هل الطاقة المتجددة أرخص من الوقود الأحفوري؟ تقرير يفنّد المزاعم
دينا قدري

- صانعو السياسات يُصرّون على أن مصادر الطاقة المتجددة أرخص من الوقود الأحفوري
- ارتفاع أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة يرجع إلى سياسات دعم توليد الطاقة المتجددة
- يبدو من المستحيل تحقيق أهداف الحياد الكربوني دون تضحيات كبيرة من المواطنين
- القدرة التنافسية الدولية للمملكة المتحدة تتضرّر بسبب أسعار الكهرباء المرتفعة
يُصرّ صانعو السياسات على أن مصادر الطاقة المتجددة زهيدة التكلفة، مقارنةً بتوليد الكهرباء عبر الوقود الأحفوري، بما يدعم أهداف الحياد الكربوني العالمية.
ووفق تقرير حديث اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، من غير المرجح أن تتحقّق على الإطلاق وعود صُنّاع السياسات في المملكة المتحدة بشأن الطاقة الخضراء الرخيصة.
وأشار التقرير إلى أن المملكة المتحدة لديها أعلى أسعار للكهرباء الصناعية في العالم، ورابع أعلى أسعار للكهرباء المحلية، إذ إن العديد من التكاليف التي يدفعها المستهلكون ناتجة عن خيارات السياسات المُصمّمة لدعم توليد الطاقة المتجددة والسعي إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ورأى التقرير -الذي نشرته شركة استشارات الطاقة "واط لوجيك" (Watt Logic)- أن المواطنين انخدعوا بروايات تزعم أن الطاقة المتجددة رخيصة، مصدقين إياها لأن الرياح والشمس "مجانيتان"، متجاهلين حقيقة أن الآلات اللازمة لتحويل طاقتهما إلى كهرباء بعيدة كل البعد عن أن تكون مجانية، بل هي في الواقع باهظة الثمن في معظمها.
وشدد على ضرورة أن يكون واضحًا أن الطاقة المتجددة ليست رخيصة؛ استنادًا إلى الأدلة التي تشير إلى أنه بعد 35 عامًا من الإعانات لم تحدث أي فوائد ملموسة من خلال خفض الفواتير.
الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة
في المملكة المتحدة، مصادر الطاقة المتجددة الوحيدة التي يُمكن نشرها على نطاق واسع هي طاقة الرياح والطاقة الشمسية، اللتان يعتمد إنتاجهما على تقلّبات الطقس المعروفة بعدم موثوقيتها وتقلبها.
ولضمان استمرارية الكهرباء، من الضروري الحفاظ على كمية مكافئة من الكهرباء القابلة للتوزيع، والبطاريات، وخطوط الربط الكهربائي.
لكن البطاريات صغيرة الحجم تنفد بسرعة، وتعتمد خطوط الربط الكهربائي على حسن نيات الدول المجاورة؛ كما أن كلاهما قد يكون مكلفًا، خاصةً إذا اعتمدت الدول المتصلة -أيضًا- على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
كما تتميّز مصادر الطاقة المتجددة بانخفاض كثافة الطاقة؛ ما يتطلّب المزيد من البنية التحتية للشبكة لربطها، بحسب ما أكدته الكاتبة كاثرين بورتر في تقريرها بعنوان "القدرة الحقيقية على تحمل تكاليف الحياد الكربوني".
والأهم من ذلك كله، على الرغم من بدء الدعم المالي في عام 1990، ما تزال مصادر الطاقة المتجددة تتطلّب دعمًا ماليًا لبنائها، وهذه الإعانات في ازدياد بدلًا من الانخفاض.
في الواقع، تشير الأدلة إلى أن المستهلكين كانوا سيحقّقون تحسنًا ماليًا بنحو 220 مليار جنيه إسترليني (294.11 مليار دولار) في عام 2025؛ لو لم تُجرَ محاولة تحول الطاقة.
وأشار التقرير -الذي حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن تقدّم المملكة المتحدة في خفض انبعاثات قطاع الطاقة قد تحقّق "بمحض الصدفة" إلى حدٍّ كبير؛ نتيجة انخفاض إنتاج الفحم في وقت بدأ فيه استغلال غاز بحر الشمال.
حتى لجنة تغير المناخ تُدرك أن الوفورات المالية قد لا تتحقّق إلا بحلول فترة ميزانية الكربون السابعة التي تمتد من عام 2038 إلى عام 2040، أيّ بعد نصف قرن من بدء دعم توليد الطاقة المتجددة!
وتتضرّر القدرة التنافسية الدولية للمملكة المتحدة بسبب أسعار الكهرباء المرتفعة نسبيًا، الناتجة عن خيارات سياسية، رغم شعارات صانعي السياسات حول "ارتفاع أسعار الغاز الدولية".
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة لديها أعلى أسعار للكهرباء الصناعية في العالم المتقدم، ورابع أعلى أسعار للكهرباء المحلية، فإنها تأتي في المرتبة الخامسة عشرة فقط من حيث أعلى أسعار الغاز.
ارتفاع أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة
لا تُفسّر أسعار الغاز وحدها ارتفاع أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة، في عالمٍ تُلزم فيه جميع الدول المستوردة للغاز بدفع "أسعار الغاز العالمية"، وتستعمل العديد منها الغاز بوصفه وقودًا هامشيًا لتوليد الكهرباء.
في الواقع، يكمن السبب في ذلك في الخيارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، والتي أضافت مليارات الجنيهات الإسترلينية إلى تكاليف الفواتير.
وذكرت الكاتبة كاثرين بورتر -في تقريرها- أن بعض الدول تسعى إلى استرداد تكاليف مماثلة من خلال الضرائب، ولكن لم تفرض دولٌ أخرى -في المقابل- الرسوم الإضافية المطبقة في المملكة المتحدة.
وكانت النتيجة انخفاضًا طفيفًا في انبعاثات المملكة المتحدة يتجاوز ما تحقّق عرضيًا من خلال التحول من الفحم إلى الغاز في قطاع الطاقة، ولكن ليس انخفاضًا في الانبعاثات العالمية؛ إذ انتقل التصنيع ببساطة إلى دول ذات طاقة أرخص (وأكثر تلويثًا للبيئة)، مع انبعاثات إضافية يسبّبها نقل البضائع إلى المملكة المتحدة، غالبًا من أماكن بعيدة مثل الصين.
وتستورد المملكة المتحدة بصورة متزايدة سلعًا ثقيلة الحجم مثل الفولاذ؛ ما يُسبب انبعاثات نقل كبيرة، ومن الأفضل إنتاج هذه السلع محليًا قدر الإمكان.
لكن أسعار الطاقة المرتفعة نسبيًا في المملكة المتحدة تجعل هذا الأمر غير اقتصادي؛ وبما أن المملكة المتحدة لا تُمثّل سوى 0.8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، فإن الضرر الاقتصادي الذاتي الذي تُسببه سياسات الطاقة العقابية هذه لا يُجنى منه سوى القليل.
وأشار التقرير -الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- إلى أنه يبدو من المستحيل تحقيق أهداف الحياد الكربوني دون تضحيات كبيرة من المواطنين؛ فعاجلًا أم آجلًا، سيُدرك المواطنون المدى الكامل لهذا المطلب، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانوا سيوافقون عليه.
وبدأ الناخبون في كل من الولايات المتحدة وأوروبا التخلي عن مشروع الحياد الكربوني؛ وقد يفعل الناخبون في المملكة المتحدة الشيء نفسه.
الطاقة المتجددة ليست أرخص
هل ستصبح مصادر الطاقة المتجددة أقل تكلفة؟ باختصار، لا؛ إذ تشير جميع الدلائل إلى أن تكاليف مصادر الطاقة المتجددة ودعمها لا ترتفع فحسب، بل من المرجح أن تستمر في الارتفاع، بحسب ما جاء في التقرير.
وتفترض لجنة تغير المناخ (CCC) أن تبلغ تكاليف طاقة الرياح البحرية 51 جنيهًا إسترلينيًا (68.18 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة في عام 2025، وتنخفض إلى 31 جنيهًا إسترلينيًا لكل ميغاواط/ساعة في عام 2050، وأن تبلغ تكاليف الطاقة الشمسية الكهروضوئية 46 جنيهًا إسترلينيًا (61.50 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة في عام 2025، وتنخفض إلى 27 جنيهًا إسترلينيًا (36.10 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة في عام 2050.
(الجنيه الإسترليني= 1.34 دولارًا أميركيًا)
هذه الأرقام لعام 2030 فصاعدًا، أقل حتى من تقرير تكلفة توليد الكهرباء الحكومي لعام 2023، الذي عُدَّ بحد ذاته متفائلًا للغاية؛ إذ افترض أن تكاليف مصادر الطاقة المتجددة ستستمر في الانخفاض على الرغم من ارتفاع سلسلة التوريد والتضخم.
من جانبه، أشار تحليل أجرته شركة الاستشارات العالمية للسلع "سي آر يو إنترناشيونال" (CRU International) إلى أن الجدوى الاقتصادية لمشروعات طاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة مبنية على تحقيق إيرادات أعلى في المستقبل، بعد انقضاء فترة العقود مقابل الفروقات البالغة 15 عامًا، عندما يُتوقع أن ترتفع أسعار الكهرباء، نتيجة لارتفاع أسعار الكربون.
ويُعدّ توقع ارتفاع الأسعار أمرًا مثيرًا للاهتمام؛ نظرًا إلى أن إحدى "الفوائد" الرئيسة لمصادر الطاقة المتجددة، وفقًا لصانعي السياسات، هي أنها ستخفض التكاليف على المستهلكين، لذا فإن فكرة أنها لا تكون مجدية إلا بارتفاع التكاليف تُقوّض هذه الادعاءات، وفق ما أكدته الكاتبة كاثرين بورتر.
وتقترح الحكومة تغييرات -سيجري اعتمادها لاحقًا- على طريقة تحديد ميزانية العقود مقابل الفروقات؛ فبدلًا من تحديدها قبل بدء المزاد، لن يُنشر إشعار الميزانية إلا بعد تسلّم العطاءات المغلقة.
وتقول الحكومة إن هذا سيسمح بتحديد ميزانيات المزاد لطاقة الرياح البحرية الثابتة "لتعظيم الطاقة الإنتاجية"، وقد يمكّن الحكومة من شراء المزيد من طاقة الرياح البحرية الثابتة في القاع، مع مراعاة معايير القيمة مقابل المال، لتوفير طاقة نظيفة بحلول عام 2030.
يبدو هذا وكأن الحكومة تنوي إعطاء الأولوية للكمية على التكلفة؛ ما سيؤدي على الأرجح إلى تحميل المستهلكين تكاليف أعلى.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي (دراسة)
- الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة تتصدر أولويات حكومة حزب العمال
- الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة مقيدة بـ"البيروقراطية".. وتهديد بسحب الاستثمارات
اقرأ أيضًا..
- حقل نفط عربي يقتنص أكبر صفقة في 2025.. ماذا تعرف عنه؟
- بيع حصة من حقل غاز احتياطياته 636 مليار قدم مكعبة
- مركز جديد لإنتاج الهيدروجين في أوروبا.. كيف يتحول بعيدًا عن الفحم؟
- السيارات الكهربائية تتلقى صدمة جديدة.. هوندا تقلص استثماراتها 30%
المصدر: