المقالاتأسعار النفطرئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

أثر تقلب أسعار النفط في قطاع الطاقة الروسي.. ضربة للسياسات والإيرادات (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الهيدروكربونات لا تزال ضرورية لاستقرار روسيا وطموحاتها في السياسة الخارجية.
  • من المتوقع أن ترتفع أسعار الغاز للأسر الروسية بنحو 50% بحلول عام 2028.
  • قطاع تصدير الطاقة يواجه تدقيقًا مكثفًا واضطرابات بسبب العقوبات التي تستهدف "أسطول الظل" الروسي.
  • حزمة العقوبات الـ17 للاتحاد الأوروبي أدرجت 189 ناقلة نفط في القائمة السوداء.

بدءًا من مايو/أيار 2025، يواجه قطاع الطاقة الروسي تحديات عديدة؛ أبرزها تقلّب أسعار النفط العالمية وتراجع الإيرادات المالية؛ ما يؤثر في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد.

وأدّى تضافر العقوبات الغربية القاسية وتناقضات السياسات الداخلية إلى خلق مفارقة؛ إذ لا تزال الهيدروكربونات ضرورية لاستقرار الدولة وطموحاتها في السياسة الخارجية، إلا أن إنتاجها وفرض الضرائب عليها وتسييلها أصبحت مضطربة.

وفي الوقت نفسه، يسعى الكرملين إلى استعمال صادرات الطاقة سلاحًا في حساباته الإستراتيجية، ويحاول جاهدًا احتواء الركود الاقتصادي المحلي والحفاظ على الخدمات العامة.

وتُقدِّم هذه القصة سردًا شاملًا قائمًا على البيانات بشأن محاولة الحكومة الروسية، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وبتوجيه من تكنوقراط مثل وزير المالية أنطون سيلوانوف ونائب وزير الطاقة بافيل روبتسوف، لمواءمة هيكل الطاقة المالي في ظل ضغوط متصاعدة من الجبهتين المحلية والدولية.

إنتاج الغاز والنفط: الضغوط الهيكلية والاستجابات الإستراتيجية

أكملت وزارة الطاقة الروسية، بالتعاون مع الوكالة الفيدرالية الروسية لاستثمار الثروات الطبيعية "روسنيدرا" (Rosnedra) ووزارة الموارد الطبيعية، جردًا لاحتياطيات الغاز في أوائل عام 2025، كاشفةً عن إمكانات إنتاجية طويلة الأجل لا يمكن استغلالها في ظل الظروف المالية الحالية.

ووفقًا لنائب وزير الطاقة بافيل روبتسوف؛ فإن تحقيق هذه الإمكانات سيتطلب إدخال مزايا كبيرة في نظام ضريبة استخراج المعادن.

ويُمثل الهيكل الضريبي الحالي، حاليًا، أكبر عقبة أمام الربحية في قطاعي الغاز والنفط.

بالنسبة للنفط، يقترب الوضع من مستويات حرجة، ولذلك حذر روبتسوف من أن "عددًا كبيرًا من سيناريوهات الإنتاج أصبحت الآن غير مربحة"، مضيفًا أنه في حال استمرار انخفاض الأسعار، ستتوقف روسيا عن الاستثمار في هذا القطاع.

ويبدو أن هدف الإنتاج الحالي البالغ 540 مليون طن من النفط سنويًا حتى عام 2050 بعيد المنال دون ضخ تمويل كبير - أي مضاعفة مستويات الاستثمار الحالية، وفقًا للوزارة.

ومن المفارقات، أن إستراتيجية روسيا للطاقة حتى عام 2050 لا تزال متفائلة.

ويؤكد روبتسوف أن الطلب العالمي على النفط سيستمر في النمو، وأن دول تحالف أوبك+ -بما فيها روسيا- لديها إمكانات كبيرة لتوسيع احتياطياتها وزيادة إنتاجها.

