خطط إيران لاستيراد الكهرباء من تركيا وأذربيجان.. هل تسد فجوة الطلب؟ (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- النقص الحادّ في الكهرباء أجبر قطاعات مثل الصلب والأسمنت على خفض إنتاجها
- قطاعا الأسمنت والصلب يمثّلان نحو 15% من استهلاك الكهرباء الصناعي
- استيراد الكهرباء يوفر للمستعملين الصناعيين بديلًا مجديًا ماليًا للإمدادات المحلية في ظل النقص
- خطة استيراد الكهرباء الإيرانية تُقدّم دعمًا كبيرًا للصناعات المتضررة من الانقطاعات المزمنة
تخطط إيران لاستيراد الكهرباء من تركيا وأذربيجان وسط تزايد الطلب في القطاعين الصناعي والمنزلي المحليين، خصوصًا في فصل الصيف.
وتهدف هذه الخطة، التي كُشفَت في مايو/أيار 2025، إلى تخفيف العبء على شبكة الكهرباء في طهران المثقلة بالضغوط، وتأمين تغذية موثوقة للصناعات الحيوية.
وابتداءً من منتصف مايو/أيار الجاري، أجبر النقص الحادّ في الكهرباء قطاعات مثل الصلب والأسمنت على خفض إنتاجها إلى 10% فقط من قدرتها لمدة أسبوعين.
وباستعمال البنية التحتية القائمة العابرة للحدود، مثل خطوط التيار المستمر عالي الجهد (HVDC)، تعتزم إيران حماية الإنتاجية الصناعية وتخفيف العجز الموسمي في الكهرباء.
الكهرباء في إيران من تركيا وأذربيجان
في 20 مايو/أيار 2025، سمحت شركة الكهرباء الحكومية الإيرانية، "توانير" (Tavanir)، لكبار المصنّعين باستيراد الكهرباء مباشرة من تركيا وأذربيجان، وذلك لتحقيق الاستقرار في الأنشطة الصناعية وتخفيف ذروة الطلب على الشبكة.
ويدعم هذه الواردات سعر صرف أجنبي مناسب، أقل بنحو 10% من مستوى السوق، ما يقلل التكاليف على المستعمِلين الصناعيين.
وتُنقَل الكهرباء من خلال خطوط ربط التيار المستمر عالي الجهد والتيار المتردد عالي الجهد، بما في ذلك ممر خوي-فان إلى تركيا وممر الربط المحدّث بقدرة 230 كيلوفولت مع أذربيجان، حيث يتيح كل منهما ما يصل إلى 500 ميغاواط من تبادل الكهرباء في الاتجاهين.
أزمة الكهرباء المحلية والاضطرابات الصناعية
شهدت شبكة الكهرباء في إيران ضغوطًا متزايدة نتيجةً لتأخُّر الاستثمار في البنية التحتية، وتأجيل الصيانة، ومحدودية استعمال الطاقة المتجددة.
في مايو/أيار 2025، ارتفع الطلب على الكهرباء في أوقات الذروة إلى 60.709 غيغاواط -بزيادة قدرها 6 غيغاواط عن العام السابق-، مدفوعًا بشكل كبير بموجات الحر في بداية الموسم التي زادت من احتياجات التبريد للمنازل.
في صيف عام 2024 بلغت ذروة الطلب 85 غيغاواط، وهو رقم يُضاهي الطلب في ألمانيا، ويزيد بنحو 3 أضعاف عن الطلب في مصر، ما يُبرز حجم التحدي الذي تواجهه إيران في مجال الطاقة.
في المقابل، تَحُول هشاشة الشبكة دون استيعاب متطلبات الحمل الأساس وذروة الطلب المتزايدة.
التأثير في الصناعات الرئيسة
أثّر نقص الكهرباء بشدة في القطاع الصناعي، ولذلك أصدرت وزارة الداخلية الإيرانية أوامرها لكبار مستهلكي الكهرباء -خصوصًا في قطاعي إنتاج الأسمنت والصلب- بخفض عملياتهم إلى 10% من مستوياتها القياسية في المدة من 15 إلى 30 مايو/أيار الجاري.
ويُمثّل هذان القطاعان نحو 15% من استهلاك الكهرباء الصناعي، ويسهمان بنحو 8% في الناتج المحلي الإجمالي لإيران.
وقد أدّت التخفيضات المفاجئة في الإنتاج إلى تعطيل التزامات التصدير، وهددت أهداف الإنتاج السنوية.
إزاء ذلك، حذّرت جمعية منتجي الأسمنت والجهات المعنية بصناعة الصلب من استمرار انقطاع سلسلة التوريد وخسائر الإيرادات، ما زاد من الدعوات إلى تدخلات فورية في سياسات الطاقة.

البنية التحتية والقدرة التقنية
تستعمل إيران خط التيار المستمر عالي الجهد بين تركيا وإيران، وخط الربط الكهربائي بين أذربيجان وإيران، وهما ممران مهمان لنقل الكهرباء، لتمكين استيراد الكهرباء.
ويضمن الربط غير المتزامن بين نظام تركيا الهجين 50/60 هرتز وشبكة إيران 50 هرتز استقرار الشبكة، وذلك من خلال تشغيل نظام التيار المستمر عالي الجهد بجهد 400 كيلوفولت، بسعة نقل 500 ميغاواط.
وفي الوقت نفسه، يدعم خط الربط الكهربائي بين أذربيجان وإيران -الذي شُيّد في البداية بجهد 230 كيلوفولت، ثم رُقّي إلى 330 كيلوفولت في عام 2016- 500 ميغاواط من التجارة ثنائية الاتجاه.
من جهتها، اشترت أذربيجان 35.3 مليون كيلوواط/ساعة من الكهرباء (بزيادة 7.9%)، وصدّرت 36.6 مليون كيلوواط/ساعة إلى إيران (بزيادة 9.9%) خلال المدة 2024-2025.
ومن خلال زيادة الوفرة وتنويع بدائل الإمداد، تعمل هذه البنى التحتية معًا لمنح الشركات الإيرانية مرونة في التبديل بين المصادر وفقًا للتوافر والتكلفة.
ويوفر استيراد الكهرباء للمستعمِلين الصناعيين بديلًا مجديًا ماليًا للإمدادات المحلية في ظل النقص.
ويمكن للتسعير الذي تنظّمه الحكومة، في ظل أسعار صرف مدعومة، أن يخفض تكاليف الشراء بنسبة 15% تقريبًا، مقارنةً بأسعار السوق الفورية.
من ناحية ثانية، يضيف النقل عبر التيار المستمر عالي الجهد ما بين 2 و3 دولارات أميركية لكل ميغاواط ساعة، لكن الاستقرار التشغيلي المكتسب يفوق هذه التكلفة الهامشية.
وبالنسبة لمصنع صلب يستهلك 200 غيغاواط ساعة شهريًا، يمكن لهذه الإستراتيجية أن توفر ما يقرب من 300 ألف دولار أميركي شهريًا، وتجنُّب خسائر تُقدَّر بنحو 1.2 مليون دولار أميركي، بسبب التوقف عن العمل.
وتمثّل هذه السياسة تحولًا من تقديم الدعم الحكومي إلى تقاسم التكاليف مع القطاع الخاص.
وعلى الرغم من أن وزارة الطاقة تتجنّب نفقات الدعم الصيفي المباشرة -المقدّرة بنحو 500 مليون دولار أميركي-، فإنّ تدفّق العملة الصعبة إلى الخارج المرتبط بالواردات يُشكّل ضغوطًا على احتياطيات إيران الأجنبية المحدودة أصلًا.
تجدر الإشارة إلى أن صادرات الغاز الإيراني إلى تركيا قد حققت 1.8 مليار دولار في عام 2024 (بزيادة قدرها 30%)، ولكن واردات الكهرباء قد تؤدي إلى تعويض بعض هذه المكاسب إذا أعادت الشركات المصنّعة توجيه إيرادات التصدير نحو تأمين الكهرباء المستوردة.

توجهات الطاقة الإقليمية والاعتبارات الجيوسياسية
تعزز تركيا مكانتها بصفتها مصدرًا إقليميًا للطاقة، بعد أن تعهدت في مارس 2025 بمضاعفة صادراتها من الكهرباء إلى العراق إلى 600 ميغاواط، مدعومةً بفائض في الطاقة المتجددة.
وبفضل قدرتها الكبيرة على توليد الطاقة الكهرومائية البالغة 36 غيغاواط و12 غيغاواط من طاقة الرياح، تحتفظ تركيا بالمرونة اللازمة لمواصلة مبيعات الكهرباء المواتية لإيران.
وتهدف أذربيجان إلى أن تكون حلقة وصل حيوية في مجال الطاقة بين منطقة بحر قزوين وأوروبا من خلال إدارة عمليات تبادل الكهرباء الموسمية مع إيران، بتصدير فائض الطاقة الكهرومائية صيفًا واستيراد الطاقة الكهروحرارية شتاءً.
ويتماشى ذلك مع طموح أذربيجان للانضمام إلى شبكة "إنتسو-إي" (ENTSO-E) الأوروبية وتنويع مسارات تصديرها.
وتعالج إيران مشكلات إمدادات الكهرباء من خلال إستراتيجية ذات شقّين: على المدى القصير، تطبيق عدّادات ذكية وأنظمة استجابة للطلب لتقليل ذروة الطلب بما يصل إلى 5 غيغاواط.
وتسعى إيران إلى تسريع مشروعات الطاقة الشمسية بالقرب من المناطق الصناعية، مثل محطة كرمان المخطط لها بقدرة 1 غيغاواط لتغطية 10-15% من الاستعمال النهاري.
وفي المستقبل، تخطط إيران لتعزيز التعاون الإقليمي من خلال ربط شبكتها مع باكستان وأفغانستان بمبادرة "كاسا" (CASA) لتقاسُم الأحمال عبر الحدود.
الفوائد الاقتصادية للصناعات الإيرانية
تُقدّم خطة استيراد الكهرباء الإيرانية دعمًا كبيرًا للصناعات المتضررة من الانقطاعات المزمنة.
في مايو/أيار 2025 وحده، كلَّف انخفاض الإنتاج بنسبة 90% على مدار 15 يومًا قطاعات مثل الصلب والأسمنت ملايين الدولارات، حيث يمكن أن تصل خسائر كل ساعة توقُّف إلى 300 ألف دولار.
ويمكن لـ4 ساعات فقط من استقرار الكهرباء يوميًا أن يوفر لمصنع متوسط الحجم 1.2 مليون دولار شهريًا. وتمنع الواردات الخسائر المباشرة، وتساعد في الوفاء بالتزامات التصدير والحفاظ على موثوقية سلسلة التوريد.
ماليًا، تُعدّ الواردات أقل تكلفة بكثير من تعرفات الذروة المحلية، حيث تبلغ تكلفتها نحو 0.054 دولار/كيلوواط/ساعة بسعر صرف مدعوم، أي أقل من نصف السعر المحلي الأعلى.
ويمكن لمصنع سيراميك يستعمل 50 غيغاواط/ساعة سنويًا أن يوفر 3.3 مليون دولار.
ويمكن أن تؤدي الاستفادة من الطاقة الكهرومائية الموسمية من أذربيجان إلى خفض التكاليف بنسبة 18%.
إعادة توجيه الغاز
إلى جانب الوفورات المباشرة، تسمح الكهرباء المستوردة لإيران بإعادة توجيه الغاز من توليد الكهرباء إلى الصادرات.
ومن المتوقع أن يُنتج استرداد 10% من صادرات الغاز 8.5 تيراواط/ساعة من الكهرباء و550 مليون دولار من الإيرادات.
وتُعدّ الفوائد القطاعية كبيرة: فاستيراد 500 غيغاواط ساعة من الكهرباء يمكن أن يعيد إنتاج 4.5 مليون طن من الأسمنت بقيمة 202 مليون دولار، بينما يمكن أن يُسهم إنعاش 15% من قدرة الصلب الخاملة في توليد 2.3 مليار دولار سنويًا.
من الناحية البيئية، يمكن لواردات الطاقة الكهرومائية أن تُخفّض انبعاثات قطاع الصلب بمقدار 1.2 مليون طن سنويًا.
ومن شأن تعميق تجارة الكهرباء الإقليمية على المدى الطويل والتعاون في مجال الشبكات الذكية أن يوفر 2.4 تيراواط/ساعة سنويًا، ويدرّ 75 مليون دولار من رسوم النقل.

استيراد الكهرباء وإصلاح التسعير في إيران
تُوفر إستراتيجية استيراد الكهرباء الإيرانية الأخيرة تخفيفًا فوريًا للضغط على شبكة الكهرباء المُثقلة، مع تمهيد الطريق لإصلاحات تسعيرية طويلة الأجل.
وبتحويل نحو 2 غيغاواط -أو 14 ألف غيغاواط ساعة سنويًا- من الطلب الصناعي إلى مصادر خارجية، تُخفف الحكومة الضغط على الإمدادات المحلية، وتتجنب الزيادات المفاجئة في أسعار الكهرباء المنزلية، كتلك التي طُرحت أواخر عام 2024.
ومع استيراد ما يصل إلى 30% من الكهرباء الصناعية، تُصبح التعديلات التدريجية على السياسات أكثر جدوى من الناحية السياسية.
في هذا الإطار، فإن خفض الدعم الحكومي -المُقدَّر بنحو 280 مليون دولار- يُتيح مجالًا للحدّ من ارتفاع أسعار الكهرباء للمنازل إلى 15-20%، مقارنةً بالتوقعات السابقة البالغة 40%.
في المقابل، ما تزال الحكومة تواجه أعباء مالية خفية، تشمل أسعار صرف العملات المدعومة وتكاليف النقل التي تبلغ 11.5 مليون دولار سنويًا، إلى جانب التكلفة البديلة لإعادة توجيه 3.06 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من التصدير إلى توليد الكهرباء، أي ما يعادل 550 مليون دولار من الإيرادات المفقودة.
وقد تفرض هذه الضغوط زيادة أسعار الكهرباء على مستوى البلاد بنسبة تتراوح بين 4% و6%.
وعلى المدى البعيد، قد يُساعد الاعتماد على الكهرباء المستوردة في تحويل نموذج التسعير نحو مراعاة التكلفة بشكل أكبر.
ويُتيح المستعملون الصناعيون الذين يدفعون أسعارًا قريبة من أسعار السوق (نحو 0.08 دولار أميركي/كيلوواط /ساعة) مسارًا للتخلص التدريجي من الدعم، بينما قد يُسهم توسيع سعة الطاقة الشمسية -المتوقع أن يُضيف 400 ميغاواط في عام 2025- في تشكيل التسعير المستقبلي.
وبالنظر إلى انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية إلى نحو 0.054 دولار أميركي/كيلوواط/ساعة، قد تنخفض أسعار الاستهلاك السكني خارج أوقات الذروة، بينما تُساعد الواردات ومصادر الطاقة المتجددة معًا في تحديد أسعار ساعات الذروة عند نحو 0.15 دولارًا أميركيًا/كيلوواط ساعة.
وستختلف آثار التسعير باختلاف فئات المستعملين، وقد تستمر الأسر ذات الاستهلاك المنخفض (أقل من 300 كيلوواط/ساعة شهريًا) في الاستفادة من الأسعار المدعومة (نحو 180 ألف ريال أو 0.26 دولار أميركي شهريًا).
وقد يواجه المستهلكون ذوو الاستهلاك المرتفع فواتير شهرية تصل إلى 25 مليون ريال (36 دولارًا أميركيا) بحلول عام 2026.
وستشهد الصناعات المعتمدة على الكهرباء المستوردة أسعارًا مستقرة بين 0.07 و0.09 دولارًا أميركيًا/كيلوواط/ساعة، بينما قد تدفع تلك التي ما تزال تعتمد على الشبكة الوطنية ما يصل إلى 0.10 دولارًا أميركيًا/كيلوواط/ساعة، مع تزايد الطلب على الاستثمار في البنية التحتية.
الخلاصة
تُمثّل خطة إيران لاستيراد الكهرباء حلًا عمليًا لمشكلات الطاقة الخطيرة التي تواجهها.
وتُبرز هذه السياسة نقاط ضعف هيكلية ومقايضات مالية، رغم أنها تُقدّم دعمًا فوريًا للصناعة، وتُثبت مؤقتًا تعرفات المنازل.
لذلك، سيكون من الضروري تبنّي التعاون الإقليمي، وتطوير البنية التحتية للنقل، وزيادة الطاقة المتجددة، لضمان الاستدامة على المدى الطويل.
وقد تُشكّل الأزمة الحالية نقطة انطلاق لتحديث قطاع الطاقة، وتعزيز المرونة الاقتصادية، وزيادة الأهمية الجيوسياسية، إذا تمكنت إيران من ترسيخ مكانتها بصفتها مركزًا في تجارة الكهرباء الأوراسية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أزمة الكهرباء في إيران تدفع المزارعين إلى الألواح الشمسية
- أزمة الكهرباء في إيران ولماذا تفاقمت؟.. القصة كاملة بالأرقام (تقرير)
- أزمة الكهرباء في إيران تتفاقم.. ما علاقة إسرائيل؟
اقرأ أيضًا..
- بعد حادث ليبيا.. تسرب نفطي يبث الرعب في الهند
- سفينة تغويز جديدة تصل إلى مصر لتأمين احتياجات قطاع الكهرباء
- مرافق نقل الهيدروجين في أوروبا "متخلفة عن الركب" (تقرير)