
في خطوة جديدة تُسلّط الضوء على التغيرات المتسارعة في مشهد الطاقة الإقليمي، أعلنت سوريا اليوم، الخميس 22 مايو/أيار 2025، توقيع اتفاقية تعاون مشترك مع تركيا لتطوير وتعزيز التعاون في مجال الطاقة، في إطار مساعٍ مشتركة لإعادة بناء البنى التحتية المنهكة وتوفير موارد طاقة مستدامة.
وتُمثّل الاتفاقية، التي وقّعها وزير الطاقة السوري المهندس محمد البشير، ونظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار، مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة من التعاون الثنائي، تستهدف مباشرةً معالجة التحديات المزمنة التي يواجهها قطاع الطاقة في البلاد، الذي تأثَّر بشكل بالغ نتيجة الحرب التي استمرت أكثر من عقد.
ووفقًا لبيان طالعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، قال الوزير السوري، خلال مؤتمر صحفي عقب توقيع الاتفاقية: "نعمل على استكمال إجراءات ربط خط 400 كيلو فولت الذي سيصل تركيا بسوريا".
وأضاف: "يُتوقّع تشغيل الربط الكهربائي بين البلدين بحلول نهاية العام الجاري، في خطوة قد تُحدِث انفراجة جزئية في الأزمة الكهربائية المزمنة داخل البلاد".
ومن جانبه، أوضح الوزير التركي أن دمشق بدأت منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي العمل على إعادة الإعمار في مختلف المجالات، مشيرًا إلى أن قطاع الطاقة السوري يحظى بالأولوية القصوى ضمن هذه الجهود.
وأضاف بيرقدار أن بلاده ستزوّد سوريا بـ6 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، بالإضافة إلى توفير 1000 ميغاواط من الكهرباء.
تفاصيل الاتفاقية
تتضمن الاتفاقية بين الجانبين التركي والسوري تزويد سوريا بالغاز والكهرباء عبر خط مباشر من مدينة كلّس التركية إلى مدينة حلب، التي تُعدّ مركزًا محوريًا في شبكة الكهرباء السورية.
ويُستَكمَل حاليًا ربط الشبكتين عبر خط 400 كيلوفولت، ما يتيح نقل الكهرباء بكفاءة وسرعة إلى الداخل السوري، وبخاصة إلى المناطق ذات الأولوية التشغيلية.
وتهدف الاتفاقية إلى معالجة فجوة الطاقة التي يعاني منها قطاع الكهرباء في سوريا، إذ تُقدَّر الاحتياجات اليومية لتشغيل المحطات بنحو 23 مليون متر مكعب من الغاز، بينما لا يتوافر حاليًا سوى 6 ملايين متر مكعب فقط.
ويُتوقع أن تُسهم الكمية التركية في تغطية جانب من هذا العجز، رغم بقائه محدودًا نسبيًا.

وبحسب بيانات رسمية، فإن الطاقة الإنتاجية الحالية للمحطات في سوريا لا تتجاوز 1700 ميغاواط، مقارنةً بطاقة توليدية ممكنة تبلغ نحو 5000 ميغاواط، إذا توفرت كميات الوقود المطلوبة.
وتسعى وزارة الطاقة السورية لرفع الإنتاج إلى 4000 ميغاواط خلال العام المقبل.
قطاع الطاقة في سوريا
شهد قطاع الطاقة في سوريا دمارًا واسع النطاق خلال السنوات الـ13 الماضية، إذ تضررت محطات التوليد وخطوط النقل على نحو كبير.
وتعمل مؤسسة توليد الكهرباء على تنفيذ مشروعات صيانة تشمل المجموعة البخارية الرابعة في بانياس، والثالثة في الزارة، والخامسة في حلب، إضافة إلى المجموعة الغازية الثانية في محطة الناصرية، بهدف رفع مستوى الجاهزية الفنية.
وفي سياق موازٍ، تعمل الحكومة السورية على استكمال مشروعات إستراتيجية مثل محطة توليد اللاذقية (526 ميغاواط)، والمربع الثاني من محطة دير علي (750 ميغاواط)، فضلًا عن إعادة تأهيل محطة توليد حلب (600 ميغاواط)، مع خطط للتوسع في بناء محطات جديدة تدعم التعافي طويل الأمد.
وفي مقابلة مع منصة الطاقة المتخصصة، قال مدير مؤسسة النقل والتوزيع بوزارة الكهرباء السورية، المهندس خالد أبودي، إن منظومة التوليد تعتمد إلى حدّ كبير على الوقود الأحفوري، في ظل غياب شبه تامّ للاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة.
وأشار إلى أن الطاقة الكهرومائية تُغطي نسبة ضئيلة لا يمكن الاعتماد عليها في تقليص العجز.

الغاز القطري والدعم التركي.. هل يكفيان لسدّ الفجوة؟
بالإضافة إلى الدعم التركي، تتلقى سوريا منحة غاز قطرية تُغطي حاليًا نحو مليوني متر مكعب يوميًا، إلّا أن هذه الكمية تبقى غير كافية لتلبية احتياجات البلاد.
وبينما تحتاج دمشق إلى 7000 طن من الفيول يوميًا، فإن المتوفر منها لا يتجاوز 3000 طن فقط، ما يُشكّل تحديًا آخر أمام استقرار التوليد.
ويؤكد خبراء أن الاتفاق السوري-التركي الجديد لا يُمثّل حلًا شاملًا لأزمة الطاقة، لكنه يُعدّ نقطة تحوّل مهمة على طريق استعادة التوازن، لا سيما في ظل انعدام الخيارات المحلية الفعّالة، وضعف التمويل المتاح لإعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا.
وتأتي هذه التطورات في وقت يتزايد فيه الضغط على الحكومة السورية لإيجاد حلول سريعة تضمن تحسين الواقع المعيشي، وسط تحديات اقتصادية وإنسانية خانقة.

ويرى مراقبون أنّ تحسُّن أداء قطاع الكهرباء سيُعزز فرص الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المدى المتوسط، شريطة توفُّر الدعم الخارجي المستدام وتوسيع قاعدة الشراكات الإقليمية.
وبهذا الاتفاق، تأمل سوريا أن تخطو خطوة عملية نحو استعادة قدراتها الكهربائية تدريجيًا، وسط تطلّعات بأن تفتح هذه الشراكة مع تركيا الباب أمام استثمارات إضافية تُعيد رسم خريطة الطاقة في المنطقة.
موضوعات متعلقة..
- قطاع الطاقة في سوريا ركيزة التعافي الاقتصادي.. وهذه الدروس المستفادة من دول الجوار
- قطاع الطاقة في سوريا يُظهر معاناة 14 عامًا من الحرب.. ماذا بعد؟
اقرأ أيضًا..
- حقل شرق بغداد يترقب قفزة إنتاجية مدفوعة بتقنية مبتكرة.. ما القصة؟
- أكبر مزرعة رياح في أستراليا تبنيها فورتسيكو
- إنتاج مصر من النفط الخام يهبط لأقل مستوى في 50 عامًا
- أكبر مصفاة نفط في أفريقيا تشتري 9 ملايين برميل من أميركا خلال شهر
المصدر..