تخفضيضات إنتاج أوبك+ الطوعية

ورغم نظام العقوبات المستمر؛ فلا يخطط الكرملين لخفض الإنتاج، بل يراهن على مزيج من نمو الاستهلاك المحلي، والالتفاف على القيود الغربية، وارتفاع الطلب من الصين والهند وتركيا وغيرها من دول الجنوب العالمي.

عدم الاستقرار المالي: مواءمة الموازنة في ظل انهيار إيرادات النفط

في مايو/أيار 2025، أدخلت الحكومة الروسية تعديلات شاملة على الموازنة الفيدرالية لمواجهة انهيار إيرادات النفط والغاز.

وكانت الموازنة الأصلية قد توقعت إيرادات قدرها 40.3 تريليون روبل، بسعر 69.70 دولارًا للبرميل لخام الأورال.

بحلول الربع الثاني من عام 2025، انخفضت أسعار خام الأورال إلى 54.76 دولارًا للبرميل، وارتفع سعر الروبل إلى 79.7 روبل للدولار الأميركي، مقارنةً بالسعر المتوقع البالغ 96.5 روبل للدولار الأميركي، ما أدى إلى مزيد من تآكل إيرادات التصدير.

(الروبل الروسي = 0.013 دولارًا أميركيًا)

إيرادات صادرات النفط الروسي

نتيجة لذلك، خُفِّضَت إيرادات النفط والغاز بمقدار 2.6 تريليون روبل، لتصل إلى 8.3 تريليون روبل فقط. واتسع عجز الموازنة الأوسع نطاقًا إلى 3.8 تريليون روبل (1.7% من الناتج المحلي الإجمالي)، أي أكثر من 3 أضعاف العجز المستهدف في البداية والبالغ 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

على الرغم من ذلك؛ فلا يزال الكرملين مصممًا على تحقيق أهداف التنمية الوطنية.

وقد رُفعت النفقات من 41.5 تريليون روبل إلى 42.3 تريليون روبل، مع زيادة تمويل البرامج الاجتماعية والدفاع والتحويلات الإقليمية.

وستُسَد الفجوة جزئيًا بالسحب من صندوق الرفاه الوطني (NWF)، وهو أداة استقرار مالي ستُصرف 447 مليار روبل في عام 2025، تاركةً رصيدًا منخفضًا ولكنه لا يزال كبيرًا يبلغ 12.8 تريليون روبل بحلول نهاية العام.

ويُعتمد ذلك بشكل أكبر على الإيرادات غير المتعلقة بالموارد -خصوصًا ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل الشخصي- حتى في ظل دعوات من داخل مجلس الدوما لزيادة الضرائب على شركات النفط والغاز والبنوك.

من ناحيته، رفض وزير المالية أنطون سيلوانوف، هذه الدعوات، محذرًا من تقويض ربحية الشركات وحوافز الاستثمار.

غازبروم: مفارقة مؤسسية

تُجسّد شركة غازبروم (Gazprom)، عملاقة الغاز الروسي المملوكة للدولة، مفارقة الطاقة في البلاد.

نظريًا، تُحقق الشركة أرباحًا عالية: وفقًا للمعايير المحاسبية الدولية، سجّلت صافي ربح قدره 1.22 تريليون روبل في عام 2024.

ووفقًا للمعايير المحاسبية الروسية (RAS) -المستعملة لحساب الالتزامات الضريبية- سجّلت غازبروم خسارة صافية قدرها 1.076 تريليون روبل في المدة نفسها.

يُعزى هذا التباين بشكل كبير إلى أداء شركتها التابعة، غازبروم نفط (Gazprom Neft)، التي تكبّدت خسارة صافية قدرها 21.3 مليار روبل في الربع الأول من عام 2025، مقارنةً بأرباح قدرها 36.9 مليار روبل في الربع نفسه من عام 2024.

وتعزو الشركة هذا التراجع إلى انخفاض أسعار النفط، والظروف الاقتصادية الكلية غير المواتية، وارتفاع التكاليف المرتبطة بتمويل المشروعات الدولية.

نتيجةً لذلك، من المتوقع أن ترتفع أسعار الغاز للأسر الروسية بنحو 50% بحلول عام 2028، ما سيؤدي إلى تأثير متتالٍ في قطاعات الكهرباء والتدفئة والمرافق.

ويشير قرار الحكومة بإعطاء الأولوية لخط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" والبنية التحتية الجديدة في مورمانسك وكاريليا إلى تحول نحو تسييل الغاز محليًا في ظل عدم موثوقية الأسواق الخارجية.

شركة غازبروم الروسية
شركة غازبروم الروسية - الصورة من ماال نيوز

الشحن والعقوبات

في موازاة ذلك، يواجه قطاع تصدير الطاقة تدقيقًا مكثفًا واضطرابات بسبب العقوبات التي تستهدف "أسطول الظل" الروسي.

وقد أدرجت حزمة العقوبات الـ17 للاتحاد الأوروبي 189 ناقلة نفط في القائمة السوداء، استُعملت للتهرب من سقف سعر النفط الذي حددته مجموعة الـ7 عند 60 دولارًا للبرميل.

بدورها، حاولت إستونيا، بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، اعتراض ناقلتي نفط روسيتين (كيوالا وجاغوار) في بحر البلطيق في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2025.

ردًا على ذلك، احتجزت روسيا ناقلة إستونية (غرين أدماير) في مياهها الإقليمية؛ ما أدى إلى تصعيد التوترات البحرية.

ووافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مجموعة من الإجراءات المضادة؛ بما في ذلك تعزيز أسطول البلطيق، وتسريع أوقات تفعيل الدفاع الجوي، ونشر أنظمة الحرب الإلكترونية، وبدء عمليات تفتيش غوص للسفن لمنع التخريب تحت الماء.

وأصبح ميناء أوست-لوغا الآن مركزًا لوجستيًا محصنًا، بالغ الأهمية لإعادة توجيه الصادرات إلى الهند والصين وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

واستعرض مساعد الرئيس الروسي رئيس المجلس البحري الروسي نيكولاي باتروشيف، وكبار المسؤولين الإقليميين والفيدراليين مرافق البنية التحتية الحيوية لصادرات الطاقة روسيا إلى الهند والصين وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وركزت المناقشات على زيادة معدل دوران البضائع، وتوسيع قدرات إعادة الشحن، وتحسين لوجستيات الحاويات، مع إيلاء اهتمام خاص لبناء أرصفة جديدة للمياه العميقة.

وإلى جانب الأهداف الاقتصادية، يُشكل الميناء ساحة اختبار إستراتيجية لإجراءات الأمن البحري.

وسلطت السلطات الضوء على نشر أنظمة الحرب الإلكترونية، وتسريع بروتوكولات الاستجابة للدفاع الجوي ضد تهديدات الطائرات المسيرة، وعمليات التفتيش الإلزامية للسفن بالغوص.

يأتي ذلك في أعقاب سلسلة من الحوادث البحرية، بما في ذلك غرق ناقلة النفط "أورسا ميجور" نتيجة أعمال تخريبية، والانفجارات التي وقعت على ناقلة النفط "كوالا".

وقد أدت هذه التطورات إلى فرض نظام تأهب أقصى دائم في جميع المواني الروسية الرئيسة في بحر البلطيق منذ فبراير/شباط 2024.

ناقلة نفط روسية في بحر البلطيق
ناقلة نفط روسية في بحر البلطيق - الصورة من بلومبرغ

التحولات التجارية والنفوذ الإستراتيجي

على الرغم من العقوبات؛ فلا تزال آلة التصدير الروسية تعمل بكفاءة.

ووفقًا لصحيفة بيلد الألمانية، من المتوقع أن تحقق روسيا إيرادات بقيمة 233 مليار يورو (264.62 مليار دولار) في عام 2025 من صادرات الطاقة؛ منها 20 مليار يورو (22.71 مليار دولار) من الاتحاد الأوروبي، وهو تدفق إيرادات يفوق إجمالي المساعدات العسكرية التي قدمها الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.

وتُغذي هذه الإيرادات المجمع الصناعي الدفاعي الروسي، ما يُمكّن موسكو من مواصلة حربها في أوكرانيا والاستثمار في البنية التحتية ذات الاستعمال المزدوج.

من جهته، يفيد البنك المركزي الروسي بأن المصدرين يُعيدون العملات الأجنبية بسرعة للاستفادة من ارتفاع أسعار صرف الروبل، في حين تُساعد مبيعات العملات الأجنبية المدعومة من صندوق الثروة السيادية الوطني في الحفاظ على استقرار العملة.

رغم ذلك؛ فإنه تكثر علامات التوتر الداخلي؛ حيث تُحذر وزارة التنمية الاقتصادية من "فرط تباطؤ منهجي" في الاقتصاد، مدفوعًا بارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الطلبات الصناعية.

ويتم تقليص أو تأجيل مشروعات مثل طائرة بايكال وآلات روستسيلماش، مع تحذير الصناعيين من تدمير رأس المال وفقدان الكفاءة.

وفي الوقت نفسه، تصر الحكومة على احترام خطط الرهن العقاري التفضيلية، وزيادات أجور القطاع العام، والاستثمارات في البنية التحتية الأساسية.

الآفاق المستقبلية

تعكس سياسة روسيا الحالية في مجالي الطاقة والمالية واقعًا ازدواجيًا عميقًا.

فمن جهة، تنتهج إستراتيجية جريئة ومنفتحة على الخارج لتسييل الهيدروكربونات في الأسواق الناشئة، وتعزيز ممرات التصدير، وعسكرة مراكز اللوجستيات الحيوية.

ومن جهة أخرى، تُقوّض هذه الإستراتيجية بنموذج اقتصادي محلي لا يزال معتمدًا على الموارد، ومتشددًا ماليًا، وعرضة لتقلبات الأسعار الخارجية.

وما لم يُجرِ الكرملين إصلاحًا اقتصاديًا أوسع نطاقًا -يشمل تنويع الاستثمارات، والإصلاح الضريبي، ونمو الإنتاجية في القطاعات غير المرتبطة بالموارد- فإن النموذج الحالي يُمهد لهشاشة طويلة الأجل.

وبالنسبة للغرب، الدرس واضح: ما دام أن روسيا تجني مليارات الدولارات من صادراتها من الطاقة؛ فإن العقوبات وحدها لن تُضعف قدرة الكرملين على الحرب أو الاضطراب الجيوسياسي.

التداعيات الإستراتيجية

  • تحتاج عقوبات الطاقة إلى آليات إنفاذ ثانوية، تستهدف بشكل خاص الخدمات المالية، والتأمين، وأساطيل الظل.
  • يشير تركيز روسيا المتزايد على تسعير الغاز المحلي والبنية التحتية إلى تحول من الاعتماد على التصدير إلى الاستثمار الداخلي.
  • يشير تسليح الكرملين البحري لبحر البلطيق إلى أن لوجستيات الطاقة أصبحت أكثر أمنًا.
  • وعلى الرغم من عجز الموازنة؛ فلا تزال قدرة روسيا على تمويل أهدافها الإستراتيجية قائمة؛ ما يؤكد الحاجة إلى سياسات احتواء شاملة.

العوامل المؤثرة:

  • تحركات أسعار النفط المرجعية لخام الأورال (الهدف أقل من 60 دولارًا).
  • النتائج الفصلية لشركة غازبروم نفط وسياسة توزيع الأرباح.
  • تدفقات العملات الأجنبية من مشتري الطاقة من دول البريكس ودول الجنوب العالمي.
  • صرف أموال صندوق الثروة الوطنية والامتثال للقواعد المالية.
  • الحوادث البحرية المتعلقة بناقلات النفط الروسية والإجراءات الانتقامية.

خلاصة القول، قد تُقلل روسيا نفقاتها، لكنها لا تزال تُغذي موازنتها بأرباح الهيدروكربونات، حيث لم تكن المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية، سابقًا، بهذا القدر من الأهمية.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق