الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا.. هل تتحقق الصفقة الكبرى؟ (مقال)
د. مراحي رضا

يمثّل مشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا أهمية كبيرة للمنطقة، إذ تُعدّ خطوط نقل الكهرباء بمختلف أنواعها منخفضة ومتوسطة وعالية الجهد من أهم الهياكل الأساسية في الشبكة الكهربائية.
وتُمكّن هذه الخطوط من نقل الكهرباء من محطات الإنتاج إلى مختلف محطات التوزيع ومراكز الاستهلاك.
ومن أبرز مزايا هذه المنشآت أنها تضمن استمرارية نقل الطاقة حتى في أوقات الأزمات، مثل تعطّل بعض محطات التوليد أو التحويل، ما يُبرز الدور الحيوي لخطوط النقل في تلك اللحظات.
وفي معظم الدول، يُسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في محطات التوليد والتوزيع، غير أن مجال نقل الكهرباء عادةً لا يُعرض للخصخصة نظرًا إلى حساسيته الكبيرة وأهميته الإستراتيجية.
وتُسهم الشبكة الكهربائية بصورة مباشرة في استقرار الطاقة وأمنها لأي منطقة أو دولة، ولهذا تحظى هذه المنشآت بأهمية بالغة لدى صُنّاع القرار، سواء من ناحية التطوير أو الاستثمارات التي تقوم بها الدولة أو الشركات الوطنية للطاقة.
ومن بين أسوأ السيناريوهات التي تسعى جميع الدول لتفاديها هو الانقطاع الشامل للكهرباء (BLACK-OUT)، لما يترتب عليه من آثار وخيمة تمسّ مختلف القطاعات الحيوية دون استثناء.
لهذا، يعمل القائمون على إدارة الطاقة تحت ضغط دائم لتفادي حدوث مثل هذه الحوادث.
خطوط الربط الكهربائي بين الدول
يُعدّ قطاع الطاقة الكهربائية من المجالات التي تتطلّب استثمارات ضخمة لضمان استقراره واستمراريته، وغالبًا ما يحتاج إلى العملة الصعبة، لأن الشركات الوطنية قد لا تمتلك الإمكانات الكافية، ما يضطرها إلى الاستعانة بشركات أجنبية لتنفيذ مشروعات معينة.
ومن أبرز أنواع الشبكات الكهربائية التي تعرف رواجًا كبيرًا في الوقت الراهن، هي شبكات الربط بين المناطق والدول.
فبسبب الزيادة المستمرة في الاستهلاك الوطني الناتج عن النمو السكاني وتطور قطاعات الصناعة والزراعة وغيرها، أصبحت الشبكات الوطنية تعاني صعوبات في تلبية الطلب المتزايد.
ولضمان استقرار الشبكة الكهربائية، لا بد من الحفاظ على توازن دقيق بين الإنتاج والطلب، وأي تأخير في دخول محطة جديدة إلى الخدمة قد يؤدي إلى اضطرابات في تردد التيار الكهربائي، الذي يجب أن يبقى مستقرًا عند 50 أو 60 هرتز حسب كل دولة.

لهذا السبب، تسعى الدول إلى تقوية شبكاتها من خلال ربطها بشبكات مجاورة للاستفادة من التبادل الطاقوي، سواء عن طريق التصدير أو الاستيراد، حسب القدرات الوطنية وسعر الكيلوواط.
وقد أسهمت هذه الشبكات في تحسين نوعية الطاقة وكميتها الكهربائية المتاحة، كما تُعدّ وسيلة احتياطية فعّالة يمكن اللجوء إليها في أوقات الحاجة أو خلال الأزمات.
وبالفعل، ساعدت الشبكات المترابطة على تقليص أسعار الكهرباء وتقليل عدد أعطال الشبكة، مع تحسين جودة الطاقة.
لهذا، تسعى الدول إلى إنشاء شبكات الربط الكهربائي وتطويرها عبر تنفيذ مشروعات جديدة وإستراتيجية، إذ توجد حاليًا على المستوى الدولي شبكات مترابطة تربط بين عدة دول، ومن أبرزها شبكة الربط الكهربائي بين دول الاتحاد الأوروبي.
فوائد الربط الكهربائي
بصورة عامة، فإن الربط الكهربائي بين المناطق يحمل العديد من الفوائد:
- أمن الإمدادات: يُمكن تبادل الطاقة بين المناطق لتعويض العجز أو تصريف الفوائض، ما يقلّل من احتمالية حدوث انقطاعات في التيار الكهربائي.
- خفض التكلفة: يُمكّن الربط الكهربائي المناطق من شراء الكهرباء بأسعار أقل مقارنة بتكلفة الإنتاج المحلي، ما يُحسّن من استغلال الموارد المالية.
- استقرار ومرونة الشبكة: كلما زادت درجة الترابط بين الشبكات، أصبحت أكثر استقرارًا ومرونة في التعامل مع تقلبات الأحمال، وأسهل في دمج مصادر الطاقة المتجددة.
لذلك، يُعدّ تعزيز الترابط بين المناطق أمرًا ضروريًا لضمان أمن الإمدادات، وخفض التكاليف، وتحسين استقرار الشبكة ومرونتها.
شبكة الربط الكهربائي
تعود فكرة إنشاء شبكة الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا إلى ما قبل تأسيس اتحاد المغرب العربي عام 1989، إذ كان التعاون في المجال الطاقوي أولوية حتى قبل التعاون السياسي.
ففي عام 1972، تأسست لجنة الكهرباء المغاربية (COMELEC)، التي كان من بين مهامها الرئيسة تعزيز التعاون والشراكة في مجال الكهرباء.
وبالفعل، شهدت السنوات الموالية إنشاء عدد من خطوط الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا، وهي خطوط كهربائية تربط دول المنطقة.
ويوضح الجدول الآتي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، خطوط الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا القائمة في الوقت الحالي:
وحسب المعطيات، فإن الجزائر تمتلك عددًا من خطوط الربط الكهربائي مع كل من تونس والمغرب.
غير أن هذه الخطوط التي تربط الجزائر بالمغرب توقفت عن الخدمة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بسبب الخلافات السياسية بين البلدين.
في المقابل، ما تزال خطوط الربط بين الجزائر وتونس فعّالة، وقد بلغت صادرات الجزائر نحو 14% من احتياجات السوق التونسية في عام 2024.
وفي7 سبتمبر/أيلول 2024، صدّرت شركة سونلغاز نحو 1000 ميغاواط في وقت قياسي إلى الشبكة التونسية، وذلك لضمان استقرار المنظومة بعد تعطّل محطة كهربائية بقدرة 400 ميغاواط.
مشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا
يأتي مشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا، بعد مساعٍ كبيرة من الجزائر لتعزيز شبكتها الكهربائية على المستوى المغاربي، وذلك عبر مشروعات ربط تشمل دول المغرب العربي.
وقد أسهمت شبكة الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا في تحقيق تبادل كهربائي يُساعد على توازن المنظومة الطاقوية.
ومع وصول قدرة الإنتاج إلى 25 ألف ميغاواط في عام 2024، وتحقيق فائض يُقدّر بنحو 5 آلاف و600 ميغاواط، أصبحت الجزائر في موقع مريح يسمح لها بالتوجه نحو تصدير الطاقة.
ويُعدّ مشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا من الموضوعات الحاضرة بقوة في وسائل الإعلام مؤخرًا.
وقد أُعلن رسميًا خلال زيارة العمل التي قام بها المدير العام لسونلغاز والوفد المرافق له إلى تونس يوم 9 يناير/كانون الثاني 2025، في لقاء جمع بين الشركات الثلاث: سونلغاز (الجزائر)، والستاغ (تونس)، وجيكول (ليبيا).

وفي تصريح للإذاعة الجزائرية بتاريخ 16 مارس/آذار 2025، أوضح مدير الدراسات الاقتصادية بمجمع سونلغاز محمد لخضر حبيب، أن الربط مع تونس لا يطرح أي إشكالية نظرًا إلى وجود خطوط جاهزة وفي الخدمة.
أما التحدي الأكبر، وفق حبيب، فيكمن في الربط مباشرة مع ليبيا وذلك لبُعد المسافة ومواقع الاستهلاك، مضيفًا أن الأيام المقبلة ستشهد توقيع مذكرة تفاهم بين الدول الثلاث لإطلاق الدراسات الأولية الخاصة بمشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا.
وعند اكتماله، سيُسهّل مشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا، نقل التيار بين الدول الـ3، ويُعزّز استقرار الشبكة وجودة الخدمة، ما يُسهم في الحدّ من الانقطاعات.
كما سيسمح المشروع للجزائر بتصدير فائضها من إنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى استغلال محطاتها الكهربائية بصورة أمثل.
وعلى المستوى الدولي، تطمح الجزائر إلى الربط مع الشبكة الأوروبية لتعزيز شبكتها الكهربائية والانخراط في سوق تصدير الكهرباء إلى القارة الأوروبية.
وتُجري الجزائر حاليًا محادثات مع الجانب الإسباني، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية مع الجانب الإيطالي لإنشاء خطوط ربط كهربائي مع أوروبا، باستعمال خطوط تعمل بالتيار المستمر (DC)، نظرًا إلى أن المسار يمر عبر البحر.
وسيفتح مشروع الربط الكهربائي بين الجزائر وتونس وليبيا، الباب لإحياء مشروع "ETLAM"، الذي يهدف إلى إنشاء شبكة كهربائية مترابطة بين كل من مصر وتونس، وليبيا والجزائر، والمغرب.
وحتى في حال غياب دولة أو دولتَيْن عن المشروع، يمكن أن يظل المشروع قابلًا للحياة ويشهد انتعاشًا من جديد.
د. مراحي رضا - باحث وخبير في مجال الطاقة
موضوعات متعلقة..
- مشروعات الجزائر في النيجر.. مبادرات إستراتيجية لدعم أمن الطاقة (مقال)
- 5 مقومات تمنح الجزائر الأولوية في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا (مقال)
- طريق الانتقال الطاقي في الجزائر.. إمكانات ضخمة تحقق الاستقلالية (مقال)
اقرأ أيضًا..
- انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية.. أعباء اقتصادية وسياسية تواجهها موسكو (مقال)
- قرار مرتقب من ترمب يضرب جهود مكافحة تغير المناخ
- خطة لإنقاذ شبكة الكهرباء بعد حرائق لوس أنجلوس.. واعتراف خطير للشركة