التغير المناخيالمقالاترئيسيةمقالات التغير المناخي

تغير المناخ والأمن المائي في أفريقيا.. آثار ممتدة وتحديات تتطلب حلولًا (مقال)

د. منال سخري

يؤثّر تغير المناخ في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية، ليس في قارة أفريقيا فقط، بل في جميع أنحاء العالم كذلك.

ومن أبرز تداعياته زيادة وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة مثل حرائق الغابات، والفيضانات، والعواصف، والأمطار الغزيرة، والجفاف، بالإضافة إلى موجات الحرارة.

هذه الظواهر الناتجة عن تفاقم تداعيات تغير المناخ تضيف ضغطًا متزايدًا على موارد المياه، خصوصًا خلال فترات الجفاف، مما يزيد من تعقيد الأزمة البيئية العالمية.

وفي السياق نفسه، تواجه قارة أفريقيا أزمات مماثلة، إذ تتأثر بالتغيرات المناخية بشكل كبير في قطاعات عديدة، ومن بين هذه القطاعات -وفي مقدمتها- الموارد المائية.

آثار تغير المناخ في القارة الأفريقية

تعاني قارة أفريقيا خصوصًا من آثار تغير المناخ في مواردها المائية، فقد أسهم ارتفاع درجات الحرارة في تغيير أنماط هطول الأمطار، مما أدى إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية في مناطق مثل جبل كينيا، وجبل كليمنجارو في تنزانيا، وجبال روينزوري في أوغندا.

وحسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، قد يختفي جبل كليمنجارو تمامًا بحلول عام 2040، إذا استمرت هذه الاتجاهات.

إضافة إلى ذلك، شهدت البحيرات العذبة في إفريقيا تراجعًا ملحوظًا في مساحتها، حيث تقلصت بحيرة تشاد من 25 ألف كيلومتر مربع في الستينيات إلى 1,350 كيلومترًا مربعًا فقط بحلول الألفية الجديدة.

وتقع هذه البحيرة في منطقة الساحل، وتشترك فيها نيجيريا، والنيجر، وتشاد، والكاميرون، وتعدّ مصدرًا حيويًا لأكثر من 17.4 مليون شخص.

ومع جفاف البحيرة، تفاقمت النزاعات في المنطقة، مما جعل الدول المحيطة بها من بين الأكثر هشاشة في أفريقيا، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020.

أزمة المياه في أفريقيا
أزمة المياه في أفريقيا - الصورة من موقع اليونيسيف

تحديات إدارة المياه

تواجه أفريقيا أزمة مياه متفاقمة نتيجة لتغير المناخ، إذ أسهم ارتفاع درجات الحرارة وزيادة موجات الجفاف في انخفاض تدفُّق الأنهار وتراجع مستويات البحيرات الكبرى مثل بحيرة تشاد، التي تقلصت مساحتها من 25 ألف كيلومتر مربع في الستينيات إلى 1,350 كيلومترًا مربعًا في الألفية الجديدة.

وهذا الانخفاض له تأثيرات كبيرة في القطاعات الزراعية والنظم البيئية، مما يهدد الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية في القارة.

فوفقًا لتقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، من المتوقع ألّا تتمكن 80% من الدول الأفريقية من إدارة مواردها المائية بشكل مستدام بحلول عام 2030، مما قد يزيد من حدّة النزاعات نتيجة ندرة المياه.

إضافة إلى ذلك، فإن التأخر في تحسين الأمن المائي يعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما فيما يتعلق بالقضاء على الفقر (الهدف 1)، وتوفير الطاقة النظيفة (الهدف 7)، وتقليل مخاطر الكوارث (الهدف 11).

على سبيل المثال، شهد جنوب مدغشقر أسوأ موجة جفاف منذ 40 عامًا، مما أدى إلى أزمة مجاعة حادة، كما سجلت شمال أفريقيا موجات حرارة قياسية.

وبحسب تقرير نُشر في مجلة Nature عام 2024، فإن ارتفاع الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية يزيد من وقت جمع المياه اليومي بمقدار 4 دقائق، بينما يؤدي انخفاض هطول الأمطار إلى زيادة أكبر، خصوصًا في المناطق التي تعتمد على النساء في جمع المياه.

وبحلول عام 2050، قد ترتفع أوقات جمع المياه بنسبة 30% عالميًا، وقد تصل إلى 100% في بعض المناطق من قارة أفريقيا.

تغير المناخ في أفريقيا

مبادرات للتقليل من أزمة المياه

مع تزايد الوعي بأهمية حماية واستعادة مصادر المياه التقليدية، أُطلِق العديد من المشروعات التي تهدف إلى إعادة تأهيل البرك والآبار.

ورغم تباين نتائج هذه المشروعات، فإنها تسهم في التكيف مع تغير المناخ، ففي المناطق الريفية، تتواصل الجهود لاستعادة البرك والآبار بجزء من الحلول المحلية لمواجهة ندرة المياه.

في المقابل، بدأت المدن تتبنّى أنظمة لتخزين المياه وإعادة تدويرها ضمن مشاريعها العمرانية، كما شهدنا اهتمامًا متزايدًا لدى الأفراد بإنشاء مرافق لتجميع مياه الأمطار واستعمالها، حتى في غياب الدعم الحكومي.

ورغم أن هذه المبادرات قد لا تقدّم حلولًا شاملة لجميع مشكلات المياه المرتبطة بتغير المناخ، فإنها تسهم بشكل كبير في رفع الوعي حول أهمية الإدارة المحلية للمياه.

ويعدّ دمج التقنيات الحديثة مع الممارسات التقليدية خطوة فعالة نحو ضمان استدامة الموارد المائية في القارة الأفريقية، مما يساعد في تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع التحديات البيئية المتزايدة.

الحلول المطلوبة لمواجهة الأزمة المائية في أفريقيا

لمواجهة أزمة المياه المتفاقمة في أفريقيا نتيجة لتغير المناخ، هناك عدد من الحلول التي يجب أن تتّبعها الحكومات والمجتمعات المحلية، وتتمثل في:

  • تحسين السياسات الحكومية: يتعين على الحكومات الأفريقية وضع إستراتيجيات شاملة ترتكز على الحوكمة المائية، بهدف ضمان توزيع عادل للمياه وتخصيص التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية المائية.
  • تعزيز البنية التحتية للمياه: يجب تحسين شبكات المياه والصرف الصحي، وزيادة الاستثمار في تقنيات تحلية المياه وإعادة تدويرها، لضمان توفير المياه بشكل مستدام.
  • إحياء الأنظمة التقليدية: يمكن لممارسات مثل تجميع مياه الأمطار وإعادة تأهيل الآبار الجوفية أن تقدّم حلولًا محلية للمجتمعات التي تعاني من الجفاف.
  • التعاون الإقليمي: يتعين على الدول الأفريقية تبادل الموارد والتقنيات جماعيًا لمواجهة تحديات المياه المشتركة الناجمة عن تفاقم تغير المناخ.
  • دمج إستراتيجيات التكيف مع تغير المناخ: يجب تطوير سياسات تركّز على إدارة المياه بشكل أكثر كفاءة واستدامة في مواجهة التغيرات المناخية.
  • تعزيز الزراعة المقاومة للجفاف: تبنّي ممارسات زراعية مستدامة مثل الري بالتنقيط وزراعة المحاصيل القادرة على تحمُّل الجفاف يعدّ خطوة أساسية نحو تعزيز الأمن الغذائي في المناطق المتأثرة.
  • تبنّي نهج عادل في مواجهة تغير المناخ: وفقًا للأمم المتحدة، فإن تأثيرات التغيرات المناخية لن تكون متساوية بين الأغنياء والفقراء، أو بين الرجال والنساء، أو بين الأجيال. لذا، يجب اتّباع نهج قائم على حقوق الإنسان يعزز العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
طلمبة لضخ المياه في مصر
مضخة لضخ المياه في مصر - الصورة من موقع أورينت

نصل إلى أنه -بالرغم التحديات الكبيرة التي تطرحها أزمة المياه في أفريقيا نتيجة لتغير المناخ- هناك أمل في مواجهة هذه الأزمة من خلال تبنّي حلول شاملة تشمل تقنيات حديثة، وتفعيل الممارسات التقليدية، مثل تجميع مياه الأمطار، وتعزيز التعاون بين الدول الأفريقية.

هذه الخطوات، إلى جانب التزام الحكومات والمجتمعات المحلية، قد تسهم في تعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وضمان استدامة الموارد المائية.

ومع ذلك، يبقى النجاح مرهونًا بوجود إرادة سياسية قوية وجهود من جميع الأطراف لضمان توزيع عادل للمياه وحماية الحقوق المائية للجميع، وإلّا فإن ندرة المياه في أفريقيا ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة النزاعات، وتعميق أزمات الفقر وتغير المناخ في القارة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق