيلها بطريقة احترافية ومستدامة.

ويتطلب ذلك حلولًا سياسية واقتصادية متكاملة، تبدأ من استقرار الأوضاع الأمنية، وتصل إلى جذب شركات متخصصة قادرة على العمل في بيئة معقّدة.

وبالنظر إلى الاحتياطات المؤكدة من النفط في سوريا، فإن الفرص متاحة لإعادة تأهيل القطاع.

لكن أيّ خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تنطلق من رؤية وطنية شاملة، تتجاوز الحسابات الضيقة، وتراعي الحاجة إلى العدالة في توزيع الموارد، ودمج المجتمعات المحلية في عملية النهوض الاقتصادي.

وهنا يأتي دور المصافي في دعم قطاع الطاقة السوري، إذ تؤدي المصافي دورًا أساسيًا في تأمين جزء من حاجة السوق السورية من المشتقات النفطية.

وبحسب أحدث المعلومات -من وزارة الطاقة السورية- تعمل مصفاة حمص على تكرير 15 ألفًا و757 طنًا من النفط الخام أسبوعيًا، في حين تُكرِّر مصفاة بانياس 37 ألفًا و220 طنًا أسبوعيًا، ما يجعل منهما شريانًا حيويًا في قطاع الطاقة.

وتسهم هذه الكميات المكررة في إنتاج 4600 طن من البنزين، و13 ألفًا و280 طنًا من المازوت، و928 طنًا من الغاز المنزلي أسبوعيًا.

ورغم أن هذه الأرقام لا تلبي سوى جزء يسير من الطلب المحلي، فإنها تشكّل حائط الصدّ الأخير أمام الانهيار الكامل في منظومة الطاقة.

إن إعادة تأهيل المصافي وزيادة قدرتها التكريرية يمكن أن تشكّل هدفًا إستراتيجيًا في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما ارتبط ذلك بخطّة لتطوير شبكات التوزيع، ومكافحة الفساد، وتحقيق عدالة في إيصال الوقود.

وختامًا، ليس من المبالغة القول، إن الطريق إلى إعمار سوريا يمرّ عبر قطاع النفط. فهو ليس فقط مصدرًا ماليًا ضروريًا فحسب، بل هو ركيزة أساسية لتشغيل باقي القطاعات، من نقل وصناعة وزراعة.

وإذا ما أُُحسن توظيف ما تبقّى من قدرات، واستُعيدَ ما فُقِد بحكمة، فإن النفط يمكن أن يتحول من لعنة في زمن الحرب، إلى نعمة في زمن السلام.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق